أُطلِق سراح السيدة الثانية المتهمة في قتل الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون من أحد السجون الماليزية، مما يضع نهايةً مُخيِّبة لواحدٍ من أبرز ألغاز القتل، بعد عامين من التقلُّبات والمنعطفات.
إذ قال محامي دوان ثي هونغ إنَّه جرى إطلاق سراحها من السجن صباح الجمعة 3 مايو/أيار 2019، بحسب ما ذكرته شبكة CNN الأمريكية.
آخر المتهمين بقتل الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية تم إطلاق سراحها
وقال متحدثٌ باسم السجن إنَّ دوان سُلِّمت لدائرة الهجرة، حيث يُتوقَّع تجهيزها من أجل عودتها إلى ديارها في فيتنام خلال الساعات المقبلة.
واتُّهِمَت دوان وسيتي عائشة، المواطنة الإندونيسية، إلى جانب 4 رجال من كوريا الشمالية، برشّ غاز الأعصاب "VX" على وجه كيم جونغ نام، إثر دخوله أحد المطارات في ضواحي العاصمة الماليزية كوالالمبور، في فبراير/شباط 2017، وهو ما أسفر عن مقتله في غضون دقائق.
ودفع محامي السيدتين بأنَّهما تعرَّضتا للخداع من جانب عملاء كوريين شماليين، إذ أوهموهما بأنَّهما مُشاركتان في برنامج مقالب تلفزيوني.
أصابع الاتهام الدولية توجَّه إلى كوريا الشمالية لقتلها جونغ نام، لكنها تنفي تورطها في عملية القتل
ونفت كوريا الشمالية تورّطها في عملية القتل باستمرار، لكن السلطات الأمريكية والكورية الجنوبية والماليزية تقول إنَّ بيونغ يانغ مسؤولة عن الجريمة.
وعاش جونغ نام منفياً من بلاده في إقليم ماكاو، الذي تسيطر عليه الصين، وانتقد النظام في كوريا الشمالية أحياناً.
لفتت عملية القتل التي وقعت في مطارٍ مزدحم أنظار العالم سريعاً
وعلى الرغم من أن الكثيرين صُدموا من جرأة العملية وقسوتها، فإنه يُرجح عدم إدانة أحد على الإطلاق بجريمة القتل، التي استخدمت واحداً من أكثر الأسلحة الكيماوية فتكاً في العالم، للقيام بعملية اغتيالٍ سافرة في وَضح النهار، في ظلِّ عودة دوان إلى بلادها.
وقال إيفانز ريفير، خبير الاستشارات لدى مجموعة Albright-Stonebridge والقائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون آسيا والمحيط الهادي سابقاً: "لقد أفلت المُدبِّرون والمُنظِّمون والمُشرِفون على اغتيال كيم جونغ نام بفعلتهم دون شك، لن يُحاسَب أحد على هذا الهجوم المريع الذي استُخدِم فيه سلاح دمار شامل لقتل إنسان في مطارٍ دولي".
الادعاء العام غيَّر رأيه بشكل فجائي على الرغم من إصراره طول فترة المحاكمة على إدراك السيدتين لما فعلتاه
يُعتَقَد أنَّ المتهمين الكوريين الشماليين الأربعة غادروا ماليزيا بعد فترة وجيزة من عملية القتل، ولا يزالون أحراراً، وأُلقي القبض على سيتي عائشة ودوان بعد أيام.
وأصرَّت الشرطة والمُدَّعون العامُّون، أثناء التحقيق الأوليّ وطوال معظم فترة المحاكمة، على أنَّ السيدتين كانتا تُدرِكان ما تفعلانه، مما زاد غرابة قرار التخلي عن مساعي الإدانة بتُهمة القتل.
وقال راغوناث كيسافان، الخبير القانوني الماليزي والرئيس السابق لنقابة المحامين في البلاد، إنَّه من المستبعد أن يتعرَّف الرأي العام على السبب المحدد الذي دفع الادعاء العام لتغيير مساره. وأضاف: "لا نمتلك سوى التكهُّنات".
وبدأت القضية حين كان نجيب عبدالرزاق، رئيس الوزراء، في السلطة. لكنَّه أُزيح عن السلطة العام الماضي من جانب مهاتير محمد، رئيس الوزراء الحالي، الذي عيَّن تومي توماس في منصب المُدَّعي العام.
