إذا كنت ستحصل على شيء مقابل الذهب، فمن الأفضل أن يكون بعض المال. فهذا المعدن النفيس ليس جميلاً فحسب، بل إن كميته في الكون محدودة أيضاً.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الذهب لا يتواجد في المناجم فحسب، بل إن الدماغ البشري يحتوي على كمية من هذا المعدن تبلغ مثقال رمش العين تقريباً.
رغم غرابة الأمر، إلا أن ما كان دائماً يحير العلماء هو هذا السؤال: هذا الذهب الموجود على كوكب الأرض وفي أدمغتنا، من أين جاء؟ المؤكد أنه لم يتم تخليقه على كوكب الأرض، تماماً مثل الحديد الذي جاء للأرض عبر الكويكبات.
كيف يتكون الذهب؟
دراسة جديدة توصلت إلى أن اندماج نجم نيوتروني واحد على بعد أكثر من 300 فرسخ نجمي ينتج كمية كبيرة جداً من الذهب، حسب ما ذكر موقع Think Big الأمريكي.
وتشير عالمة الفلك ميشيل ثالرإلى العناصر مثل الذهب والبلاتين والبلوتونيوم وغيرها لديها ذرات أكثر كثافة، فتكون بالتالي أثقل من ذرات الحديد. ذرات الذهب، على وجه الخصوص، أثقل من ذرات الحديد بمقدار 4 أضعاف، إذ تحتوي كل ذرة على عدد أكبر بكثير من البروتونات والنيوترونات.
تنتج هذه العناصر "الثقيلة" بشكل رئيسي خلال عملية "التقاط النيوترون السريع"، التي تحدث في ظروف توافر كثافة كبيرة للنيوترونات مع حرارة مرتفعة؛ مثل الانفجارات النجمية العنيفة، حيث يسمح ذلك للنواة الذرية المشعة بجذب النيوترونات الحرة لفترة طويلة بشكل غير طبيعي، قبل أن يبدأ نشاطها الإشعاعي في الخفوت والانحلال.
وكان ما سبق محل اتفاق وإجماع لبعض الوقت. حتى ظهر نقاش جديد حول نوع الكارثة الكونية المسؤولة عن ذلك: هل هي انفجار نجمي عظيم أم اندماج نجم نيوتروني؟ وكم عدد الانفجارات الكونية اللازمة لإنتاج هذه الكمية الموجودة من العناصر الثقيلة في الكون؟
نقطة ضئيلة من الغبار النجمي تروي الحكاية
تعتمد النتيجة التي توصل إليها الباحثون بشكل أساسي على حبة فريدة من الغبار النجمي استخرجها باحثون من نيزك أنتاركتيكا، وهو ما نشر الشهر الماضي في مقال بصحيفة Nature Astronomy. ويبلغ حجم الحُبيبة LAP-149، حوالي 1/25,000 بوصة فقط.
وقال بيير هينيكور، المؤلف الرئيسي للدراسة التحليلية، لموقع أخبار جامعة أريزونا UA News: "بالنظر إلى أنها غبار فعلي من النجوم، تمنحنا هذه الحُبيبات رؤية إلى لبنات البناء الأساسية التي شكّلت نظامنا الشمسي".
واقترح أن الحُبيبة نشأت من انفجار نجمي لأن تركيبها غني جداً بنظير الكربون المعروف بـ 13C. ويوضح: "يختلف تركيب نظائر الكربون الموجودة في أي شيء بنظامنا الشمسي سواء على الكوكب أو في أجسادنا بمقدار عامل واحد من بين خمسين. ولكن نظير الكربون 13C الذي وجدناه في الحبيبة غنيّ بأكثر من 50 ألف نقطة اختلاف".
ويقول توم زيغا من جامعة أريزونا: "إذا استطعنا، في يوم من الأيام، تحديد تواريخ هذه العناصر، ستصبح لدينا فكرة أفضل عما تبدو عليه المجرة وعن أسباب تكوين نظامنا الشمسي".
الحسابات الرياضية والمحاكاة الحاسوبية
أجرى عالما الفيزياء الفلكية بارتوس وزابلوكس ماركا بجامعة كولومبيا سلسلة من عمليات المحاكاة الحاسوبية، باستخدام الكميات الضئيلة الموجودة في LAP-149، لمعرفة إذا كان بإمكانهم تحديد الظروف المناسبة لإنتاج عناصرنا الثقيلة المعروفة، سواء كانت انفجارات نجمية أو اندماج نجم نيوتروني.
ووجدا أن اندماج واحد لاثنين من النجوم النيوترونية يفي بالغرض إذا حدث الاندماج على بعد ألف سنة ضوئية من الغبار والحطام الذي يندمج في النهاية بنظامنا الشمسي، أو إذا حدث الاندماج قبل 100 مليون عام من تكوّن النظام الشمسي، أي حوالي 4.6 مليار عام.
الذهب في أدمغتنا
يتكون جسم الإنسان من العديد من العناصر، بما في ذلك الذهب بكميات ضئيلة.
وطبقاً لأحدث الأبحاث، فإن جسم الشخص العادي الذي يبلغ وزنه 70 كيلوغراماً سيحتوي على كتلة إجمالية قدرها 0.2 ملليغرام من الذهب. هذا يعني أن كل 5000 شخص يملكون غراماً واحداً فقط من الذهب.
إذا ما تمت عملية تنقية الذهب، سيبلغ حجمه 10 نانولتر. وإذا تم تشكيل هذا الذهب المكرر في شكل مكعب صلب من الذهب النقي، فإن قياس كل جانب من جوانب المكعب سيكون 0.22 ملليمتر.
التركيز الرئيسي للذهب ليس في الدماغ، ولكن في الدم (وبالتالي في الدماغ ضمنياً)، إذ يتركز الذهب أكثر في المنطقة المحيطة بالقلب.
في حين أن دور الذهب في العمليات الفسيولوجية للجسم البشري لم يكن معروفاً لسنوات عديدة، فقد تم تحديد مؤخراً أن الذهب يلعب دوراً في كل من صحة المفاصل وصيانتها، فضلاً عن كونه عنصراً رئيسياً في انتقال الإشارات الكهربائية في جميع أنحاء الجسم (وأهم الإشارات هي التي يرسلها الدماغ).
من بداياتنا المتفجرة
وقال زيغا، متأثراً بنتائج LAP-149: "ربما ندين بوجودنا إلى انفجار نجمي عظيم قريب، تسبب في انضغاط كريّات نجمية غبارية بموجاته التصادمية ونجومه المشتعلة، وإنشاء مشاتل نجمية كما يظهر في صورة "أعمدة الخلق" الشهيرة التي التقطها تلسكوب هابل".
أما بالنسبة للفريق الذي اكتشف الكارثة الكونية التي جاء منها الذهب، يقول ماركا: "إن نتائجنا تتناول مسعى أساسياً للإنسانية؛ من أين أتينا وأين نذهب؟ من الصعب أن أصف ما شعرنا به عندما أدركنا ما وجدنا أثناء بحثنا عن تفسير لوجودنا في الكون، وما يعنيه ذلك للمستقبل".