أقف خارج مدرسة طفولتي في المرحلة الابتدائية، بالقرب من البوابات الأمامية وموقف سيارات المُعلمين. إنَّه يوم مُشمس ومُشرق، وأنا مُحاط بزملائي في الفصل. هناك ما يبدو أكثر من 100 طالب.
لديّ شعورٌ مبهم بأنَّ بعض أساتذتي يقفون في مكانٍ قريب، لكنَّ انتباهي مُنصبٌّ على شخصين بالغين، لا أستطيع التعرف عليهما. أستطيع أن أرى تفاصيل شكل الرجل بوضوح، من لمعان شعره وصولاً إلى عدسات نظارته الشمسية الذهبية. يرفع الرجل جهازاً من نوعٍ ما يُصدر صراخاً مدوياً. نزلتُ على الأرض على ركبتي واضعاً يدي على أذني، ورأيتُ زملائي في المدرسة يفعلون نفس الشيء. في حين يضحك الرجل كالمجنون.
راود هذا الحلم ستيفن دولينغ، الكاتب الصحفي بهيئة الإذاعة البريطانية BBC، منذ ما يقرب من 40 عاماً. رغم هذا هو يستطيع تذكر التفاصيل كما لو كان حلم به بالأمس. لكن اطلب منه أن يتذكر أي شيءٍ من حلم راوده في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع ولن يتذكر شيئاً.
يقول: "إذا كنتُ أحلم -وبحسب البيولوجيا فأنا على الأرجح تراودني الأحلام بالفعل- فلم يبقَ أي حلمٍ وقتاً طويلاً بما يكفي ليستقر في ذاكرتي الواعية".
أسباب متعددة لنسيان الأحلام
بالنسبة للكثيرين منا، تُعتبر الأحلام أمراً غير ملموس. وإذا كنا محظوظين، فيمكننا أن نتذكر فقط لمحةً سريعة، وحتى أولئك الذين يستطيعون تذكر الأحلام الماضية بتفاصيل مُدهشة، يمكن أن يستيقظوا في بعض الأيام دون أن يتذكروا شيئاً تقريباً عن أحلامهم.
هناك القليل من الأسباب غير الدنيوية حول نسيان الأحلام، لكنَّ السبب الذي يجعل الأحلام ترادونا، وما إذا كنا نستطيع تذكرها، هما أمران مُتجذران في بيولوجيا أجسامنا وعقلنا الباطن أثناء النوم.
النوم ليس عملية بسيطة
النوم هو عملية مُعقدة أكثر مما كنا نعتقد. فبدلاً من أن يكون حالةً مستقرة من اللاوعي تسبقها وتتلوها محاولات الاستغراق في النوم والاستيقاظ، تمر أدمغتنا وهي ترتاح أثناء النوم بحالاتٍ ذهنية تتغير سريعاً، وبعض الأجزاء تشهد نشاطاً عقلياً كبيراً.
يرتبط الحلم ارتباطاً وثيقاً بحالة النوم المعروفة باسم حركة العين السريعة (REM). وتُعرف حركة العين السريعة في بعض الأحيان باسم النوم غير المتزامن؛ لأنَّها يمكن أن تُحاكي بعض علامات الاستيقاظ.
أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة، تتقلب العينان بسرعة، وتحدث تغيرات في التنفس والدورة الدموية، ويدخل الجسم في حالة شلل تُعرف باسم "atonia" أو الونى. ويحدث ذلك في موجاتٍ مدتها 90 دقيقة خلال النوم، وفي هذه المرحلة تميل أدمغتنا إلى الحلم.
يحدث أيضاً تدفق إضافي من الدم إلى أجزاء مهمة من الدماغ خلال حالة حركة العين السريعة: مثل قشرة الدماغ، التي تملأ أحلامنا بمحتواها، والجهاز الحوفي، الذي يُعالج حالتنا العاطفية.
لماذا نتقبل ما يحدث في الأحلام رغم عدم منطقيتها؟
وبينما نحن في حالة النوم هذه المُتقبلة للأحلام، تصبح تلك الأجزاء مفعمةً بنشاطٍ كهربائي جامح. ومع ذلك، فإنَّ الفصوص الجبهية في الدماغ التي توجه قدراتنا الأساسية تكون هادئةً.
هذا يعني أنَّنا غالباً ما نقبل دون تفكير ما يحدث في هذا السرد غير المنطقي في كثيرٍ من الأحيان حتى يحين وقت الاستيقاظ.
تكمن المشكلة في أنَّه كلما اختلطت الأحداث في الأحلام، كان من الصعب علينا فهمها. وقال أستاذ علم النفس والمؤلف دييدر باريت في مقالٍ حديث على موقع Gizmodo إنَّ الأحلام التي لها بنية أوضح يكون تذكرها أسهل بكثير بالنسبة لنا.
النورادرينالين كلمة السر في تذكر الأحلام
ولكنْ هناك عنصر كيميائي مُهم لضمان الحفاظ على ذكريات الأحلام: النورادرينالين. وهو هرمون يُهيئ الجسم والعقل للعمل، وتكون مستوياته لدينا منخفضة بشكلٍ طبيعي أثناء النوم العميق.
وتقول فرانشيسكا سيكلاري، طبيبة أبحاث النوم في مستشفى لوزان الجامعي، إنَّ هناك تعريفات واضحة لحالات اليقظة والنوم لدينا، وهذا ليس صدفة. وتضيف: "إنَّه شيءٌ جيد على الأرجح أن تكون حياة الأحلام وحياة اليقظة مختلفتين تماماً".
