رمقت سياراتها بحزن وغادرت المنزل، بعد أن قررت أن تمتطي حذاءها الرياضي بدلاً منها، هكذا بدأ السوريون يتكيفون مع أزمة الوقود المزمنة في البلاد.
إلى جانب الحذاء الرياضي، استبدلت زينة بدوي وهي تتوجه لعملها ملابسها الرسمية السابقة بأخرى مريحة، تساعدها على المشي لمسافات ليست قليلة. فأمامها يوم غير عادي وقد تحتاج للاستعانة ببعض المواصلات العامة.
تؤكد زينة بدوي أنها قررت تغيير حياتها منذ ظهرت أزمة البنزين وسمعت عن الانتظار لساعات طويلة أمام محطات الوقود.
ولهذا تركت سياراتها واستبدلتها بالسير على الأقدام، ولأن هذا الوضع الجديد يحتاج إلى ملابس معينة، فقد غيرت حتى "ستايلها" اليومي.
تقول زينة لـ"عربي بوست، أنها تشعر بالرعب حينما تنظر لطابور البنزين الطويل وهي لا تملك الصبر للوقوف وسط هذه الجموع، موضحة أنها تمكنت الأسبوع الماضي من ملء خزان سياراتها بالمخصصات المسموحة لها، مستفيدة من انفراج بسيط شهدته محطات الوقود، لكنها حريصة على الحفاظ عليهم ولا تريد هدرهم بسرعة.
وتختم حديثها ضاحكة بأنها استعادت مع هذه الأزمة هوايتها القديمة بالمشي، كما أن الازدحام خف من الشوارع مع توقف الكثير من السيارات عن السير.
فضيلة الأزمة الرئيسية.. انخفاض الازدحام
في تقاطع وكالة سانا وسط العاصمة السورية دمشق، والتي كان السائق يحتاج أكثر من ربع ساعة لاجتيازه، بسبب ازدحامه الشديد بالسيارات القادمة إليه من أربع طرق فرعية، أصبح الأمر لا يحتاج سوى بضع دقائق للمرور، بعد أزمة الوقود.
ويعمد عناصر شرطة المرور إلى عدم تقييد السائقين بالإشارات الضوئية لأن عدد السيارات الوافدة من تلك الطرق بات قليلاً للغاية.
الأزمة دفعت الحكومة السورية إلى اتخاذ إجراءات خفضت بموجبها الكمية اليومية المسموح بها للسيارات الخاصة، من 40 إلى 20 لتراً ثم 20 لتراً كل يومين، إلى 20 لتراً كل خمسة أيام.
وبينما كانت تتزايد يوماً بعد يوم عدد السيارات المركونة على قارعة الطرقات بسبب نفاد البنزين منها، كانت طوابير السيارات المصطفة أمام محطات الوقود تزداد طولاً، ووصل طول بعضها إلى أكثر من 2 كلم خاصة بعد أن اكتفت وزارة النفط بتزويد المحطات الحكومية بالوقود ومنعها عن المحطات الخاصة التي أغلقت أبوابها.
أرجيلة ولعب ورق في طابور الوقود
أبو صالح، رجل خمسيني كان يركن سيارته في طابور طويل أمام محطة في شرق العاصمة بانتظار وصول دوره ويقول متأففاً: "كنت حريصاً على عدم تحريك السيارة إلا للضرورة، ولكن ها أنا هنا، ربما أحتاج إلى نهار كامل كي يصل دوري وقد لا يصل، فقد ينفد البنزين من محطة الوقود".
وفي نفس الطابور كان عصام متفائلاً، فقد أعد العدة لوقفة الطابور وجلب معه المكسرات لا بل أحضر أرجيلته وعمرها ومعه ذخيرة كافية من المعسل والفحم "على حد قوله".
طابور آخر ليلي في محطة وقود على تخوم العاصمة، وكانت مشهورة بالتلاعب بالعداد، كان الطابور الليلي لا يقل عن النهاري في باقي المحطات.. فحجز الدور منذ ساعات الليل بات عرفاً!!
