طفرة طبية كبيرة توصَّل لها العلماء مؤخراً، تُفضي إلى قدرة البشر على التدخل الجيني بشكل كبير، والتحكم في الحمض النووي لعلاج الأمراض المستعصية، لكن ثمة مخاوف كبيرة من هذه الخطوة، بحسب تقرير لصحيفة Metro البريطانية.
وبحسب الصحيفة البريطانية، في الوقت الذي تقدِّم فيه تقنياتٌ جديدةٌ مثل تحرير الجينات تحكماً غير مسبوق في بنائنا الحيوي، تُعتبر أحدث الابتكارات الطبية المتقدمة، بما في ذلك تقنيات تحرير الحمض النووي (DNA) القوية مثل CRISPR/Cas9، مصدراً للإثارة والتفاؤل.
وتعمل تقنية CRISPR بمثابة مشرط جيني يقطع الحمض النووي للمريض، ويستهدف ويصلح الجينات الذي تمثِّل خطورةً محتملةً للإصابة بالأمراض.
هذه الطريقة لتحرير الجينات قد تجعل بعضَ الأمراض المحددة، بما في ذلك الزهايمر، وأمراض الخلايا المنجلية، وبعض أشكال السرطان، جزءاً من الماضي.
بينما تواجه عادةً العلاجات التقليدية للأمراض المزمنة الأعراض فقط، توفر هذه الطريقة المبتكرة احتمالاً للشفاء الكامل عن طريق مهاجمة المرض من المصدر. وبمجرد إزالة الطفرات الجينية من خلايا المريض، يمكن للخلايا أن تعمل بشكل طبيعي لبقية حياة المريض.
ما هي المخاوف "الأخلاقية" المحيطة بتحرير الجينات؟
تقنيات تحرير الجينات تثير الكثيرَ من الجدل من الناحية الأخلاقية، وإن كانت ستصبح بمثابة ألعوبة في متناول الأغنياء.
إحدى المشكلات الرئيسية لتقنية CRISPR تكمُن في بساطتها، مما يعني إمكانية ممارسة الأشخاص غير المعتمدين لتلك التقنية.
وأصبحت CRISPR بالفعل الوسيلة المفضلة لهواة "الاختراق الحيوي"، حيث تجد أحدهم يحقن نفسه بخليط منزلي الصنع، في محاولة غير مدروسة لتضخيم عضلات ذراعيه، وآخر حاول (وفشل) في علاج نفسه من "الإيدز"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي أواخر عام 2018، كشفت عناوين الصحف عن باحث طموح أجرى تجارب سرّية للتحرير الجيني في الصين، وتمكّن من إحداث طفرات في خلايا جنينية بشرية لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، ثم حوّل تلك الخلايا الجنينية إلى توائم.
وذعر الباحثون من الاستغلال العلمي الزائف وغير الناضج لتقنية CRISPR على المرضى من البشر.
وبالرغم من دعوة العلماء، والأخلاقيين، والجهات التنظيمية إلى وقف أبحاث التحرير الجيني على الخلايا الجنينية البشرية، لحين فهم المخاطر بشكل أوضح، قد يبدو منع المرضى العازمين والباحثين عديمي الضمير من إجراء تجارب التحرير الجيني على البشر مستحيلاً.
خاصةً أنه من المتوقع أن تأتي تلك العلاجات المتطورة بأسعار خيالية، بعد الحصول على موافقة الجهات التنظيمية الرسمية.
كم ستكون تكلفة التحرير الجيني؟
تُخطِّط شركة Spark Therapeutics لفرض تكلفة 850,000 دولار على المرضى الأمريكيين للعلاج الجيني، لشكل نادر من العمى الوراثي في الأطفال.
ووفقاً لبعض التقديرات، فإنها صفقة رابحة، يتوقع الباحثون قائمة أسعار أعلى من مليون دولار لكل مريض، أو نصف مليون دولار للعين الواحدة.
إلا أن هناك سبباً صغيراً يدفع للاعتقاد بأن العلاج الجيني المعتمد التالي سيكون أرخص كثيراً.
عندما توفر لنا تقنية حديثة تحكماً غير مسبوق على تركيبنا الحيوي، بينما لا يتمكن إلا واحد بالمئة من سكان العالم من الاستفادة منها، هل تصبح الإنسانية في مفترق طرق؟
هل نتوجه إلى مستقبل يتمكن فيه البعض من شراء التفوق الجيني، ليضمنوا استمرارية تفوقهم على البقية؟
ربما تلك الفرضيات "الخيالية العلمية" أقل احتمالاً مما تعتقدون.
ما هي التحديات؟
أولاً، حتى إذا أراد الأثرياء شراء "جينات العبقرية"، أو "جينات رياضية استثنائية" أو مظهراً جيداً، لا توجد أشياء من هذا القبيل.
بعض الأمراض تُسببها طفرة واحدة بالحمض النووي، لذا هناك احتمال جيد لإمكانية خضوعها لعلاجات التحرير الجيني، بينما صفات مثل الذكاء والطول والقوة مرتبطة بمئات العوامل الوراثية، وفهمنا محدود حتى الآن لتأثير أي جين معين على تلك الصفات.
سيكون من غير العملي إجراء أكثر من عدة تغييرات بسيطة على الحمض النووي باستخدام تقنيات التحرير الجيني. وحتى الآن، فشِلت مناهج البيانات الكبيرة في إحداث طفرات قليلة لجعل المرء أذكى أو أسرع أو أطول.
في هذه الحالة، قد يقف تعقيد تركيبنا الحيوي أمام دوافع الزهو البشرية.
ولكن ماذا لو كان بإمكانك بدلاً من تحرير التركيب الجيني الموجود، تخليق تركيب جيني كيميائياً من الصفر؟
عملية تخليق الحمض النووي هي تجميع مكونات الحمض النووي معاً كيميائياً في المختبر، وتشبه كثيراً تجميع الحروف في الصحافة المطبوعة.
ومع تطور تقنيات التخليق، أصبح هناك عدد من المشروعات الطموحة لتخليق التركيب الجيني، مشروع Genome Project-Write. وعلى الرغم من عمل قادة المشروع على إنشاء خلايا بشرية اصطناعية، من خلال إعادة كتابة تسلسلات معينة من الحمض النووي، فإنهم يأملون في جعل تلك الخلايا مقاومة لفيروسات معينة.
من حيث المبدأ، يمكن استخدام تقنية تخليق التكوين الجيني لإنشاء نسخ طبق الأصل من خلايا ألبرت أينشتاين.
ولكن عملياً، سوف تستهلك عملية تخليق التركيب الجيني لشخص واحد معظم نتاج قدرة الصناعة السنوية للحمض النووي في العالم بأسره.
تظل التحديات التي تواجه تحويل الحمض النووي الاصطناعي من أنابيب الاختبار إلى جنين قابل للحياة ضخمة للغاية، وغير محلولة.
وهذا يكفي لأن نقول إنه حتى فاحشو الثراء سيخضعون في النهاية لأقدار الطبيعة.
ما التأثير المحتمل للتحرير الجيني على صحتك؟
من المرجح أن أي محاولات تحرير جيني ستكون مصحوبة بمخاطر صحية كبيرة، حتى مع استخدام الأدوات المحسّنة في المستقبل.
وهذا لأن تقنية CRISPR عرضة لإحداث تغييرات غير مرغوبة أو غير متوقعة على التركيب الجيني.
وبالنسبة للعلاجات التي تُجرى على الخلايا الجنينية، ستُنسخ تلك التغييرات غير المرغوبة في كل خلية لدى الطفل المتطور، بما في ذلك الخلايا المقدَّر لها أن تصبح بويضات أو حيوانات منوية.
ويعد ذلك مصدر قلق كبير لعلماء الأخلاقيات الحيوية، الذين حذَّروا من أن أي أخطاء جينية قد تُحدث تغييرات جينية دائمة تنتقل عبر الأجيال.
قد تكون مخاطر العلاجات الجينية مقبولة بالنسبة للمرضى ذوي الأمراض الجينية القاتلة أو المدمرة، ولكن يجب أن يتروَّى الآباء في مسألة "تصميم أطفالهم".
تخيَّل اللجوء إلى الحقن أثناء الحمل ليحصل طفلك على عيون زرقاء أو شعر أشقر، وتكون النتيجة رفع احتمالية إصابته بالسرطان بغير قصد.
فكِّر كذلك في بدائل العلاج الجيني، لتعزيز جودة الحياة للمواليد الجدد.
يعتبر فحص الأجنّة قبل زراعتها والفحص الجيني أثناء الحمل، والمتاحة بالفعل على نطاق واسع، وسائل أكثر أماناً وفاعلية للحصول على طفل صحي وسعيد.
هل من المحتمل أن يصبح الأغنياء متفوقين جينياً؟
الحقيقة أن الأغنياء لا يحتاجون إلى اللجوء لأفكار الخيال العلمي للتفوّق على أقرانهم.
يتميّز الأغنياء بالفعل بمعدل أعمال أعلى من المتوقع، لقدرتهم على الوصول لرعاية طبية أفضل، وطعام صحي، وأنماط معيشية أقل تطلباً.
وتشير الدلائل إلى أن زيادة الفوارق في الدخل فاقمت التفاوتات في النتائج الصحية بين الأغنياء والفقراء.
وقد تكون من أبرز مظاهر "العناية بالأثرياء" الامتيازات التي تُقدَّم لكبار الشخصيات في المستشفيات.
في الولايات المتحدة، يتزايد عدد برامج الاستقبال والإرشاد التي تقدمها المستشفيات والعيادات الخاصة للمتبرعين الأثرياء.
على سبيل المثال، في مركز رونالد ريغان الطبي، بجامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس، يستمتع حامل بطاقة المحفظة الذهبية بخدمة خطٍّ ساخنٍ مع طبيب على مدار الساعة، من دون انتظار لتحديد مواعيد، وخدمة التوصيل من المستشفى إلى محل الإقامة والعكس.