"أنت تفسد مدينتنا الجميلة"، هكذا قال سكان ضاحية الشيخ زايد بحدة للملياردير المصري نجيب ساويرس، وسارعوا بإطلاق حملة ضد مشروع أبراج ساويرس العملاقة التي ستنشأ في قلب مدينتهم.
كان غضب سكان مدينة الشيخ زايد إحدى أشهر المدن الجديدة في مصر مفهوماً لمن يعرف المدينة، التي يعتبرها سكانها أجمل مدينة في مصر ويرون أنها أفضل من ضاحية القاهرة الجديدة الباذخة، أو العاصمة الجديدة الأسطورية المترامية الأطراف.
تتسم زايد بأشياء لا تشترى في مصر، هدوء وليس وحشة، خصوصية وليس عزلة.
فالمدينة لا تعاني من ازدحام المدن القديمة بطبيعة الحال، كما أنها في الوقت ذاته على عكس كثير من المدن الجديدة أغلب مناطقها معمورة ومرافقها مستكملة، الأمر الذي يجعل الحياة فيها أيسر من كثير من المدن الجديدة الأخرى التي تعاني من عدم استكمال الطرق والحدائق والإنارة
لدى المدينة إدارة جيدة مع بنية أساسية قوية، تحفها مساحات خضراء ومسطحات بنسب أعلى من أي مدينة مصرية، والأهم أن ارتفاع الطوابق محدد بخمسة طوابق على أقصى تقدير، وبالتالي لا يوجد في المدينة أي من الأبراج الإسمنتية التي شوّهت الحياة الحضرية في مصر، الأمر الذي جعل رئيس جهاز المدينة يقول ذات مرة بكل ثقة: "إحنا أفضل مدينة في مصر".
عاش سكان المدينة التي توجد غرب القاهرة على بعد نحو 28 كيلومتراً من ميدان التحرير في هدوء ووداعة.
إلى أن جاء النبأ الذي وقع عليهم كالصاعقة.
ساويرس يريد إنشاء أبراج في قلب مدينتهم الهادئة، وليس هذا فقط بل إنه سينشئ هذه الأبراج في الحديقة المركزية للمدينة.
نخب وطبقات مختلفة اختارت هذا المنفى الاختياري قررت الانتفاض ضد أغنى عائلة في مصر والحكومة
أطلق هذا المشروع هواجس سكان هذه المدينة التي يسكن بها نسبة ليست قليلة من النخب المصرية.
وهذه النخب بالتحديد تتسم بأنها تفضل الهدوء والعزلة، فلو كانت تبحث عن الفخامة والضخامة لذهبت للقاهرة الجديدة الأكبر والتي تعد عاصمة البلاد الفعلية حالياً بنشاطها التجاري والترفيهي الضخم.
ومنذ طرح المشروع للبيع ثارت موجة اعتراضات كبيرة من سكان مدينة الشيخ زايد قادها عدد من الوجوه البارزة منهم: الإعلامي شريف عامر، والكاتب الصحفي عمر طاهر، والإعلامي محمود سعد الذي خصص مقدمة إحدى حلقات برنامجه للحديث عن مشروع "أبراج ساويرس".
وأعرب سعد عن مخاوفه من تحول مدينة الشيخ زايد إلى منطقة شبيهة بأحياء القاهرة التي شهدت بناء عمارات بارتفاعات عالية تخالف المخططات الأصلية لها.
ويقول الأديب عمر الطاهر إن السكان تعاقدوا على الحكومة منذ بداية إنشاء المدينة على نمط معين للحياة، نمط يقوم على الهدوء والعزلة، وتحملوا بعد المسافة من أجل هذا النمط.
ويرى أن أكثر من مليون مواطن اختاروا النزوح بعيدًا عن العاصمة، طمعًا فى حياة أفضل على كل المستويات الإنسانية والبيئية والاجتماعية، لم يكن النزوح يخص طبقة بعينها، يشهد على ذلك التباين الطبقى الذى يميز مدينة الشيخ زايد من المساكن الشعبية إلى مساكن بنك الإسكان والتعمير، وإسكان الشباب، وعمارات "العرايس"، مرورًا بشقق الطبقة المتوسطة نهاية بالتوين هاوس والدوبلكس والفيلات الفخمة.
