بدأ الحديث عن الحرب مع إيران يهدأ في واشنطن خلال الأسبوع الماضي. وكالعادة، انتقد الرئيس ترامب التغطية الإعلامية لتحركات إدارته ضد النظام في طهران، لكن في القيام بذلك بدا وكأنه يدفع باتجاه التراجع عن الأجندة المُعادية لإيران التي وضعها مستشاره للأمن القومي جون بولتون. وفي يوم الأحد 19 مايو/أيار 2019، أطلق ترامب تغريدة أخرى، مدفوعاً بمقطع شاهده على قناة Fox News، محذراً من أن الصراع بين البلدين سيشكل "النهاية الرسمية لإيران".
تقول صحيفة Washington Post الأمريكية إن الإشارة تجدر إلى أن تلك الأجواء تثير قلق العديد من المسؤولين في واشنطن والعواصم في أماكن أخرى. ففي يوم الأحد 19 مايو/أيار 2019، سقط صاروخ بالقرب من السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، ما زاد من حدة التوتر في العراق، وهي دولة تحتفظ فيها إيران بنفوذ كبير.
في نفس السياق، اتُّهمت إيران بالضلوع في سلسلة الهجمات التخريبية على ناقلات النفط والمنشآت في المنطقة، لكن الخبراء أشاروا إلى أن هذه الهجمات جرى معايرتها بدقة حتى لا تبرر التصعيد الأمريكي. من جانبها، أرسلت الولايات المتحدة مجموعة حاملات طائرات وقاذفات إلى الخليج العربي، رداً على التهديدات المفترضة المتزايدة من القوات الإيرانية ووكلائها.
بدلاً من ذلك، أثارت أنباء عمليات الانتشار الأمريكية رد فعل دبلوماسياً ضد إدارة ترامب، حيث حث الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط على توخي الحذر والإصرار على أنهم لا يريدون الحرب.
رسائل ترامب المختلطة
وبحسب الواشنطن بوست، فإن هذه الإجراءات التهديدية الملموسة من جانب واشنطن تشبه إلى حد كبير التهديدات المتهورة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وبدلاً من تحريك جبهة موحدة حول مواجهة دور إيران الإشكالي في الدول المجاورة لها، بدا أن الجهود الأمريكية تعمّق فقط الانطباع بأن الولايات المتحدة تنحرف بمفردها في مسار تحريضي ضد طهران.
في أواخر الأسبوع الماضي، صرح ترامب للمراسلين بأن إيران لديها "إمكانات كبيرة" وأنه سيكون مهتماً بعقد صفقة معها. وبحسب مصادر الصحيفة الأمريكية، فقد وبخ ترامب مستشاره جون بولتون، وهو من الصقور القدامى المتأصلين، وسخر من مساعديه قائلاً: "إذا تركنا الأمر لهذا الرجل، فسندخل في حروب في كل مكان".
لكن نتائج رسائل ترامب المختلطة لم تتحقق بالكامل. فمن ناحية، فإن التنافر الواضح بين الحماس المناهض لإيران لدى كبار المسؤولين داخل إدارته ورغبته المعلنة في فصل الولايات المتحدة عن صراعات الشرق الأوسط يزداد في الصدى كل أسبوع. من ناحية أخرى، فإن النزعة العدائية لترامب وحملة إدارته "الضغط الأقصى" ضد إيران تبذر بذور التصعيد الهائل بين البلدين.
في النهاية، كما ذكر ماكس بوت، كاتب العمود في صحيفة Post Washington في نهاية الأسبوع الماضي، "فإن أولئك الذين يسعون إلى العثور على استراتيجية أو عقيدة سياسية متماسكة وسط اللامبالاة ربما يكونون على خطأ".
وأشار نيك باتون والش من شبكة CNN: "بعد كل تلك الأحداث، لازلنا عند نقطة البداية، مع عدم اكتراث واشنطن بشدة بذلك الأمر، بحيث أصبح من الممكن مناقشة المعلومات الاستخبارية وخطط الحرب والتهديد بصراع واسع النطاق، ثم التراجع عن الفكرة بأكملها، في غضون أسبوع عمل واحد فقط".
