يبدو أن رهان المجلس العسكري السوداني على شهر رمضان قد فشل، فقد استمر اعتصام المحتجين السودانيين في رمضان رغم الأجواء الحارة التي يتسم بها السودان في هذا الوقت من العام.
وقبل شهر فقط من الآن ربما سخر الكثيرون من شعار (صابنها لي رمضان) الذي كان يردده ثوار السودان في إشارة منهم لإمكانية أن يطول اعتصامهم أمام مباني القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، والمستمر منذ السادس من أبريل/نيسان 2019 حال لم تتحقق مطالبهم في الانتقال السلمي للسلطة عقب سقوط نظام البشير الذي حكم البلاد بقبضة من حديد منذ العام 1989.
لكن وبعد مضي أكثر من أربع أشهر على اندلاع الثورة السودانية يؤكد الثوار عدم رغبتهم في العودة إلى منازلهم دون القضاء على أذيال نظام المخلوع من جذوره.
واستقبل المحتجون الشهر الفضيل من داخل ساحة الاعتصام على الرغم من حرارة الصيف الحارقة بل تحول شعار الثوار إلى "رمضان أحلى في القيادة" في إشارة إلى الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلحة، وتحول الأمر إلى ما يشبه الاحتفالية الاجتماعية وإن كانت البلاد لا تزال ترزح تحت وطأة الضائقة الإقتصادية وتجدد الطوابير أمام الصرافات الآلية ومحطات الوقود.
كيف استمر اعتصام المحتجين السودانيين في رمضان؟
مشهدان متناقضان في البلاد.
شوارع العاصمة الخرطوم كادت تخلو من المارة وحركة السيارات في اليوم الأول من شهر رمضان وهي التي كانت تعاني من أزمة مرورية خانقة قبل أيام فقط.
في المقابل فإن المشهد داخل ساحة الاعتصام يبدو مختلفاً، إذ يلاحظ الداخل إلى أن المنطقة تكاد تكون محررة من سلطة المجلس العسكري حيث تقف على مداخلها لجان تأمين مكونة من الثوار أنفسهم.
كما يمكن ملاحظة العديد من الشبان والفتيات وهم يحضرون وجبات إفطار للصائمين في نهار رمضان القائظ.
رهان المجلس العسكري قد سقط ولكنه سيبحث عن بديل
ويبدو أن رهان المجلس العسكري على تناقص أعداد المعتصمين في الميدان بفعل ارتفاع درجات الحرارة وصعوبة التواجد في الميدان بالنسبة للصائمين قد أصيب بشيء من الخيبة بحسب ابتهال صاحبة الـ25 عاماً وإحدى المشاركات في الاعتصام.
وتعتقد ابتهال أن المجلس قد يتراجع عن فكرة فض الاعتصام في الوقت الحالي لكنه بلا شك سيحاول بطريقة أو بأخرى عقب نهاية الشهر الكريم حال عدم التوصل لاتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير.
خيم إفطار للصائمين داخل الميدان
واللافت أن الكثير من الجهات الداعمة ورجال الأعمال قد تدافعوا لتوفير احتياجات الصائمين إذ يؤكد عدد من النشطاء تجهيز 10 خيم كبيرة سعة كل واحدة منها 1000 شخص، بكافة وسائل الراحة من أجهزة تبريد، فضلاً عن الكثير من شركات الطعام التي تبرعت بإطعام المعتصمين إضافة للمطابخ المركزية التي أعلنت عنها قوى الحرية والتغيير والمنتشرة حول الساحة التي تحولت لمسرح كبير من التكاتف بين السودانيين.
وإن كان ضعف التنظيم في اليوم الأول للصيام قد أدى لحدوث ارتباك في توزيع الوجبات والمياه المبردة مع دخول ساعة الإفطار لكن بدا من الواضح أن الجميع يمتلك الإصرار والعزيمة لمواجهة المجلس العسكري.
ومن جانب آخر لا يخفي البعض تخوفه من إطالة أمد الاعتصام ما قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، ولا سيما وأن الجميع استقبل بشيء من الحذر تصريحات نائب المجلس العسكري الحاكم الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي وهو يطالب بإيقاف ما وصفه بالفوضى في إشارة إلى (المتاريس) العديدة التي أغلق من خلالها الثوار بعضاً من الطرق المحيطة بساحة الاعتصام.
هل يتم فض الاعتصام بالقوة؟
يرى الناشط والكاتب الصحفي خالد فتحي أن الأمور قد لا تصل لتلك الحدة من العنف عبر فض الاعتصام بالقوة.
ولكن طالب في ذات الوقت بضرورة الحذر فالسيناريوهات مفتوحة على حد تعبيره خاصة وأن الجميع تابعوا محاولات الفض المتكررة وإن كانت سرعان ما تتراجع.
وآخرها ما حدث فجر الأول من رمضان عندما تقدمت قوى عسكرية لفتح أحد الحواجز المحيطة بساحة الاعتصام من الجانب الشرقي.
وردّ تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الحراك منذ انطلاقته بالدعوة في بيان عاجل المعتصمين للتوجه إلى الساحة فوراً لحماية اعتصامهم على حد قول البيان، ما حدا بعدد من الثوار لإغلاق شارع النيل الحيوي والمؤدي للقصر الرئاسي وسط الخرطوم قبل أن يسمحوا لاحقاً بمرور السيارات بعد انسحاب القوة.
لماذا يستبعدون تكرار سيناريو مذبحة رابعة العدوية؟
ولا يعتقد فتحي بإمكانية تكرار سيناريو مذبحة ميدان رابعة العدوية الذي استهدف مؤيدي الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي عقب مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، واصفاً تلك الحادثة بالانقلاب على حكومة بخلاف ما يحدث في السودان بوصفه ثورة شعبية مكتملة الأركان.
ورأى أن أي استخدام للعنف سيزيد من اشتعالها وهو ما لن يلجأ إليه المجلس العسكري الذي يواجه بدوره ضغوط كبيرة من بقايا النظام السابق والذي كان رأسه يسعى لوقف الاحتجاجات بإراقة الدماء.