أعلنت إيران أنَّها لن تُواصل التزامها الكامل بالاتفاق النووي التاريخي الذي وقَّعته مع الولايات المُتحدة وخمس دول أخرى عام 2015، في أعقاب تخلِّي واشنطن عن الاتفاق وضغطها الدبلوماسي والعسكري المُتزايد على طهران.
وربما يُمثِّل انسحاب إيران من الاتفاق، الذي استغرق التفاوض عليه سنوات طويلة، تطوُّراً خطيراً في واحدةٍ من أكثر قضايا الشرق الأوسط تعقيداً، ولكن هذا التعقيد هو ما يزيد صعوبة فِهم الأحداث الجارية، إلى جانب التعتيم والمُبالغة المُحتملة من الطرفين.
شبكة CNN الأمريكية رصدت في تقرير كل ما يثار حول إعلان إيران النووي، وكيف ستؤثر هذه الخطوة على المنطقة برمتها.
ماذا تفعل إيران؟
أوضح الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال ظهوره التلفزيوني اليوم الأربعاء 8 مايو/أيار، أنَّ بلاده لن تُواصل الوفاء ببعض التزاماتها بموجب الاتفاق، فيما يتعلَّق بإنتاج المواد الانشطارية، وذلك بعد عامٍ واحد من إعلان دونالد ترامب أنَّ الولايات المتحدة ستنسحب من المعاهدة.
وقال المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، في بيان نشرته وسائل الإعلام الإيرانية، إنَّ البلاد لن تُواصل احترام القيود المفروضة على الاحتفاظ باحتياطي اليورانيوم المُخصَّب والماء الثقيل.
وسُمِحَ لإيران في السابق بتصدير فائض المياه الثقيلة واليورانيوم، لكن الولايات المتحدة ألغت الإعفاءات التي سمحت لإيران ببيع مخزونها مُؤخراً، بحسب الشبكة الأمريكية.
وقال البيان أيضاً إنَّ إيران ستمنح بقية الدول المُوقِّعة 60 يوماً لتخفيف القيود على القطاع المصرفي وقطاع النفط الإيراني. وكان من المفترض تخفيف تلك العقوبات عن القطاعين بموجب الاتفاق، لكن إدارة ترامب أعادت تطبيقها بعد انسحابها من الاتفاق.
وأضاف البيان الإيراني أنَّ طهران ستتوقَّف عن الالتزام بالمزيد من القيود، في حال لم تُحَلَّ تلك القضايا العالقة خلال فترةٍ زمنية مُدَّتها شهران.
وقال روحاني إنَّ بلاده لم تسعَ إلى التخلِّي عن الاتفاق -الذي يحمل اسم خطة العمل الشاملة المُشتركة– ووصف ما حدث اليوم بأنَّه "خطوةٌ جديدة" في إطار الاتفاق.
لماذا فعلت إيران ذلك؟
فلنبدأ بالاتفاق نفسه.
استهدفت خطة العمل الشاملة المُشتركة الحدَّ من البرنامج النووي المدني الإيراني، مما يعني منعها من تطوير أسلحة نووية مستقبلاً، مُقابل تخفيف العقوبات التي كانت تُعرقِل الاقتصاد الإيراني.
وُقِّع الاتفاق في فيينا إثر عامين من المُحادثات المُكثَّفة التي نظَّمتها إدارة أوباما. ووقَّعت إيران وست دول أخرى على الاتفاق عام 2015، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا. وأُدرِجَت المُعاهدة أيضاً في قرارٍ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما حوَّله إلى قانونٍ دولي.
ووافقت الحكومة الإيرانية على ثلاث نقاط رئيسية بموجب الاتفاق:
تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين (وهي آلاتٌ أنبوبية الشكل تُستخدم في تخصيب اليورانيوم، وهي المادة اللازمة لإنتاج الطاقة النووية)، مما خفض مخزونها من اليورانيوم المُخصَّب بنسبة 98%، وخفض سقف عمليات تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 3.67% فقط، وهي النسب الكافية لسدِّ بعض احتياجات الطاقة في البلاد، لكنها لن تكفي أبداً لبناء قنبلة نووية.
علاوةً على إلزام إيران بالحدِّ من أبحاث وتطوير اليورانيوم، إلى جانب السماح لمُفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى منشآتها النووية المدنية.
ورُفِعَت كافة العقوبات النووية عن إيران في يناير/كانون الثاني عام 2016، مُقابل امتثالها لبنود الاتفاق، مما أعاد ربط اقتصاد البلاد الراكد بالأسواق الدولية.
لماذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق؟
انتقد ساسة الولايات المتحدة المُتعصبون الاتفاق، وخاصة ترامب وغيره من الجمهوريين.
ورأى البعض أنَّ الولايات المتحدة منحت النظام الإيراني الكثير من المزايا دون مُقابلٍ يُذكر. وألقى آخرون باللوم على المُفاوضين، لأنَّهم فشلوا في التطرُّق إلى مسألة رعاية إيران للإرهاب، فضلاً عن الفشل في فرض القيود على تطوير طهران للصواريخ الباليستية.
وخشي أولئك من أن يكون الاتفاق ليس كافياً للحيلولة دون بناء إيران للقنبلة، وأنَّ البلاد تستطيع تغيير مسارها خلال السنوات التي ستعقب الاتفاق، إثر جنيها لثمار تخفيف العقوبات.
ويعتقد بعض الخبراء أنَّ طهران تستطيع بناء القنبلة خلال عام، في حال اختارت استئناف تخصيب اليورانيوم. لكن إيران هي واحدةٌ من الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتُؤكِّد دائماً أنَّ أبحاثها النووية هي أبحاثٌ ذات طبيعةٍ مدنية خالصة.
وأكَّدت إدارة أوباما أنَّ اتفاق عام 2015 كان مبنياً على التحقُّق، وليس الثقة، باستخدام نظام رقابة تطفلي سيُراقب البلاد على مدار "24 ساعة طوال أيام الأسبوع". وقال مُؤيدو الاتفاق إنَّ العقوبات "ستعود إلى سابق عهدها"، في حال قرَّرت إيران انتهاك بنود الاتفاق.
وأضاف مُهندسو الاتفاق أيضاً أنَّه من المستحيل الخروج باتفاق يُغيِّر سلوك النظام الإيراني بالكامل، لذا اختار الاتفاق التركيز فقط على منع النظام الإيراني من تطوير أسلحة نووية.
وقال جون كيري، وزير الخارجية السابق، العام الماضي: "اتَّخذت إدارة أوباما قراراً واضحاً بأنَّ العمل على القضايا الأخرى -وإحراز التقدُّم بها- سيُصبح أسهل حين نتعامل مع إيران التي لا تمتلك أسلحة نووية، مُقارنةً بإيران التي تسعى لامتلاك أحد تلك الأسلحة".
ماذا فعلت واشنطن منذ خروجها من المعاهدة؟
أعادت الولايات المتحدة فرض كافة العقوبات النووية ضد طهران، منذ انسحابها من الاتفاق، إلى فرض مجموعةٍ من الإجراءات العقابية الأخرى.
وتزايد الضغط كثيراً خلال الشهر الماضي، إذ سعت واشنطن جاهدةً إلى خفض عائدات النفط الإيرانية -التي تُمثِّل مصدرها الرئيسي للدخل الأجنبي- وفرضت قيوداً على أنشطتها النووية المدنية، وصنَّفت الحرس الثوري الإيراني (وحدة عسكرية من نخبة المُقاتلين تتمتَّع بنفوذٍ سياسي واقتصادي هائل) تنظيماً إرهابياً.
ونشر الجيش الأمريكي مجموعة ناقلات هجومية، ووحدة عمليات قصف في الشرق الأوسط خلال الأيام الأخيرة، رداً على ما وصفه جون بولتون -مستشار الأمن القومي الأمريكي المُناهض لإيران- بأنَّه "عددٌ من المؤشرات والتحذيرات المُقلقة والمتصاعدة" من إيران.
وانطلقت المجموعة الهجومية في طريقها إلى مضيق هرمز، الممر المائي الذي يبلغ عرضه 21 ميلاً (33.796 كيلومتراً)، ويفصل بين إيران ودول الخليج، ويُستخدم لشحن قرابة الـ30% من النفط الخام في العالم.
وبرَّر المسؤولون الأمريكيون تحرُّكاتهم بأنَّها استجابةٌ لمعلومات استخباراتية "مُحدَّدة وموثوقة" عن التهديد الوشيك من إيران والقوات الموالية لها ضد القوات الأمريكية داخل سوريا، لكنهم رفضوا الخوض في التفاصيل أول الأمر، لكن العديد من المسؤولين الأمريكيين أوضحوا في وقتٍ لاحق أنَّ المعلومات الاستخباراتية أشارت إلى أنَّ القوات الإيرانية تنقل الصواريخ الباليستية القصيرة ومتوسطة المدى على متن القوارب في الخليج الفارسي (الخليج العربي)، الذي تقع مُعظم أجزائه داخل المياه الإقليمية الإيرانية أو المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلاد.