في عام 1980، نشرت إحدى المجموعات المدافعة عن حقوق الحيوان في صحيفة The New York Times الأمريكية إعلاناً في صفحةٍ كاملة، ينتقد إحدى شركات مستحضرات التجميل المعروفة بسبب اختبار منتجاتها على أعين الأرانب. كانت الحملة مؤثرة للغاية، وأدت إلى اتجاه العديد من شركات التجميل إلى ضخ مئات آلاف الدولارات في البحث العلمي لإيجاد وسائل تجريبية بديلة لا تتضمن الحيوانات.
بعد حوالي 40 عاماً، ما هي بعض هذه البدائل، وما مدى التقدم الذي حققناه؟
لكن قبل أن نخوض في الإجابة عن هذا السؤال، هناك أمر مُهم يجب علينا إيضاحه: على الرغم من أنَّ إجراء الاختبارات على الحيوانات يستحضر في الأذهان صورة الأرانب التي لا حيلة لها وهي تُنغَز وتُهمَز باسم الجمال، استخدام الحيوانات في البحث العلمي، والبحث عن البدائل، يمتد لأبعد من صناعة مستحضرات التجميل، بحسب تقرير لموقع Live Science الأمريكي.
الفئران ودورها في علم السموم
فحيوانات مثل الفئران ينتشر استخدامها في دراسة علم السموم، الذي يدرس المواد الكيميائية وتأثيرها علينا. والحيوانات أيضاً مهمة بالنسبة لاكتشاف الأدوية وتجريبها. وفي الأبحاث الطبية الحيوية، تمثل النماذج الحيوانية أساس الكثير من التجارب التي تساعد الباحثين على البحث في كل شيء، بداية من طريقةً عمل الإشارات الكهربائية في المخ وحتى طريقة تطور مرضٍ ما في الخلايا.

وعلى الرغم من أهميتها في هذه المجالات، ظهرت جهود الآن لتقليل عدد الحيوانات المستخدمة في الاختبارات. يعود هذا -جزئياً- للأسباب الأخلاقية، التي أصبحت تحرك التشريعات الجديدة في دول مختلفة. لكن ايضاً توجد أسباب متعلقة بالمال والوقت.
إذ يقول وارن كايسي، مدير المركز المشترك لتقييم الوسائل البديلة في علم السموم التابع لبرنامج الولايات المتحدة الوطني لعلم السموم، الذي يعمل على تحليل بدائل استخدام الحيوانات لاختبار أضرار المواد الكيميائية: "نظرياً، قد تكون التجارب غير المعتمدة على الحيوانات أرخص وأسرع بكثير".
هناك سبب آخر لهذه المحاولات وهو أنَّه في بعض أنواع البحث، تكون الحيوانات مختلفة تماماً عن الإنسان بدرجة لا تمكننا من التنبؤ الصحيح بآثار منتجاتٍ معينة على أجسادنا. ويقول كيسي لموقع Live Science: "لذا فنحن لدينا الأخلاقيات، والكفاءة، ومدى التشابه بينها وبين البشر". مشيراً إلى العوامل الثلاثة الرئيسية التي تحرك البحث عن البدائل، بحسب الموقع الأمريكي.
إذاً، ما هي الخيارات الواعدة حتى الآن؟
البيانات، البيانات في كل مكان
أحد الطرق هو استبدال الحيوانات بخوارزميات. فالباحثون يطورون نماذج حاسوبية بها كميات ضخمة من الأبحاث حتى يمكنها أن تتوقع تأثيرات منتجات معينة على جسيم ما.
ويقول هاو تشو، أستاذ الكيمياء المساعد في جامعة روتجرز في نيوجيرسي: "هذا حل مناسب. ورخيص للغاية". تشو هو جزء من فريق من الباحثين تمكّن من تطوير خوارزمية سريعة تستطيع استخراج كميات كبيرة من المعلومات من قاعدة بياناتٍ كيميائية، لمقارنة آلاف المركبات الكيميائية التي سبق اختبارها مع الجديدة التي لم تُختبر بعد عن طريق معرفة التشابهات التركيبية بينها. ثم تستخدم ما لدينا من معلومات عن المركبات المجربة، لتخرج بتنبؤاتٍ يمكن الاعتماد عليها في ما يتعلق بسُمّية المركبات غير المجربة ذات التركيب المشابه (بافتراض أنَّ هذا التركيب المشابه يعني أنَّ المركب سيكون له تأثير مشابه).
وعادةً، تتطلب معرفة تأثيرات مركب جديد تكاليف باهظة، والكثير من الوقت لاختبارها على الحيوانات. لكنَّ التنبؤات الحاسوبية مثل التي نتحدث عنها قد تساعد في التقليل من قدر الأبحاث المطلوب إجراؤها على الحيوانات. وقال تشو: "إذا كنا نستطيع أن نوضح أنَّ المركب الذي نريد طرحه في السوق هو مركب آمن، فأعتقد أنَّ هذه الأنواع من الدراسات قد تصلح بديلاً لدراسات الحيوانات الموجودة حالياً". وأظهرت دراسة مشابهة أجراها باحثون من جامعة جونز هوبكينز في ماريلاند أنَّ الخوارزميات يمكنها أن تكون أفضل حتى من الاختبارات على الحيوانات في التنبؤ بسمية مختلف المركبات الكيميائية.