ويضيف: "شكل الحياة الذي اختاره السكان في المدينة هو العزلة"، واصفاً المدينة بأنها منفى اختياري، مؤكداً في الوقت ذاته أنها ليست مدينة طبقية مقتصرة على الأغنياء، بل بها كل الطبقات ولكن بطريقة مختلفة عن باقي المدن المصرية.
ما مخاوف السكان من مشروع أبراج ساويرس العملاقة؟
يقول السكان إن البنية الأساسية للمدينة مصممة لبنايات ذات أدوار منخفضة، والكثافة السكانية للأبراج ستضغط عليها.
وبالفعل سبق أن رفض رئيس جهاز مدينة الشيخ زايد تطبيق قرار رئيس الوزراء بتعلية الأدوار البنائية في المدينة؛ لأن شبكة الصرف الصحي والكهرباء لا تستوعب الزيادة في حال الموافقة على تعلية الأدوار.
وحسب نقاد المشروع فإن أبراج ساويرس ستنتهك في ارتفاعاتها قواعد مستقرة في مخطط المدينة منذ وضع حجر أساسها في تسعينيات القرن الماضي، إذ لا يوجد مبنى واحد بها يتجاوز في ارتفاعه 5 أدوار، حتى تحافظ المدينة على طرازها المعماري ونسقها الحضاري، غير أن ما جاءت به حكومة مصطفى مدبولي من موافقات لرجل الأعمال نجيب ساويرس سمح لأبراجه بارتفاعات تصل إلى 20 دوراً.
الأمر الثاني الذي أخاف السكان هو أن السماح لساويرس بتخطي حدود الارتفاعات السائدة يعني أن إمكانية تكرار ذلك، وبالتالي إفساد الطابع المميز للمدينة الذي يتسم بالبنايات المنخفضة.
ويشير الأديب عمر الطاهر إلى أن العمل في بناء مستشفى للسرطان بالمدينة متوقف بسبب رغبة إدارة المستشفى في تعلية الأدوار إلى ستة طوابق فقط، بينما ويرفض الجهاز ذلك.
المشروع تم استقطاعه من الحديقة
وما زاد الطين بلة بالنسبة للسكان أن مشروع أبراج ساويرس المثير للجدل يقوم على استغلال الحديقة المركزية للمدينة التي هي منفعة عامة لجميع سكان المدينة.
يقول منتقدو المشروع إن الأمر لم يتوقف عن حد الارتفاعات الشاهقة، في المدينة الهادئة، بل وصل إلى حد استقطاع جزء من أرض الحديقة، التي أعلنت الحكومة عند تدشينها عام 2016، لصالح أبراج ساويرس، لتعيد الحكومة من جديد تحجيم وتقليم وإعادة تخطيط الحديقة، وتفرغ منها مساحة جديدة لصالح الأبراج.
ويشير موقع "التحرير" المصري إلى أنه قبل أن يتم الاتفاق بين الحكومة ورجل الأعمال نجيب ساويرس كان شكل حديقة الشيخ زايد ومخططها ومساحتها غير الشكل والمساحة التي تبدو عليها الآن، فقد كانت أكثر اتساعاً ودون أي أبراج سكنية في التصميم الأساسي لها.
وزادت ريبة السكان جراء ظروف انتقال هذا المشروع إلى نجيب ساويرس الذي يعد واحداً من أغنى الرجال في مصر، وعائلته هي أغنى عائلة في البلاد بلا منازع.
في هذا التقرير يعرض "عربي بوست" كواليس مشروع أبراج ساويرس، وكيف تم إرساء المشروع على الشركة التي يمتلكها الملياردير المصري.
كواليس مشروع أبراج ساويرس.. الأمر بدأ مع شركة أخرى
"عربي بوست" حصل على تفاصيل جديدة عن كواليس الاتفاق بين ساويرس والحكومة المصرية.
لم يتم إرساء المشروع المرتبط بهذه المنطقة في البداية على الملياردير المصري نجيب ساويرس.
في 23 ديسمبر/كانون الأول 2017 أعلنت وزارة الإسكان عن تلقي 36 عرضاً من شركات استثمار عقاري لتطوير مشروعات بالشراكة مع هيئة المجتمعات العمرانية، حيث تسهم الهيئة بقيمة الأرض مقابل حصولها على حصص مالية وعينية من المشروعات التي ينفذها المطورون العقاريون.
إحدى هذه القطع كانت قطعة أرض بمساحة 58.9 فدان بمنطقة حديقة زايد بمدينة الشيخ زايد، لإقامة نشاط "تجاري – إداري – فندقي – ترفيهي – طبي"، وتقدمت شركة المشرق للتنمية السياحية والعمرانية بعرض وحيد لحجز قطعة الأرض.
