من الغريب أن نعتقد أن معالجة الأمراض بالفيروسات القاتلة واردة، لكن الأمر ممكن بالفعل وتم اختباره مراراً وتكراراً.
على مدى قرون، اكتشف العلماء طرقاً لاستخدام البكتيريا القاتلة ومسببات الأمراض والفيروسات لعلاج أمراض أخرى فتاكة.
نجح الأمر أكثر من مرة، وفتح للعلماء آفاقاً واسعة من الدراسات والبحث.
نتعرف في هذا التقرير على أبرز طرق معالجة الأمراض بالفيروسات:
الدكتور يوليوس فاجنر.. عالَج الزهري بالملاريا!
الدكتور يوليوس فاجنر هو طبيب نمساوي حصل على جائزة نوبل عام 1927، لعلاجه داء الزهري من خلال الاستعانة بمرض آخر وهو الملاريا.
كان مرض الزهري معروفاً بأنه مرض ذهني ينتج عن عدوى تصيب الدماغ، ويتسبب في وفاة المريض عاجلاً أم آجلاً، ولذلك حاول الأطباء أن يجدوا علاجاً له.
في أثناء أبحاثه، أدرك يوليوس أن هذا المرض لن يصمد أمام درجات حرارة الجسم المرتفعة، فخطر على باله أن يحقن مرضى الزهري العصبي بمرض الملاريا الذي سيتسبب في معاناة المصابين من الحمى، وستعمل الحمى على تخليص أجساد هؤلاء المرضى من مرض الزهري القاتل.
جرّب يوليوس العلاج على المرضى، وفوجئ باستجابتهم القوية لهذا العلاج العجيب وفي وقت سريع.
على الرغم من أن هذا العلاج لم يستمر وقتاً طويلاً، بعد أن بدا أن الاعتماد على المضاد الحيوي المكتشف حديثاً في هذا التوقيت، والمعروف باسم البنسلين، يعد خياراً أكثر أماناً للمرضى، إلا أن هذا الاكتشاف كان له دور كبير في إنقاذ حياة كثيرين.
ويليام كولي.. العلاج المناعي للسرطان
أشارت الأبحاث والدراسات إلى نجاح العلاج المناعي للسرطان الذي بدأ يتطور بشكل كبير في الوقت الحالي.
عُرف العلاج المناعي للسرطان منذ عام 1890 في مدينة نيويورك، بعد أن استخدم الجرّاح الأمريكي ويليام كولي سُمَّ أحد أنواع البكتيريا لحقنها في أجسام أشخاص مصابين بالسرطان.
وُجد أن "السموم المصنَّعة" استطاعت أن تحفز الجهاز المناعي وتقتل الخلايا السرطانية إلى جانب البكتيريا المَرَضية.
لاحظ كولي أن المرضى الذين يصابون بالأمراض البكتيرية في أثناء الشفاء من العمليات الجراحية للسرطان، كانوا في كثير من الأحيان أفضل حالاً من المرضى غير المصابين.
ظن أن العدوى البكتيرية عززت نظام المناعة لدى المريض. لذا، بدأ حقن البكتيريا الحية لمرضى السرطان.
تحوّل بعد ذلك إلى استخدام البكتيريا الميتة، بالنظر إلى أن البكتيريا الحية يمكن أن تسبب التهابات مميتة.
طوَّر الدكتور كولي تركيبة من البكتيريا الميتة، واسماها سموم كولي coley toxin.
كان يعطي هذه التركيبة عن طريق الحقن، حتى تؤدي إلى الحمى التي تسهم في القضاء على الخلايا السرطانية.
لم يتفق العلماء على الكيفية التي تسير بها العملية.
يعتقد البعض أن البكتيريا المحقونة تقوي جهاز المناعة ضد الخلايا السرطانية.
بينما يعتقد البعض الآخر أن البكتيريا تشجع فعلياً على إنتاج بروتين يُسمى إنترلوكين 12 (IL12) أو بروتينات عامل نخر الورم (TNF) الذي يحارب الخلايا السرطانية.
تعتقد مجموعة أخرى أن الحمى الشديدة هي التي تقتل الخلايا السرطانية.
ومع ذلك، فإن علاج كولي للسموم كانت له نتائج مختلطة؛ إذ نجح مع بعض المرضى وفشل مع آخرين.