أعضاء مصغرة
في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء زراعة الخلايا البشرية في شبكات على شرائح بلاستيكية، لتكون وحدات بنائية صغيرة تشبه في وظيفتها القلب البشري، والكبد، والكليتين، والرئة. يمكن لهذه الأشياء التي تعرف باسم "أعضاء على شريحة" أن توفر لنا طريقة جديدة لاختبار المركبات أو الأدوية الجديدة على الخلايا البشرية.

إذ يمكن للاختبار على هذه النسخ المبسّطة المصغرة من أجهزتنا الوظيفية أن يخرج لنا بنتائج متسقة مع جسم الإنسان أكثر من التجارب على الحيوانات. ويمكن لهذه الاختبارات أن تستبدل استخدام الحيوانات الكاملة نهائياً في المراحل الاستكشافية الأولى من الأبحاث المبكرة، عندما لا يريد العلماء بالضرورة الأنظمة بأكملها. ويقول كايسي مشيراً للأعضاء على الشرائح: "إنَّها تعمل بالأساس على مخرج واحد أو تجربة المرحلة النهائية". لأنَّه من الممكن أن يكون المطلوب في هذه المرحلة هو اختبار تصرف نوع واحد من الخلايا استجابةً لعقار ما أو مرض ما، باعتباره طريقة لتوجيه البحث في المستقبل.
ويقول فلوريان شمايدر، الباحث في معهد فراونهوفر لتكنولوجيا المواد والأشعة بألمانيا: "قد يساعد هذا في معظم الحالات على تقليل كمية حيوانات الاختبار التي يخطط العلماء لاستخدامها في مشاريعهم المستمرة". يعمل شمايدر على تحقيق هذا الهدف من خلال تطوير نماذج مصغرة للقلب والكلى. وبالإضافة إلى الرئة والكبد والقلب، تطور بعض الشركات هياكل صناعية ثلاثية الأبعاد يمكنها محاكاة جلد الإنسان. وهذا له أهمية خاصة في علم السميات، حيث كانت الاختبارات على جلود الحيوانات هي الأساس لمعرفة آثار المركبات الجديدة غير المجربة.
وأصبح البديل الخالي من الضرر لهذا الأمر حقيقةً الآن، فيقول كايسي: "نماذج نسيج الجلد أثبتت حقاً أنَّها فعالة للغاية. ويمكنها توفير معلومات عن التغيرات الحادة إذا كان هذا الشيء سيتسبب في تلف وتآكل الجلد"، بحسب الموقع الأمريكي.
الدراسات البشرية
إحدى الأفكار المعارضة للتجريب على الحيوانات، والتي تُثار مراراً وتكراراً، هي أنَّه إذا كان البشر يريدون الانتفاع من علاجاتٍ جديدة، أو عقاقير أو أبحاث، فعليهم إذاً تقديم أنفسهم كحالات اختبار. وهذه نظرة بسيطة ومتطرفة، وفي معظم الدول يتطلب القانون إجراء تجارب على الحيوانات أولاً قبل البشر مثلاً. بالإضافة إلى أنَّ ذلك ليس عملياً بالضرورة أيضاً.
لكن هناك أشكال مسيطر عليها من التجريب على البشر، والتي من شأنها التقليل من استخدام الحيوانات، دون تعريض صحة البشر للخطر. وإحدى هذه الطرق هي الجرعات القليلة، وفيها يتلقى البشر دواءً جديداً بكمياتٍ ضئيلة لا تتسبب في تأثيرات فسيولوجية كبيرة، لكنَّها تصل لمستوى كاف في أحد أجهزة الجسم حتى نتمكن من قياس تأثيرها على مستوى الخلايا.
الفكرة هي أنَّ هذا الأسلوب الحذر قد يساعد في استبعاد العقاقير غير الناجحة في مرحلة مبكرة، بدلاً من استخدام آلاف الحيوانات في دراسات لن تؤدي بنا إلا لإثبات أنَّ هذا الدواء لن يعمل في النهاية. أثبت هذا الأسلوب كفاءته وأمانه بما يكفي لتستخدمه الكثير من شركات الدواء الكبيرة الآن لتسهيل تطوير العقاقير.
وقال كايسي: "ستكون هناك اعتبارات أخلاقية بالتأكيد، لكن من الممكن أن نتغلب عليها بسهولة نظراً للمكاسب المحتملة في ما يتعلق بطرح أدوية أكثر أماناً وأكثر فاعلية للسوق بنظام أكثر كفاءة".