وفجأة تم إرساء المشروع لساويرس بطريقة الإسناد المباشر المثيرة للجدل
ولكن في مارس/آذار 2019 ظهرت حملات إعلانية لبيع وحدات في مشروع عُرف إعلامياً بـ "أبراج زايد".
وتحدثت تقارير إعلامية عن أن المشروع مملوك لرجل الأعمال نجيب ساويرس، حيث حصل على الأرض عن طريق "الإسناد المباشر" بعد انسحاب شركة "المشرق" من المفاوضات مع "المجتمعات العمرانية".
وبصفة عامة فإن طريقة الإسناد المباشر هي طريقة قانونية في الأغلب، لكنها مثيرة للجدل بالنسبة للرأي العام المصري.
وسيحصل على حق انتفاع لحديقة المدينة مدى الحياة
المعلومات الصادرة من وزارة الإسكان تشير إلى أن أبراج زايد تأتي ضمن مشروع يحمل اسم "زايد بيزنس بارك" بمساحة إجمالية 165 فداناً، مُقسّمة إلى قطعتين: الأولى، بمساحة 106.1 فدان، وتشتمل على حديقة الشيخ زايد المركزية بمساحة نحو 65 فداناً، وأنشطة استثمارية تتضمن جوانب سكنية وترفيهية وخدمية بمساحة 41.1 فدان.
مصادر حكومية تحدثت لـ "عربي بوست" عن تفاصيل المفاوضات مع نجيب ساويرس، قالت إن رجل الأعمال تقدم بعرض لهيئة المجتمعات العمرانية للحصول على قطعة الأرض وتم قبوله خلال اجتماع لمجلس إدارة الهيئة.
وأضافت المصادر أن الهيئة وافقت على العرض الذي قدمه ساويرس رغم تقديمه بعد غلق باب تلقي عروض الشراكة من المطورين العقاريين، وتم تعديل المشروع ليتضمن أرضاً بمساحة بلغت 165 فداناً منها حديقة "زايد المركزية" بدلاً من قطعة واحدة.
أما القطعة الثانية فهي أرض فضاء بمساحة 58.9 فدان، وتستغل في أنشطة استثمارية، تتضمن جوانب تجارية وفندقية وطبية وترفيهية.
وتابعت: "ساويرس سيحصل على حق الانتفاع بحديقة زايد المركزية مدى الحياة".
الحديقة ستظل مفتوحة للجمهور، ولكن بمقابل مادي
وقالت المصادر إن المشروع سيتضمن أبراجاً بأنشطة مختلفة، والحديقة ستدار ضمن المشروع مع الاتفاق على سعر تذاكر دخول الحديقة بين الهيئة ورجل الأعمال الذي سيتولى إدارة المطاعم والكافيهات في المشروع، على أن تكون الحديقة مفتوحة للجمهور.
يقول منتقدو المشروع إن الاتفاق بين "المجتمعات العمرانية" وساويرس يخالف ما أعلنته الهيئة مراراً حول مشروع "حديقة زايد المركزية" باعتبارها حديقة عامة لسكان المدينة.
وكانت الهيئة قد انتهت من تشغيلها تجريبياً، وتم تأجيل افتتاحها رسمياً أكثر من مرة قبل أن تفاجئ الجميع بتخصيصها ضمن مشروع استثماري.
الحكومة: لم نخالف القانون وساويرس أعطانا حصة مجزية
المصادر الحكومية قالت إن مجلس إدارة المجتمعات العمرانية لم يخالف القانون بتخصيص الأرض لساويرس مباشرة، حيث تم إلغاء الاتفاق مع شركة "المشرق للتنمية السياحية والعمرانية" والتعامل مع الأرض كمشروع جديد يمكن قبول الطلبات الاستثمارية لتطويره دون إعلان مسبق.
وتابعت: "الهيئة كانت لديها نية لتطوير مشروع الأبراج من خلال مواردها الذاتية، لكن العرض الذي قدمه ساويرس كان يتضمن آليات أفضل للتنفيذ وحصة شراكة مجزية".
وأضافت المصادر أن حصة هيئة المجتمعات العمرانية من المشروع ستصل إلى 27%، وهي نسبة مرتفعة خاصة أن مساحة الجزء الاستثماري صغيرة مقارنة بالمساحات الخضراء وأرض الحديقة.
