"الأمر أكبر من الحجب في مصر، نعتذر لكم بشدة وشكراً على كل شيء"، بهذه الكلمات الدرامية المصحوبة بكلمة النهاية، أُعلن عن إغلاق موقع "إيجي بست" من قِبل مؤسسيه وحتى إغلاق جميع صفحاتهم.
"إيجي بست" لمن لا يعرفه، هو أحد أهم مواقع "القرصنة" العربية والذي يقوم بالسطو على الأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية ووضعها على موقعه دون سداد قيمة حقوق مالكي المنتَج الفني الأصلي.
ونظراً إلى قوة خوادم الموقع وكفاءة فريق السوشيال ميديا الخاص به، نجح الموقع في احتلال الصدارة بين المواقع المشابهة له والتي تقوم على فكرة القرصنة.
بدأوا كهُواة ولكن ثورة يناير شكَّلت لهم نقطة تغيير
"عربي بوست" التقى أحد الشباب العاملين بالموقع والذي طلب عدم ذكر اسمه.
بدأ الشاب حديثه معنا قائلاً: "حينما بدأنا في 2009 لم نكن نتخيل حجم النجاح الذي سنحققه، الحقيقة أن نجاحنا الفعلي وتعاملنا مع الموقع كمصدر دخل بدآ بعد ثورة يناير/كانون الثاني، حين بدأ الناس يهتمون بالسوشيال ميديا وأصبح لها تأثير قوي.
قبل ذلك كان الموضوع هواية ومجرد محاولة منا لتبسيط فكرة "التورينت".
والتورينت هو برنامج خاص بتناقل الملفات والمعلومات، ويعتمد على فكرة حشد المعلومات ثم تتبُّعها بحيث يجمع بيانات صغيرة من مختلف المواقع في الوقت نفسه ويقوم بعدها بجمعها، وهذه الطريقة تعد أسرع مما لو جمع المعلومات من موقع واحد وبحجم كبير، بالإضافة إلى أنه لا تترتب أي تكاليف مالية على مستخدميه".
يقول الشاب: "الفكرة لدينا كانت هي أننا نقوم بتجميع الأفلام الأجنبية المترجمة، أو العربية ونضعها في مكان واحد".
يستطرد الشاب قائلاً: "بعد الثورة بدأ الناس عموماً في العالم العربي تهتم بالسوشيال ميديا، تحديداً الفيسبوك الذي صار مصدراً مهماً للأخبار، وتضاعف عدد مستخدميه، ومن ثم زاد عدد زوار موقعنا، ومن هنا بدأت علاقتنا الحقيقية بالإعلانات والمكاسب المادية".
كيف يحقق "إيجي بست" هذه الأرباح رغم أنه غير شرعي؟
لكن أفلامكم مقرصنة، ووضعكم غير قانوني، فكيف نجحتم في الاستمرار كل هذه الأعوام؟ وانهالت عليكم الإعلانات؟
هكذا سألنا الشاب ليجيبنا باسماً: "لم يشكُنا أحد"، قالها بكل بساطة، مستطرداً: "أما عن الإعلانات، فهناك بدائل لجوجل كنا نستخدمها، بدائل لا تسألك عن وضعية المحتوى القانوني، بل أزيدك من الشعر أبياتاً كثيراً، هذه البدائل هي التي سعت إلينا مثلاً: PopAds / PropellerAds
/Media.net/ Chitika وغيرها كثير، يسعون لمثل مواقعنا؛ نظراً إلى أن ما يهمهم هو الترافيك (المتابعة) ونحن زوارنا تجاوزوا 4 ملايين زائر، وهو رقم مغرٍ لمثل تلك الشركات".
"ومؤخراً كنا نحقق مكاسب ليست قليلة على الإطلاق"، يقولها الشاب مبتسماً دون أن يفصح لنا عن رقم تقريبي.
الأمن يظهر في الصورة بعدما دخل جهاز سيادي كبير للمنافسة
لم تكن هناك أي مشكلات بين مؤسسي "إيجي بست" والأمن المصري بأي شكل من الأشكال.
العكس كان مؤسسو الموقع يعملون بِحُرية وأريحية بالغة اعتماداً منهم على كونهم بعيدين كل البعد عن أي نشاط سياسي أو ديني، كانوا معروفين لكثيرين ولم يحاولوا إخفاء هوياتهم.
لكن التطور الأخير في خريطة النشاط الاقتصادي للمخابرات المصرية، واستحواذها على أغلب المسلسلات الرمضانية (15 من أصل 25) مسلسلاً ممثلة في شركة "سنرجي"، جعل الأمور تزداد تعقيداً لمؤسسي "إيجي بست".
لماذا تم إغلاق موقع "إيجي بست"؟
قررت المخابرات إطلاق منصة "واتش ات" (watch it)، على الإنترنت.
قوبلت المنصة بانتقادات وسخرية، بسبب ما اعتبره البعض عدم كفاءة إدارتها.
ولكن محمود برهان، مدير إحدى شركات الإعلانات، قال: "مع احترامي لسخرية البعض من فشل المنصة الجديدة، وكم النِّكات التي أطلقت عليها، والسخرية منها ومن فشلها، فمن يقول هذا لا علاقة له من بعيد أو قريب بسوق الإعلانات".