أين نحن الآن؟
وبحسب الموقع الأمريكي، ماذا تعني هذه البدائل بالنسبة لمستقبل التجريب على الحيوانات؟ في بعض مجالات البحث، مثل تجريب مستحضرات التجميل، وهو المجال الذي أُثبت فيه سلامة الكثير من المنتجات الموجودة حالياً عن طريق الدراسات على الحيوان، أصبح هناك اعترافٌ متزايد بأنَّنا لا نحتاج لاختبار منتجاتٍ جديدة للتقدم في هذه الصناعة. وهذا يتضح في قواعد تنظيمية مثل التي ينفذها الاتحاد الأوروبي، والتي تحرم الآن إجراء الاختبارات على الحيوانات في أي منتجات تجميلية تُنتج أو تباع في الاتحاد الأوروبي.

ونرى أيضاً تطوراتٍ في البحث العلمي في علم السموم. اعتمد علماء السموم طويلاً على 6 اختبارات أساسية تعتمد على الحيوانات لفحص سمية المنتجات الجديدة، لمعرفة إذا كان المنتج يتسبب في تهيج الجلد، أو يتسبب بالضرر للعين، أو يسبب تناوله الوفاة. لكنَّ كايسي يقول إنَّه خلال العامين القادمين، ستتغير هذه الاختبارات على الأغلب في الولايات المتحدة، وتحل محلها تجارب لا تعتمد على الحيوان. ويضيف كايسي أنَّ السبب وراء هذا التقدم هو أنَّ "الآلية البيولوجية التي تسبب هذا النوع من التسمم أبسط بكثير من المخاوف الصحية التي قد تظهر بعد تعريض (حيوانٍ) لأحد المركبات الكيميائية بفترةٍ طويلة من الوقت، مثل السرطان أو تسمم الجهاز التناسلي".
لابد من إجراء بعض التجارب على حيوانات
وبحسب الموقع الأمريكي، لكن في مجالات أخرى من البحث، حيث تكون الأسئلة التي يبحثون عن إجابتها أكثر تعقيداً، تكون النماذج الحيوانية هي الطريق الوحيد لدينا الآن لمعرفة الآثار المتنوعة واسعة الانتشار طويلة المدى لأحد المركبات أو لدواءٍ أو مرض. ويقول كايسي: "علم الوظائف معقد بحق، وما زلنا لا نملك درايةً كاملة به"، أو نملك أي نموذج مشروع يحاكيه بعيداً عن النماذج الحيوانية.
حتى على الرغم من الإنجازات الواعدة مثل تطوير أعضاء على شرائح بلاستيكية، فما زال أمامنا طريق طويل قبل أن نحصل على أي شيء يمثل الجسد البشري المتصل ببعضه. وقال شمايدر: "المشكلة الأساسية التي تحول دون تطوير أنظمة عضوية صناعية هي تحقيق التعقيد الكامل لجسيم حي في المختبر. المشكلة هنا هي محاكاة حركة وديناميات الجسم البشري بطريقةٍ يمكن التنبؤ بها".
وبينما قد تساعدنا الأعضاء على الشرائح والاختراعات الأخرى في الإجابة على بعض الأسئلة الأبسط، لا يوجد أمامنا الآن سوى النماذج الحيوانية المتكاملة لدراسة الآثار المعقدة، مثل كيفية انتقال الإشارات الكهربية في المخ البشري وارتباطها بالسلوكيات التي نراها. وهذه هي نوعية الأسئلة التي تساعدنا على فهم الأمراض البشرية، وتؤدي بنا في النهاية لعلاجات تنقذ الحياة. ولهذا ستبقى التجارب على الحيوانات التي تقوم عليها هذه الاكتشافات ضرورية، بحسب الموقع الأمريكي.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أنَّ معظم الاختبارات الواعدة التي لا تعتمد على الحيوانات، والتي نستخدمها الآن مثل الخوارزميات، تعمل لأنَّها تعتمد على عقودٍ من الأبحاث التي اُجريت على الحيوانات. ويقول تشو إنَّه حتى يمكننا التقدم في المستقبل، سنحتاج لمواصلة هذا البحث.
وأضاف: "لا يمكننا استخدام الكمبيوتر لاستبدال التجريب على الحيوانات نهائياً. فما زلنا بحاجة لقدرٍ ما من الاختبار على الحيوانات لنستخرج البيانات اللازمة. لو طلبت مني التصويت على طريقة واعدة، سأختار المزج بين الطرق الحاسوبية والطرق التجريبية".
إذاً، هل هناك بدائل لاختبار الحيوانات؟ الإجابة القصيرة هي: نعم، ولا. ففي حين لدينا العديد من الخيارات، لكنَّها ليست معقدة بما يكفي حتى الآن لتستبعد الاختبار على الحيوانات. لكن يمكنها بالأساس تقليل عدد الحيوانات التي نستخدمها في البحث العلمي. وفي ظل القواعد التنظيمية الجديدة، والبدائل الذكية، يمكننا على الأقل أن نأمل أنَّ عدد الحيوانات المطلوبة سوف يستمر في التناقص في المستقبل.