إندونيسيا ترى أن جهوداً بذلت وضغطاً مورس ساهما في إطلاق سراح الإندونيسية سيتي عائشة
وأُطلِق سراح سيتي عائشة في مارس/آذار الماضي، إثر تغيُّر رأي الادعاء العام فجأةً، وعادت إلى بلادها في إندونيسيا بعد ساعات. وادَّعت حكومة جوكو ويدودو، الرئيس الإندونيسي، أنَّ جهود الضغط المكثفة ساهمت في إطلاق سراحها.
وتكهَّن محللون بأنَّ ويدودو ربما سيَّس القضية، إذ جاءت قُبيل انتخاباتٍ رئاسية يبدو الآن أنَّه على وشك الفوز بها.
وقبلت دوان اتفاقاً أدَّى إلى الإفراج عنها يوم الجمعة، في الشهر التالي لإطلاق سراح سيتي عائشة، وتضمَّن الاتفاق الاعتراف بالجريمة الأصغر، المتمثلة في "التسبُّب بضرر باستخدام سلاحٍ خطير".
وحُكِم عليها بالسجن لثلاث سنوات وأربعة أشهر، لكنَّ السلطات اقتطعت الوقت الذي قضته داخل السجن بالفعل، إلى جانب إطلاق سراحها مُبكِّراً على غرار المُعتاد في هذا النوع من الأحكام.
يرى مراقبون أيضاً أن كوريا استغلَّت الانفتاح الدولي عليها وسلسلة اجتماعات مع قادة العالم
جاءت عملية القتل في خضم فترة الاضطرابات التي أثارتها تجارب الصواريخ الباليستية التي أجرتها كوريا الشمالية في 2017، والتي أدَّت إلى عزل المجتمع الدولي لها. لكنَّ حملة كسب التأييد الدبلوماسي بدأت في العام التالي، ويقول المحللون إنَّ بيونغ يانغ استغلت الفرصة لتعليق القضية.
قال إيوان غراهام، المدير التنفيذي لبرنامج آسيا بجامعة لا تروب الأسترالية، إنَّ كوريا الشمالية نجحت في استغلال سلسلة من الاجتماعات مع قادة العالم -بما في ذلك قادة الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والولايات المتحدة وفيتنام وروسيا- لتغيير الرواية الدولية.
كما أنه لا توجد رغبة دولية تدفع لمحاسبة قتلة كيم جونغ نام
وقال غراهام لشبكة CNN، في رسالة بريد إلكتروني، إنَّه يبدو الآن أنَّه "لا توجد رغبة دولية لدفع قضية كيم جونغ نام أبعد من ذلك. لقد أفلت الكوريون الشماليون بجريمتهم، واصطفَّت دول جنوب شرق آسيا لاستضافة كيم جونغ أون، بما في ذلك فيتنام".
وقال أندريه لانكوف، الخبير في شؤون كوريا الشمالية والأستاذ بجامعة كوكمين في العاصمة الكورية الجنوبية سول، إنَّ القضية ستتلاشى على الأرجح وتتحول إلى ذكرى تضرب مثالاً آخر على العمليات السرية وجرائم القتل التي ترتكبها كوريا الشمالية خارج أراضيها.
إذ اتُّهِمَت بيونغ يانغ خلال العقود الماضية باختطاف مواطنين يابانيين وكوريين جنوبيين وسوفييت، واغتيال ساسة كوريا الجنوبية، وتفجير طائرة "كوريا للطيران"، في محاولة لإفشال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في سول عام 1988، ما أسفر عن مقتل 115 شخصاً.
ونادراً ما تُسيطر تلك الحوادث على المباحثات التي تجري مع كوريا الشمالية، باستثناء اليابان، التي تعتبر مسألة الاختطاف من بين أولوياتها الأكثر إلحاحاً أثناء التعامل مع بيونغ يانغ.
وأضاف لانكوف، في إشارةٍ إلى تفجير طائرة "كوريا للطيران" عام 1987: "في حال نسيان عمل من أعمال الإرهاب العشوائي، الذي خلَّف الكثير من القتلى الأبرياء تماماً، فماذا ننتظر من عملية اغتيالٍ سياسية لم تُؤد إلى أضرار جانبية؟".