تفاصيل الاتهامات الموجهة لمسؤولة مقربة من المخابرات المصرية التي دفعت الأمن لوقف طباعة صحيفة يسارية عريقة

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/23 الساعة 13:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/23 الساعة 21:15 بتوقيت غرينتش
وقف طباعة صحيفة بتسبب عرضها تقريراً عن اتهامات موجهة إلى الوزيرة المصرية السابقة داليا خورشيد/ رويترز

صدمتان تعرّض لهما الرأي العام المصري: الأولى الشبهات التي أثيرت حول الوزيرة السابقة داليا خورشيد زوجة محافظ البنك المركزي المحسوبة على المخابرات العامة بالتربح من عمل زوجها، والثانية سعي الأمن لمنع نشر أي شيء عن القضية، رغم أنها مثارة بشكل رسمي في البرلمان والرقابة الإدارية.

فقد منع الأمن المصري طباعة العدد الذي كان يفترض أن يصدر الأربعاء 22 مايو/أيار 2019 من جريدة "الأهالي" التابعة لحزب التجمع اليساري وذلك لنشرها تقريراً عن طلبات الإحاطة التي قدمها عضو مجلس النواب محمد فؤاد، اتهم فيها داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة رئيسة مجموعة "إيجل كابيتال" المملوكة لجهاز المخابرات العامة، بالفساد وإهدار المال العام واستغلال نفوذها ونفوذ زوجها للتربح.

وذكر مصدر مطلع على القضية لـ "عربي بوست" أن الأزمة بدأت عندما تحرك عضو النائب محمد فؤاد على محورين لكشف ما قال إنه فساد الوزيرة السابقة.

إذ تقدم من جانب بمذكرة للسيد رئيس هيئة الرقابة الإدارية حول الوزيرة، ومن جانب آخر تقدم بطلبيْ إحاطة بخصوص ذات الواقعة في البرلمان المصري.

وقررت الجريدة نشر موضوع عن طلب الإحاطة وتحركات النائب، لكن التقرير لم يصل إلى الجمهور بعد أن تم وقف طباعة الجريدة.

وشركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية التي تترأسها الوزيرة السابقة تمتلك شركات كبرى في مجالات مختلفة، وإحدى الشركات التابعة للشركة هي شبكة إعلام المصريين المالكة لعدد من الفضائيات والإذاعات والصحف ومواقع الإنترنت، وعلى رأسها جريدة اليوم السابع وجريدة صوت الأمة ومجلة عين وشركة مصر للسينما وشركة سينرجي للإنتاج والإعلان.

وصحيفة الأهالي صحيفة مصرية عريقة تصدر عن حزب التجمع الذي كان معقل اليسار المصري التقليدي ولكن فقد كثيراً من زخمه خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وازداد اقترابه للسلطة إلى حد أنه أيد التعديلات الدستورية التي مددت فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي

القصة بدأت مع أزمة مديونية الشركة المصرية للهيدروكربون التي يمتلكها مستشار مبارك

حسب ما ورد في المذكرة التي قدمها النائب محمد فؤاد لهيئة الرقابة الإدارية فإنه ،في الثامن من أكتوبر/تشرين عام 2018 نجح رئيس مجلس إدارة الشركة  المصرية للهيدروكربون باسل الباز، (نجل المستشار السياسي السابق للرئيس المعزول حسني مبارك أسامة الباز) في توقيع اتفاق مع البنوك الدائنة لشركته بجدولة تلك الديون والبالغ إجماليها 385 مليون دولار، حسبما روى المصدر لـ "عربي بوست".

ومع حلول موعد أول قسط في مارس/آذار 2019، عجزت شركة الباز عن السداد، معلنة للبنوك أنها نجحت فقط في تدبير 20 مليون دولار من أصل 45 مليون دولار قيمة القسط طالبة من البنوك بالتمهل قليلاً، وهو ما رفضته البنوك تماماً، وقررت البدء في إجراءات الحجز على الشركة.

ظهور مفاجئ للوزيرة حرم محافظ البنك المركزي

تعقدت الأمور أمام رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للهيدروكربون، واقترب شبح الحجز من شركته، وهنا -والحديث للنائب البرلماني- ظهر وسيط هو رجل أعمال إماراتي ليخبر باسل بأن السيدة داليا خورشيد (الوزيرة السابقة وحرم محافظ البنك المركزي) تريد مقابلته.

وهو ما تم بالفعل في نفس اليوم، لتعرض الوزيرة عليه أن تُمثل الشركة أمام كل البنوك وتحل تلك الأزمة، نظير حصولها على مبلغ 275 ألف دولار كاش، فضلاً عن حصولها على مبلغ 50 ألف دولار شهرياً نظير "القيام بأعمال الاستشارات". وأيضاً الحصول على نسبة 3% من القرض الجديد الذي ستقوم بتسهيله مستقبلاً له، مع العلم أن أكبر عمولة متعارف عليها في السوق هي 0.5%.

