مع تلويح الولايات المتحدة باللجوء للخيار العسكري في فنزويلا لإزاحة نظام الرئيس نيكولاس مادورو المدعوم روسياً عقب فشل محاولة الانقلاب، تتبادر إلى الذهن أسئلة من قبيل هل يقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التدخل العسكري فعلاً؟ وماذا سيكون رد الفعل الروسي؟ وهل تتكرر أزمة الصواريخ الكوبية في الستينيات؟ وما علاقة ليبيا وسوريا بالمواجهة المحتملة في فنزويلا؟
هل يتحول التهديد لعمل عسكري؟
محتمل بالطبع، وقد لوَّح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو باللجوء فعلياً إلى الخيار العسكري في مقابلة تلفزيونية، الأربعاء 1 مايو/أيار 2019، وبأن الولايات المتحدة على استعداد للقيام بعمل عسكري لوقف الاضطرابات في فنزويلا، التي تشهد منذ أشهر صراعاً بين الحكومة والمعارضة حول السلطة.
وأضاف بومبيو في مقابلة مع شبكة فوكس بيزنس أن "العمل العسكري وارد. هذا ما ستفعله الولايات المتحدة إذا اقتضت الضرورة".
ما هو رد الفعل الروسي؟
بومبيو كان قد أعلن أن مادورو كان على وشك الهروب من فنزويلا لكن روسيا أقنعته بالبقاء، لكن نظيره الروسي سيرغي لافروف رد بشكل مباشر وفي محادثة هاتفية بينهما الأربعاء اتهمت موسكو واشنطن بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع في فنزويلا في "خرق فاضح للقانون الدولي"، بحسب بيان الخارجية الروسية بشأن المكالمة.
لافروف حذر بومبيو أن استمرار واشنطن في اتخاذ تلك الإجراءات العدائية ستكون له "عواقب وخيمة".
عودة لأساليب الحرب الباردة؟
اللهجة الروسية الحادة تعيد للذاكرة الأزمة الأشهر في تاريخ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والمعروفة باسم أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي، حينما وضعت موسكو صواريخ تحمل رؤوساً نووية في كوبا وكادت الحرب الباردة تتحول إلى حرب نووية لكن تم حل الأزمة في اللحظة الأخيرة.
لابد هنا من ذكر أن ترامب غرد بعد فشل محاولة الانقلاب الثلاثاء 30 أبريل\نيسان بتوجيه تهديد صريح لكوبا متهماً إياها بإرسال قوات عسكرية لحماية مادورو.
لكن الظروف الآن مختلفة تماماً عن الستينيات، فما هي أسباب تصعيد اليوم بين واشنطن وموسكو؟
دوافع موسكو مالية؟
أول أسباب الموقف الروسي المتشدد يكمن في مليارات الدولارات التي قدمتها موسكو لحكومة مادورو على مدار العقد الماضي، والخشية من ضياع كل تلك الأموال حال نجحت واشنطن في تمكين نظام موالٍ لها.
لافروف حذر بومبيو أن استمرار واشنطن في اتخاذ تلك الإجراءات العدائية ستكون له "عواقب وخيمة".
روسيا تمتلك الآن حصة كبيرة في أصول النفط الفنزويلية تتمثل في نصف أسهم شركة سيتجو التي اشترتها شركة روسفينت الحكومية الروسية مقابل نحو 1.5 مليار دولار، بحسب تقرير واشنطن بوست، إضافة لنحو 20 مليار دولار أخرى في صورة استثمارات لروسفينت في مشاريع الطاقة في فنزويلا، طبيعي أن يشعر الروس بالقلق من خسارة تلك الأموال والاستثمارات إذا ما تم إسقاط النظام الحالي الصديق لموسكو وجاء نظام يدين بالولاء لواشنطن، بحسب ماثيو روجانسكي مدير معهد أبحاث مركز ويلسون للشؤون الروسية.