وأشار والش إلى المسؤولين الإيديولوجيين المفضلين مثل بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، وكلاهما دعا في الماضي إلى عمل عسكري ضد إيران وتغيير النظام. وكتب يقول: "لقد سعيا للمضي قدماً في التحريض على الحرب بشكل متهور، وبالنسبة للأحداث التي حدثت خلال أسبوع كهذا، يمكنك أن تشعر بصدق أن عام 2002 يتكرر مرة أخرى، وأن التاريخ يكرر نفسه في الواقعة التي توصف بأنها مأساة أكثر منها مهزلة. لكن بعد ذلك، تظهر الطبيعة الحقيقية لرئاسة ترامب – التي تأسست على الانعزالية – بشأن إنهاء الحروب في الأماكن التي لا يفهمها رجاله أو يهتمون بها".
على حافة السكين
لقد أثارت حالة عدم اليقين فقط مخاوف من الصدام المأساوي الذي قد لا يريده أي من الطرفين. وقالت إليزابيث ديكنسون من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات لصحيفة Wall Street Journal: "تقع المنطقة على حافة السكين والتصعيد بحد ذاته لن يخلق سوى مخاطر جديدة".
على مدار العامين الماضيين، غالباً ما كانت تهديدات ترامب تُقرأ على أنها تنبيهات افتتاحية للمفاوضات. فقد وجه إهانات للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قبل لقائه في قمتين والتعبير عن عاطفة شخصية كبيرة تجاه هذا الطاغية الشمولي. ربما يأمل النظام الإيراني، مثل كوريا الشمالية، في استدعاء خدع ترامب السابقة عند وصف هذا التصاعد الجاري، متجاهلاً في نفس الوقت تغريدات ترامب في ظل الافتراض بأن ترامب والمخططين العسكريين الأمريكيين لا يفكرون بجدية في تدخل حقيقي في إيران.
وقال الجنرال حسين دهقان، المساعد العسكري للزعيم الأعلى علي خامنئي، الأسبوع الماضي: "الأمريكيون غير مستعدين وغير قادرين على القيام بعمل عسكري ضدنا وعدم رغبتهم ينبع من عدم قدرتهم".
إلى ذلك، تضيف الصحيفة الأمريكية، أن حالة التلاعب تلك التي يمارسها ترامب قد تلحق ضرراً بمصداقيته بين الحلفاء. وقال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية لصحيفة Washington Post : "إذا قمت بإجراء تهديدات ثم قرر الناس أنك لن تتبع ذلك المسار، وإذا كنت تبحث عن رد فعل، ثم توقفت عن العثور على رد الفعل ذلك، فإن الخيارات هي إما توجيه تهديدات أكبر أو التوقف عن السير في هذا الطريق على الإطلاق. لذلك المصداقية هي أمر يصعب على الرئيس الحفاظ عليه".
السحب الداكنة تلوح في الأفق
تردف الصحيفة: مع ذلك، يمكن لإدارة ترامب أن تشير إلى بعض الانتصارات. إذ إن العقوبات الأمريكية الشديدة على صناعة النفط الإيرانية قد أضرت بقدرة طهران على تمويل بعض مجموعاتها الفرعية في الخارج. فقد خفّض حزب الله الشيعي اللبناني ميزانياته وسط عجز في التمويل. ومع ذلك، فقد يزيد ذلك من خطر التصعيد العسكري.
وقال أحد مسؤولي حزب الله، متحدثاً مع صحيفة Washington Post، شريطة عدم الكشف عن هويته: "لا شك أن هذه العقوبات كان لها تأثير سلبي. لكن في النهاية، تشكل العقوبات مكوناً من عناصر الحرب، وسنواجهها في هذا السياق".
قد لا تكون الحرب في الأفق، لكن السحب الداكنة تلوح في الأفق. فالمشاحنات المحمومة في الأسبوع الماضي أبرزت الفجوة الواسعة بين إدارة ترامب ونظرائه الأوروبيين، الذين يرون أن الأزمة هي نتيجة قرار ترامب أحادي الجانب بإلغاء الالتزامات الأمريكية بالاتفاق النووي الإيراني. من وجهة نظرهم، فإن الولايات المتحدة هي التي تلعب دور المحرض.
وقال أحد المسؤولين الأوروبيين البارزين، حيث أجرت حكومة بلاده مباحثات مع بومبيو الأسبوع الماضي: "أنا شخصياً أعتقد أن الرئيس الأمريكي لا يريد خوض الحرب. لكن هذه ليست المشكلة. فالمشكلة هي أن الوضع في مرحلة ما قد يصبح متقلباً وغير مستقر، وهذا أمر لا مفر منه".