عمر وأصدقاؤه، قرروا قضاء السهرة على طابور الوقود ولعب التركس (إحدى ألعاب الورق) مع شرب الكولا.
يقول عمر: الطقس ليس سيئاً، وسهرة لعبة التركس تستمر حتى الصباح، فلم لا نستفيد ونضرب عصفورين بحجر ونلعب أثناء الانتظار على طابور تعبئة البنزين.
ويضيف "فقبل عدة أيام وقفت ست ساعات حتى استطعت أن أعبئ 200 ليتر!!
حيدر شاب عشريني يملك دراجة نارية يقول: لقد شاهدنا ما حدث من أزمة في الغاز والمازوت، فقررت أن أدخر 20 لتراً تحسباً قبل حدوث الأزمة، وها أنا ذا لم أستطع تعبئة ليتر واحد منذ بداية أزمة البنزين، ولم يبق لدي سوى عشرة لترات، تركتها للحالات الطارئة فقط.
ويضيف" أنا الآن أذهب إلى دوامي بالباص المخصص للشركة.. وكل يوم بعد دوامي أقف في محطة الوقود لعلي أحصل على بضعة ليترات".
دفع السيارة بدلاً من قيادتها
عدة سائقين كانوا موجودين بالمكان، لم يقبلوا الحديث للإعلام عن الموضوع، ولكن اللافت أنهم كانوا يترجلون كل ربع ساعة من سياراتهم الصفراء لدفعها يدوياً ضمن الدور خوفاً من نفاد ما بقي من بنزين فيها.
شاب ملتح يضع نظارة لم يفصح عن اسمه قال بأنه عاطل عن العمل منذ ثلاثة أيام.. يقضي ساعات عدة منتظراً أن يحين دوره في محطة الوقود.
سائق سيارة الأجرة سمير أبو صطيف يقول إنه يقف يومياً مدة أربع ساعات كحد أدنى على محطة الوقود الحكومية ولكن دون جدوى، مما يضطره لقصد بعض الأشخاص لشراء عشرين لتراً إضافية من السوق السوداء بقيمة 9000 ليرة سورية (20 دولاراً)، أي ضعف سعر الكمية ذاتها من البنزين المدعوم.
ويقول: أشتري وقتي بهذا السعر وأمضي لأعمل على سيارتي لتأمين قوت عائلتي.
حلول بديلة: الدراجات الهوائية والحنطور
عادل رجل أربعيني يرتدي زياً رسمياً يركب دراجة هوائية استوقفناه، قال: أنا أمتلك سيارتين، ودراجة نارية منذ أيام شبابي، ولكن اشتريت هذه لأحل المشكلة، ولا خجل، ففي أوروبا يركبونها مع ارتداء الزي الرسمي.
أبو نضال وسعيد، يركبان حنطوراً يبيع الخضرة، استوقفناهما لنأخذ رأيهما بأزمة البنزين، فضحكا وقالا: دائماً ما يضحك المارة منا لمظهر الحنطور والبغل، واليوم نحن نجول الشوارع دون بضاعة، فقط لننتقم ونضحك على كل من سخر منا.. ويضحكان ثم ينطلقان.
ومن ضمن الحلول التي ابتكرها السوريون الاستعانة بالبنزين اللبناني، وازدهرت تجارة جديدة لأصحاب الحافلات وسيارات الأجرة المخصصة للسفر إلى لبنان.
ويقول شريف التقي بأنه بعدما جرب البنزين اللبناني لن يغيره فأوكتانه أعلى ويعطي السيارة عزماً وقوة أكثر من السوري، كما أنه يصل إلى باب البيت ولا حاجة للوقوف على محطات الوقود، وبالنسبة لفرق السعر يوضح بأن استهلاك الوقود اللبناني خفف مصروف سيارته وبالتالي فالمعادلة واحدة.