نجحت الوزيرة فيما وعدت به وتم تأجيل الحجز على الشركة، لكن المشكلة والاتهامات هنا صادرة من النائب أن هناك أكثر من 10 أشخاص جمعوا بين عضويتهم في مجالس إدارات البنوك المانحة للقرض، وعضويتهم في شركة "مسار للاستشارات المالية" المملوكة للوزيرة السابقة، ما يعني أننا أمام شبهة فساد وتضارب مصالح لا ريب فيها.

اللافت أن شهير وفيق ناشد عضو مجلس إدارة بنك "SAIB"، وإبراهيم صفوت لطفي عضو مجلس إدارة البنك العربي الإفريقي، وعبده الفيشاوي عضو مجلس إدارة البريد المصري، الثلاثة كانوا يعملون مع خورشيد أثناء توليها وزارة الاستثمار، حسب المذكرة المقدمة للرقابة الإدارية.

والثلاثة تم تعيينهم من قبل البنك المركزي (الذي يترأسه زوج داليا خورشيد)  كأعضاء في مجالس إدارة تلك البنوك، والثلاثة يعملون الآن أيضاً في شركة مسار المملوكه لداليا خورشيد والتي يفترض أنها تتفاوض باسم الشركة لحل مشكلة مديونيتها مع البنوك الذين هم أعضاء بمجالس إدارتها.

ما يثير شكوكاً بشكل واضح حول كونها قد تكون المسؤولة عن تعيينهم في مجالس إدارات تلك البنوك من خلال زوجها محافظ البنك المركزي، وهم في نفس الوقت موظفون لديها في شركتها.

"ادفع بالتي أحسن في خطاب رسمي موجه للبنوك"

لم يقتصر الأمر على تلك الواقعة فحسب، بل إن هناك خطاباً رسمياً من الشركة المملوكة للوزيرة السابقة موجهاً إلى عدد من البنوك تعرض فيه عليهم خدمات تدريبية نظير مبلغ مالي كبير، مشيرة في صدر هذا الخطاب إلى تعاملاتها مع مسؤولين حكوميين أبرزهم رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، ووزير التخطيط والإصلاح.

"الخطاب يوحي بأن الوزيرة السابقة مركز قوة، وأن لديها علاقات، وأنه يستحسن التعاون معها، في خطاب أقرب ما يكون إلى الابتزاز والبلطجة"، حسب توصيف مصدر اطلع على الخطاب.

جهة عليا تتحرك لمنع كل الصحف من نشر الموضوع

وعلم "عربي بوست" من خلال أكثر من صحفي برلماني يمثلون صحفاً مختلفة أن هناك تعليمات مباشرة من جهات عليا بعدم الكتابة أو نشر أي معلومات أو أخبار حول طلب الإحاطة المقدم من النائب محمد فؤاد إلى رئيس الوزراء حول شبهة الفساد هذه وتعارض المصالح، وهو ما التزم به الجميع إيثاراً للسلامة، وهروباً من بطش السيدة المقربة من جهاز المخابرات العامة.

إلا أن جريدة واحدة رفضت ونشرت الموضوع ألا وهي جريدة الأهالي الحزبية، وهو ما نتج عنه قرار بمنع طباعة الجريدة.

وعقبت أمينة النقاش، رئيسة تحرير جريدة الأهالي، على الموقف قائلة: تم منع طباعة العدد الأسبوعي للجريدة من قبل إحدى الجهات الرقابية، بسبب التحقيق الصحفي المنشور بعنوان "مخالفات جسيمة بطلتها وزيرة سابقة زوجة مسؤول حالي".

وأضافت الصحفية المصرية المخضرمة: "لقد طلبت الرقابة منا حذف الخبر، لكن بعد مشاورات مع قيادات الحزب رفضنا الامتثال لسياسة تكميم الأفواه".

وهذه حقيقة ما قيل عن تعرض النائب لضغوط

وعلم "عربي بوست" أنه حدث تدخل للتهدئة من قبل مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مقترحاً قيام الجريدة بتأجيل النشر إلى عدد الأسبوع المقبل لحين تسوية الأمر مع الجهة الرقابية والوصول إلى حل وسط مع جميع الأطراف، وهو ما رفضته الجريدة تماماً وقررت النشر.

وقد أشيع في جنبات البرلمان أن النائب يتعرض لضغوط من جانب المخابرات العامة للتوقف عن ملاحقة الوزيرة السابقة، وهو ما نفاه النائب تماماً في اتصال  هاتفي مع "عربي بوست".

إذ قال النائب: "إن أحداً لم يضغط عليّ وأنا ماضٍ قدماً في ملاحقة أي قضية تحمل شبهة فساد أو استغلال نفوذ، أياً كانت الأسماء والجهات المتورطة بها".

تحميل المزيد