وتابعت: "أعتقد أنَّه إذا تمكنت من تذكر كل التفاصيل كما تفعل وأنت مستيقظ، فستبدأ في خلط الأمور مع ما يحدث بالفعل في حياتك الحقيقية".
وتقول فرانشيسكا إنَّ الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم، مثل الخدار، قد يجدون صعوبةً في تحديد الفرق بين حياتهم أثناء الاستيقاظ وأثناء النوم، وهذا قد يجعلهم يشعرون بالارتباك والحرج. وأضافت: "وهناك أيضاً أشخاصٌ يتذكرون أحلامهم جيداً للغاية، ويبدأون بالفعل في تصدير تلك الذكريات إلى يومهم".
تذكر الأحلام يعتمد على توقيتها
ليس من قبيل الصدفة أنَّ الأحلام التي نتذكرها جيداً تأتي من فتراتٍ معينة في دورة نومنا، اعتماداً على المواد الكيميائية التي تتدفق خلال أجسامنا النائمة. وتقول فرانشيسكا: "عادةً ما نحلم بوضوح أكثر في مرحلة نوم حركة العين السريعة، وهو عندما تكون مستويات النورادرينالين منخفضة في المخ".
قد نجد أنفسنا نحلم قبل أن نستيقظ مُباشرةً، لكنَّ روتيننا الصباحي يُعيق تذكر الأحداث. وغالباً ما نستيقظ من سباتنا ونحن فزعين من جرس المنبه، ما يسبب ارتفاعاً في مستويات النورادرينالين، ويجعل من الصعب علينا تذكر أحلامنا.
ويقول روبيرت ستيكجولد، الباحث في علم النوم بكلية هارفارد الطبية: "عندما يسألني شخصٌ عن سبب عجزه عن تذكر أحلامه، أجيبه بأنَّ السبب هو لأنَّه يدخل في النوم بسرعةٍ كبيرة، وينام بعمق، ويستيقظ مع جرس المنبه. وعادةً ما يكون رده: 'كيف عرفت ذلك؟'".
ويضيف ستيكجولد أنَّ الكثير من الناس يتذكرون أحلامهم من فترة بداية النوم، عندما يبدأ العقل رحلته، وتبدأ الصور المجازية التي تشبه الأحلام في الظهور أثناء استغراق الناس في النوم واستيقاظهم منه، وهي عملية تُسمى "الحلم الإغفائي" (أي في الحالة التي تسبق النوم).
ويقول ستيكجولد إنَّه أجرى دراسةً قبل بضع سنوات استيقظ فيها الطلاب في المختبر بعد فترة وجيزة من بدء دخولهم إلى هذه الحالة. ويقول: "تذكر كل واحد منهم أنَّه راوده حلم".
وتابع ستيكجولد: "تحدث هذه المرحلة في أول خمس أو عشر دقائق بعد النوم. إذا دخلت في سباتٍ عميق سريعاً، بالطريقة التي نتمناها جميعاً، فلن تتذكر أي شيء من هذا الجزء من دورة نومك".
ماذا إذا كنتَ تريد حقاً أن تتذكر أحلامك؟
من الواضح أنَّ كل شخص يختلف عن الآخر في ما يتعلق بالنوم، لكن هناك بعض النصائح العامة التي قد تساعدك على تذكر أحلامك.
يقول ستيكجولد: "الأحلام تكون هشة بشكلٍ لا يُصدق عندما نستيقظ، وليست لدينا إجابة عن سبب ذلك. إذا كنت من النوع الذي يقفز من السرير ويقضي يومه، فلن تتذكر أحلامك. عندما تأخذ وقتك في الاستيقاظ صباح يوم العطلة، فهذا وقت ممتاز لتذكر الأحلام".
وأضاف: "ما أقوله لطلابي في الدورات التدريبية الخاصة بي هو: عندما تستيقظ، حاول ألا تتحرك، لا تفتح عينيك حتى. حاول أن "تطفو"، وفي الوقت نفسه حاول أن تتذكر ما الذي كان في حلمك. ما تفعله هو أنَّك تُراجع الأحلام في الوقت الذي تدخل فيه حالة اليقظة، وستتذكرها تماماً مثل أي ذكرى أخرى".
ويتابع ستيكجولد بأنَّ هناك طرقاً أكيدة لتذكر الأحلام: "أقول للناس أن يشربوا ثلاثة أكواب كبيرة من الماء قبل أن يناموا. ليس ثلاثة أكواب من الجعة، لأنَّ الكحول يعمل على قمع نوم حركة العين السريعة، لكن فليشربوا الماء. ستستيقظ ثلاث أو أربع مرات في الليل، وسوف تميل إلى الاستيقاظ في نهاية دورة نوم حركة العين السريعة، وهو أمرٌ طبيعي".
وهناك نصيحة أخرى قدمها بعض الباحثين في علم النوم، وهي أنَّك عندما تكرر لنفسك وأنت على وشك النوم أنَّك تريد أن تتذكر أحلامك، ستتذكرها حين تستيقظ. ويضحك ستيكجولد مُضيفاً: "إنَّ هذه الطريقة تعمل حقاً. إذا فعلت ذلك، فستتذكر حقاً مزيداً من الأحلام. الأمر ينجح بالفعل".