وأردف قائلاً بالعامية المصرية: "وتقدر تقول كده مش فاهم حاجة".
وأضاف: "ليس هدفهم من تلك المنصة تحقيق اشتراكات عظيمة أو أن تبتلع سوق الإنترنت، هذا ليس صحيح على الإطلاق، المنصة التي صُنعت على عجل واستهتار بادٍ للجميع، هي في الحقيقة حققت هدفها وبامتياز".
يقول: "الهدف هو ضرب سوق الإعلانات على اليوتيوب والإنترنت لمصلحة محطاتهم التلفزيونية".
يستطرد برهان شارحاً: "مؤخراً، بدأ سوق الإعلان على الإنترنت ينمو باطراد ويسحب من سوق شاشات التلفزيونات، واستمراره بهذا الصعود كان يعني نزيفاً لا سبيل لإيقافه إلا بمنع العرض على اليوتيوب وعلى تلك المواقع، الهدف هو أن يظل المعلن موجوداً على محطاتهم ولا يذهب للإنترنت، لهذا كان قرار منع عرض المسلسلات وضرب المواقع كافة التي تسرقها وتسربها، مع تقديم هذه المنصة، التي وصفها بأنها خطوة شديدة الذكاء وحققت المستهدَف منها بنجاح بالغ، وليس كما يعتقد كثيرون أنها فاشلة".
مع بدء تدشين المنصة الجديدة "واتش ات"، بدأت عملية حجب المواقع المقرصنة التي تبث المسلسلات على الإنترنت، كان هدف الأمن هو ضرب تلك المواقع وحماية مسلسلات "سينرجي".
لكن الخطوة الأكبر كانت إعلان مؤسسي "إيجي بست" أنهم سيغلقون موقعهم تماماً، مصرحين بأن "الأمر أكبر من الحجب في مصر".
كيف تم إبلاغهم بالقرار؟
وعن الملابسات التي أحاطت بالإغلاق، يحدثنا الشاب العامل بالموقع قائلاً: "الموقع اعتمد على الإعلانات كما أخبرتُك، وعندما بدأت مرحلة الحجب شعرنا بالخطورة، لأن معنى ذلك أن الإعلانات ستنهار، لكن لم تمضِ ساعات وحدث اتصال بين المؤسسين وأحد الأجهزة السيادية".
يقول: "الحديث كان ودياً، لكنه حاسماً: أنتم مخالفون للقانون، ويفضَّل أن تتوقفوا عما تفعلون".
ويضيف: "الجميع كان يدرك أن هذا الحديث الودي هو فرصة أخيرة للتوقف بهدوء وبأقل الأضرار".
وأردف الشاب قائلاً: "حيث إننا مش وش بهدله، وإحنا غلط أصلاً، فعلى إيه، قررنا الإغلاق".
كيف يمكن أن يحمي المنتجون أعمالهم من القرصنة؟
محمد عتمان، الخبير الإلكتروني ومتخصص الشبكات، يعلق على الموقف برمته قائلاً: "بشكل عام، العالم العربي يفتقر إلى ثقافة احترام الملكية الفكرية، والسبب في ذلك أنها معقدة نوعاً ما، أضف إلى ذلك المستوى الاقتصادي المتواضع لأغلب شباب المنطقة الذين يدفعهم دفعاً إلى البرامج والكتب والأفلام المقرصنة".
يستدرك عتمان: "لكن هذا ليس معناه أنه لا يوجد حلول قانونية لحماية الملكية الفكرية، العكس هناك مسارات عدة يمكن أن يسلكها صاحب الحق ويحصل عليه، لكن أغلبنا يجهلها، وهذا سر نجاح واستمرار منصات مثل إيجي بست وغيرها".
وعن الطرق التي يجب علينا أن نسلكها لحماية حقوقنا الفكرية، يجيب عتمان: "أولاً، على الشركة صاحبة العمل أن تنشئ له Content ID (هوية محتوى)، وبذلك يمكنها إخطار Youtube في حال قرصنة أحدهم عليه، فيحذفه فوراً ويحرم المقرصن من عوائد الإعلانات مدة 90 يوماً، ولو تكرر بحقه 3 انتهاكات، تغلق قناته، وربما الوحيدون الذين تنبهوا لذلك هم مجموعة قنوات MBC".
أيضاً يمكنك الاستعانة بشركات متخصصة تأخذ مبالغ زهيدة، تكون وظيفتها تتبُّع أي منتَج مسروق لك على Google من خلال تطبيق بسيط، وبإخطار جوجل سيتم إخفاء أي مقرصن من محرك البحث، وسوف يعاقَب صاحب الموقع بمنع ظهور الإعلانات.
حتى Facebook يمكنك مراسلته لحذف المحتوى المقرصن، وفي حال تكرُّر الشكوى ستغلَق المنصة.
ولكن ما حدث في مصر ليس له علاقة بحماية الملكية الفكرية، بل إن هذه الجهة السيادية قررت حماية استثماراتها، فلجأت إلى الوسيلة التي تعرفها مجرد "مكالمة هاتفية ناهية"، وليس الإجراءات القانونية الطبيعية.