بعض المراقبين يرون أن القروض الروسية ربما لا يتم سدادها لو تغير النظام على أساس أن الجمعية الوطنية (البرلمان) المعارضة لمادورو لم توافق عليها، بحسب ما قاله موزيس ريندون الباحث في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية لبرامج الأمريكتين لواشنطن بوست.
ما دخل كوبا إذن؟
جزء كبير من استعداد ترامب وإدارته التدخل عسكرياً في فنزويلا هو وجود نظام اشتراكي في كوبا يدعم الرئيس الفنزويلي، ورغم تحسن العلاقات بين واشنطن وهافانا أثناء إدارة باراك أوباما ورفع العقوبات، تغير الحال تماما مع مجيء ترامب الذي أعاد العقوبات مما أعاد التقارب الكوبي الروسي وأصبحت الأمور أقرب لأجواء الحرب الباردة، بحسب تقرير لرويترز في بدايات رئاسة ترامب.
ترامب إذن يريد القضاء على بقايا الوجود الروسي في باحته الخلفية (إشارة إلى دول أمريكا الجنوبية)، وبالتالي يضع الخيار العسكري في فنزويلا على الطاولة، فهل يعني هذا أن التاريخ يعيد نفسه؟
هذه النقطة تحديداً تضيف سبباً جوهرياً آخر لموسكو كي لا تترك نظام مادورو فريسة أمام إدارة ترامب، لأن سقوطه سيعني أن حليفاً آخر وهو النظام في كوبا سيكون الفريسة التالية.
ما علاقة ليبيا وسوريا بالموقف الروسي؟
عندما اندلعت الثورة في ليبيا ضد حكم معمر القذافي تدخل الاتحاد الأوروبي والناتو بقرار أممي وافقت عليه روسيا بغرض حماية المدنيين لكن في أيام معدودة تم إسقاط نظام القذافي الذي قتل ووجدت روسيا نفسها في موقف المتفرج بينما تتقاسم أو تتنازع أوروبا وأمريكا النفط الليبي.
هذا الدرس الذي تعلمته موسكو ظهر جلياً في الموقف الروسي من نظام بشار الأسد في سوريا، حيث الدعم المطلق عسكرياً ودبلوماسياً.
يأتي في هذا السياق تفسير الموقف الروسي من نظام مادورو في فنزويلا، وليس من قبيل المصادفة في هذه النقطة تصريح المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا رداً على ما قالته إدارة ترامب من أن مادورو كان على وشك الهروب، حيث علقت بشكل ساخر قائلة "إن هروب مادورو يشبه تماماً هروب (بشار) الأسد".
"الموقف الرسمي الروسي مقتنع تماماً أن واشنطن تستخدم قوتها لتغيير الأنظمة حول العالم واستبدالها بأنظمة تدين لها بالولاء وإن عاجلاً أو آجلاً سيحين الدور على موسكو، وبالتالي هم يعارضون أي تغيير لنظام مادورو ليس فقط لأن واشنطن تؤيد تغييره ولكن أيضاً لأن نجاح الولايات المتحدة سيشجعها على تكرار ذلك في أماكن أخرى أقرب لروسيا وربما روسيا نفسها،" بحسب روجانسكي.
وأضاف أن النموذج السوري المتمثل في التزام عسكري محدود ودبلوماسية صارمة نجحت من خلاله موسكو ليس فقط في منع تغيير النظام ولكن أيضاً أعطاها نفوذاً هائلاً لدى النظام داخلياً، وبالتالي موسكو الآن ستطبق ذلك النموذج في فنزويلا على الأرجح.
النقطة الأخيرة هنا هي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد من التدخل في فنزويلا أن يضع شوكة في خاصرة واشنطن عن طريق التواجد في باحتها الخلفية كرد فعل لما قامت به من التدخل في شؤون أوكرانيا وجورجيا على الحدود الروسية، بحسب أندريه كيندال تايلور مدير مركز الأمن الأمريكي الجديد للأبحاث.