نجيب ساويرس كان يسعى للشراكة مع هيئة المجتمعات العمرانية منذ فترة طويلة، وفي 20 فبراير/شباط 2018 نشرت وزارة الإسكان بياناً عن لقاء جمع رجل الأعمال بالدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء الحالي ووزير الإسكان في ذلك الوقت لمناقشة فرص الاستثمار العقاري في المدن الجديدة.
وأبدى ساويرس رغبته في ضخ استثمارات بمجال الاستثمار العقاري والمشاركة في الفرص المتاحة بالمدن الجديدة، ورحب الدكتور مصطفى مدبولي بالعرض وقال إن هناك عدداً كبيراً من قطع الأراضي في المدن الجديدة، تجهزها هيئة المجتمعات العمرانية لتنفيذ عددٍ من المشروعات العقارية الكبرى، والوزارة يهمها أن تضخ إحدى الشركات المملوكة لعائلة ساويرس استثماراتها في هذا القطاع.
ساويرس يدافع عن مشروعه.. لستُ أول رجل يفعل ذلك
ساويرس كان قد أعلن عن المشروع من خلال تغريدة وجّه الشكر فيها للدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان، ومسؤولي الهيئة ثم اضطر إلى إطلاق 3 تغريدات على موقع "تويتر" للدفاع عن المشروع في مواجهة الهجوم المتزايد عليه.
وقال ساويرس: "للتوضيح: مشروع زايد فيه برج واحد مكون من ٢٠ دور بيمثل ١٠٪ من مساحة المشروع والباقي عمارات مكونة من أرضي و٩ أدوار فقط، والارتفاعات دي موجودة فعلاً في زايد بين بيعلن عنها أو موجودة فعلاً علي بعد كيلو واحد من موقع الأرض".
وتابع: "المشروع بيستوعب نفس الكثافة السكانية مثل أي من الكمبوندات (التجمعات السكنية) المكونة من أرضي وثلاثة أدوار مبني على معظم مساحتها دون ترك نسبة مساحات خضراء. الفرق أن التصميم الحالي بيضمن أكثر من ٩٥ فدانا من المساحات الخضراء وجراجات لكل مبنى لخدمة المجتمع داخل وخارج المشروع".
وأضاف: "تم التعاقد مع شركة عالمية متخصصة في اللاند سكيب والشركة شغالة على إعادة تنظيم حديقة زايد المركزية اللي إحنا ملتزمين بضخ استثمارات كبيرة فيها علشان تبقى متنفس لكل أهالي زايد".
والهيئة ترى أن المشروع يمثل قيمة مُضافة للمدينة
ودافعت هيئة المجتمعات العمرانية عن المشروع من خلال بيان رسمي بعنوان "معاون وزير الإسكان يرد على تخوفات قاطني مدينة الشيخ زايد من مشروع زايد بيزنس بارك".
وأكدت الهيئة أن المشروع سيستوعب نفس الكثافة البنائية والسكانية رغم ارتفاعاته العالية مستخدمة نظرية "الحجوم" لتفسير موافقتها على المشروع.
وقال المهندس وليد عباس، معاون وزير الإسكان لشؤون هيئة المجتمعات العمرانية، إن المشروع تم وفقاً للاشتراطات بدءاً من المخطط الاستراتيجى وانتهاءً بالمخطط التفصيلي ولن ينتج عنه أي سلبيات سواءً بالطرق الخارجية أو مرافق المدينة.
وأضاف أن الكثافة البنائية بالمشروع أقل بحوالي النصف عن مناطق أخرى بالمدينة والأنشطة الاستثمارية أقل من 1% من مساحة المدينة ووفقاً للمخطط الاستراتيجي العام ولها نصيب من المرافق وشبكة الطرق.
وأوضح أن الحديقة المركزية مُتاحة لجموع المواطنين وفقاً للتعاقد الخاص بالمشروع مثل حديقة الأزهر، ولا وجود لتأثيرات سلبية على خصوصية المشروعات المحيطة، وأن المشروع سيمثل قيمة مُضافة لمدينة الشيخ زايد وتنوعاً مطلوباً في ارتفاعات المباني بها.
وذكر أن إجمالي مساحة الأنشطة الاستثمارية (سكنية – فندقية – تجارية – إدارية) تمثل نسبة لا تصل إلى 1% من مساحة المدينة الأصلية بخلاف توسعاتها.