كان العلاج يُستخدم على نطاق واسع حتى أوائل خمسينيات القرن الماضي، عندما تم استبداله بالعلاج الكيميائي.
البكتيريا المفترسة تعالج عدوى الشيغيلا
البكتيريا المفترسة هي تلك التي تهاجم وتأكل الكائنات الحية الدقيقة الأخرى. تعمل البكتيريا المفترسة عن طريق مهاجمة وكسر جدران خلايا بكتيريا العدو.
يستخدم العلماء بالفعل البكتيريا المفترسة لعلاج الالتهابات البكتيرية الأخرى، خاصة البكتيريا الخبيثة التي أصبحت تكوّن مناعة ضد المضادات الحيوية العادية.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن العلماء بجامعة إمبريال كوليدج في لندن وجامعة نوتنغهام استخدموا بكتيريا Bdellovibrio bacteriovorus المفترسة لقتل شيغيلا، وهي جنس قاتل من البكتيريا التي تسبب التسمم الغذائي وتقتل أكثر من مليون شخص سنوياً.
قلّت أعداد بكتيريا شيغيلا بمقدار 4000 مرة بعد التعرض للبكتيريا المفترسة في المختبر، ويخطط العلماء لاختبار البكتيريا B. bacteriovorus على البكتيريا البشرية الفتاكة الأخرى، وضمن ذلك السالمونيلا وE. coli.
فيروس مارابا Maraba لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية
أدرك العلماء أن فيروس Maraba (المعروف أيضاً باسم فيروس MG1) يهاجم الخلايا السرطانية ويدمرها.
ومع ذلك، فقد اكتشف العلماء في مستشفى أوتاوا الجامعي أن فيروس المارابا يهاجم ويدمر الخلايا المصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أيضاً.
يعمل فيروس نقص المناعة البشرية عن طريق إصابة خلايا الجهاز المناعي. ومع ذلك، فإن بعض الخلايا المصابة بفيروس نقص المناعة البشرية تصبح في حالة سكون بعد مرور بعض الوقت، في حين تستمر الخلايا الأخرى في التكاثر.
يعطي الأطباء، في كثير من الأحيان، الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية، لقمع فيروس نقص المناعة البشرية.
ومع ذلك، فإن الأدوية لا تعمل إلا على الخلايا النشطة المصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وليس لها أي تأثير على الخلايا الساكنة.
تبدأ الخلايا النائمة في العمل، فتتكاثر بسرعة عندما يتوقف المريض عن تناول الأدوية المضادة للفيروسات.
أثبتت الاختبارات المعملية أن فيروس Maraba يمكن أن يستهدف ويدمر هذا النوع من الخلايا، التي لا يمكن أن تصل إليها العلاجات المضادة للفيروسات.
لكن الإجراء غير حاسم حتى الآن، لأن الاختبارات أُجريت فقط في المختبر، ولم يتم اختبار هذه الطريقة على الحيوانات أو البشر.
فيروس شلل الأطفال لعلاج الورم الدبقي
كان فيروس شلل الأطفال من أكثر الأمراض فتكاً في العالم، لكنه لحسن الحظ على وشك الانقراض اليوم.
وبصورة مثيرة للاهتمام، يطور العلماء طريقة لاستخدام هذا المرض المميت سابقاً لعلاج الورم الدبقي؛ وهو نوع من الأورام المميتة يحدث في الدماغ والحبل الشوكي.
يتم علاج الورم الدبقي بالجراحة والإشعاع والعلاج الكيميائي.
مع ذلك، فإنه غالباً ما يعود ويقتل المريض في غضون عام تقريباً.
قام الباحثون من معهد ديوك للسرطان في نورث كارولينا بتعديل وراثي لفيروس شلل الأطفال لإنشاء فيروس جديد يسمى PVSRIPO، والذي يتم حقنه مباشرة في أورام المخ التي يسببها مرض الورم الدبقي.
أشارت تجربة سريرية أُجريت على 61 مريضاً، إلى أن معدل البقاء على قيد الحياة وصل إلى 21% بعد العلاج بواسطة فيروس شلل الأطفال، مع الأخذ بالاعتبار أن معدل بقاء المرضى الذين يتلقون العلاجات العادية لا يتجاوز 4%.