لا نأتي على ذكر المملكة العربية السعودية عادةً دون الحديث عن النفط تلقائياً. إذ تُواصل المملكة نفوذها المتزايد على أسعار النفط العالمية، حيث تمتلك السعودية مع منظمة أوبك 40% من إمدادات النفط العالمية. وتستحوذ الرياض على 13% من إجمالي صادرات النفط في العالم، إلى جانب روسيا.
المملكة بدأت بتوسيع خططها بشأن الطاقة لعدد من الأسباب الاستراتيجية
لكن المملكة وسَّعت أهداف الطاقة الخاصة بها، لعديد من الأسباب الاستراتيجية، خاصةً الأهداف المُتعلِّقة بقطاعات الغاز الطبيعي والطاقة النووية والطاقة المُتجدِّدة.
هذه الخطوة تعتبر منطقيةً للغاية، إذ يُعَدُّ الغاز الطبيعي الوقود الذي يتجه العالم إلى استخدامه مثلاً، لأنَّه يُقلِّل انبعاثات الغازات الدفيئة ويُعوِّض غياب طاقة الرياح المُتقطِّعة والطاقة الشمسية، بحسب مجلة Forbes الأمريكية.
ويُلمَس هذا التوسع في الاحتياطي السعودي للغاز، الذي تضخَّم بشكل كبير خلال السنوات الماضية
تضخَّمت احتياطيات الغاز السعودي إلى قرابة 300 تريليون قدم مكعبة بهدوء، وبزيادةٍ قدرها 45% على مدار الأعوام العشرين الماضية، وهو رقمٌ يقارب ما تمتلكه الولايات المتحدة بوصفها أكبر مُنتجٍ للغاز الطبيعي في العالم.
كما تنتج السعودية الآن 13 مليار قدم مكعبة/اليوم تقريباً، مُقارنةً مع بنسلفانيا التي تنتج 19 مليار قدم مكعبة/اليوم مثلاً.
ويُولِّد الغاز الطبيعي نحو 60% من الكهرباء السعودية، ويُوفِّر النفط النسبة المتبقية.
وسيزداد طلب البلاد على الغاز المحلي، من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية الكُبرى؛ نظراً إلى أن 45% من سكان المملكة -الذين يبلغ تعدادهم 34 مليون نسمة- هُم شباب دون عُمر الـ24.
التركيز الرئيس الجديد للمملكة سينصبُّ على تصدير الغاز إلى العالم المُتعطِّش إلى مصدر الطاقة
فقد أعلنت شركة "أرامكو" العملاقة -المملوكة للحكومة السعودية- بدء المحادثات مع عديد من الشركاء حول العالم بشأن المشاريع المشتركة المحتملة في مجال الغاز، وذلك في خضم الإعلان عن بيع أول شحنة غاز طبيعي مسال أواخر شهر أبريل/نيسان 2019.
وتنطوي الخطة على استثمار 175 مليار دولار تقريباً في مجال الغاز على مدار العقد المقبل، وذلك داخل الولايات المتحدة وروسيا وغيرها من البلاد.
كما تمتلك السعودية خُططاً مُكثَّفة لتوليد مزيد من الطاقة النووية والطاقة المُتجدِّدة.
ما الهدف الذي تسعى إليه المملكة من تنويع مصادر الطاقة؟
ويهدف هذا التنويع في المقام الأوَّل إلى توفير مزيد من النفط للتصدير، إذ يُعَدُّ النفط المُحرِّك الاقتصادي والسلعة الأساسية الدائمة للمملكة، لأنَّ الطلب العالمي على النفط سنوياً يرتفع بمُعدَّلٍ ثابت يتراوح بين 1 و2%.
وترغب المملكة في التخلُّص من سياسة الطاقة السيئة، التي تُؤدِّي إلى استخدام 725 ألف برميل نفط يومياً لتوليد الكهرباء في الصيف؛ نظراً إلى أنَّ النفط وقودٌ مُصمَّمٌ لوسائل النقل.
التوجه إلى الطاقة النووية أيضاً ضمن الخطط الموضوعة في المملكة
وتقترح إحدى مجموعات الخطط بناء مفاعلين نوويين بحلول عام 2020، والانتهاء من 16 مفاعلاً بحلول عام 2030. وستُستخدم الطاقة النووية في توليد الكهرباء وتحلية المياه أيضاً.
لكن تلك الخطوة من شأنها أن تزيد المخاوف الأمنية داخل منطقة الشرق الأوسط.
ورغم أنَّ السعوديين أعلنوا خططهم لاستثمار 530 مليار دولار بمجال الطاقة الشمسية على مدار السنوات الست الماضية، فإن المملكة لم تبدأ فعلياً بناء أي منشأةٍ للطاقة الشمسية.
وذكر فاتح بيرول، المدير التنفيذي لمنظمة الطاقة الدولية، أنَّ "العمل توقُّف واستُؤنِف في أكثر من مناسبة. هناك حاجةٌ لزيادة توليد الكهرباء، وتقليل الطاقة المعتمدة على النفط، والاستفادة من الطاقة الشمسية الهائلة".
لكن ارتفاع أسعار النفط يُغري السعوديين، ويجعلهم يبطئون من البحث عن بدائل له
تُواصل أسعار النفط المرتفعة تأثيرها السلبي على السعودية، إذ يعطي ذلك المسؤولين في السعودية حافزاً لتنويع اقتصادها القائم على النفط، خاصةً بعد ارتفاعه بنسبة 40% خلال هذا العام فقط.
ويحدث العكس تماماً داخل الدول المستوردة للنفط، حيث يُؤدِّي ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة الحافز على تنويع الاقتصاد.
إلا أن الاتجاه العام في المملكة يشير إلى مزيد من الغاز والطاقة المُتجدِّدة
ويشير هدف زيادة إنتاج الغاز وصادراته من السعودية إلى أنَّ بائعي الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة سيواجهون منافسةً كبيرةً ومتزايدة حول العالم، وهو ما يزيد أهمية السياسات الداعمة من قادة واشنطن.
وستفرض السعودية قبضةً أشدَّ صرامة على احتياجات الطاقة للاقتصادات النامية، على غرار ما فعلته مع النفط، وهو تطوُّرٌ سياسيٌّ آخر ستُضطر السياسة الأمريكية إلى مواجهته استراتيجياً.