ما شهدته فنزويلا، الثلاثاء 30 أبريل/نيسان 2019، من محاولة انقلاب على الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو جاء بتحريض مباشر وعلني من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو تطور نوعي في قرارات الرجل، حيث بات دعم الحكم الاستبدادي ضد إرادة الشعوب وضد القانون الدولي، هو العنوان الأبرز لإدارة ترامب.
كيف بدأت محاولة الانقلاب؟
نشر خوان غوايدو رئيس الجمعية الوطنية الذي نصب نفسه رئيساً، في يناير/كانون الثاني الماضي، مقطع فيديو موجّهاً إلى الشعب، وهو محاط بعدد من العسكريين أمام قاعدة عسكرية في العاصمة كاراكاس، وبجواره المعارض ليوبولدو لوبيز، الذي كان رهن الإقامة الجبرية وحرَّره أنصار غوايدو كوسيلة لدعم الشارع، وأعلن غوايدو رجل ترامب في فنزويلا بدء "المرحلة الأخيرة من تحرير فنزويلا" بدعم القوات المسلحة، وطالب الشعب الفنزويلي بالانضمام للمسيرة الحاسمة باتجاه القصر الجمهوري.
التقارير الواردة من كاراكاس أشارت أن غوايدو ولوبيز كانا محاطين بنحو 70 فرداً فقط عند بث الفيديو، بحسب رويترز، رغم أن غوايدو أطلق على المسيرة "أنها ستكون الأكبر في تاريخ فنزويلا على الإطلاق".
نترك غوايدو ولوبيز وأنصارهما مدنيين وعسكريين انتظاراً لاكتمال حشد الملايين، وننتقل إلى البيت الأبيض في نفس التوقيت، لنعرف كيف كانت الصورة.
نائب ترامب مايك بنس غرد قائلاً: "إلى خوان غوايدو والجمعية الوطنية وكل محبي الحرية الذين يملأون شوارع فنزويلا اليوم، نحن معكم! أمريكا ستقف معكم حتى استعادة الحرية والديمقراطية! فنزويلا حرة!"
وزير الخارجية مايك بومبيو أعلن دعمه لتحرك غوايدو عبر تويتر، في تغريدة حملت صورة غوايدو، محذراً من تعرّضه لأي أذى، ومطالباً الشعب الفنزويلي والجيش بدعمه وإزاحة مادورو، الذي سماه بومبيو بالرئيس غير الشرعي.
الرسالة نفسها، ولكن بألفاظ أكثر حدة ووضوح أعلنها مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون.
ماذا حدث على مدار اليوم؟
وقعت اشتباكات وتسارعت الأخبار وتنوعت ما بين "حرب شوارع في كاراكاس"، إلى "سقوط قتلى وجرحى" حتى نهاية اليوم، والنتيجة هروب لوبيز وزوجته وابنته واللجوء إلى سفارة شيلي، واختفاء غوايدو، وإعلان وزير الدفاع إحباط محاولة الانقلاب التي حرَّض عليها ترامب.
حيث أعلن وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو، أنه تمَّت السيطرة على محاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد، مضيفاً في تصريحات متلفزة نقلتها عنها وكالة أنباء بلومبرغ: "لقد فشلت محاولة الانقلاب، وأبدى الجيش استجابة فورية تجاه المؤامرة".
أي أنه لم تحدث مسيرات شعبية ضخمة، ولم ينقلب الجيش على مادورو وحتى العنف وحرب الشوارع اتَّضح أنها كانت مبالغات إعلامية، أو كما سماها بادرينو "أخباراً كاذبة"، حيث سقط قتيل واحد وأصيب نحو 20 شخصاً.
ترامب يتوعَّد كوبا
ترامب ظهر عبر تويتر بعد الفشل الذريع للانقلاب، الذي حرَّض عليه، موجهاً تهديداته لكوبا!
"لو لم تتوقف القوات والميليشيات الكوبية فوراً عن عملياتها العسكرية وغير العسكرية التي تهدف لموت وتدمير الدستور الفنزويلي سوف أفرض فوراً حصاراً كاملاً وعقوبات مدمرة على تلك الجزيرة!"
2
كما خرج بومبيو مردداً أنَّ مادورو كان على وشك مغادرة البلاد، لكن موسكو أقنعته بالبقاء وساعدته على التمسك بالسلطة، وهو ما نفاه مادورو نفسه عبر التلفزيون في فنزويلا، وأعلن إحباط محاولة الانقلاب الأمريكية.
ترامب صديق الانقلابيين
الواقع أن موقف ترامب، رغم أنه يناقض تماماً كلَّ الأعراف والمواثيق الدولية، وكذلك ثوابت السياسة الأمريكية، فإنه يتسق تماماً مع توجهاته في دعم الأنظمة العسكرية والديكتاتورية، وخصوصاً ما رأيناه منه هنا في المنطقة العربية.
يأتي في هذا السياق سعيه لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في مصر كجماعة إرهابية بناء على طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، رغم عدم وجود أي مبرر أو سند قانوني ومعارضة وزارة الدفاع ومسؤولي الأمن القومي باستثناء جون بولتون ووزير الخارجية بومبيو لتوجه ترامب.
بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز السيسي طلب ذلك من ترامب أثناء زيارة الأول للبيت الأبيض قبل أسابيع، ولكن مثل هذه الخطوة ستكون لها تداعيات كبيرة إن تمت، نظراً لعدم وجود أي دليل على تورط الإخوان كجماعة في العنف أو الإرهاب، وكذلك لعلاقات الجماعة الدولية ووضعها السياسي في مصر كأكبر حزب برز من رحم ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، واكتسحت الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل أن تنقلب المؤسسة العسكرية بقيادة السيسي، وتستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والإعلام للتحريض على الرئيس المنتخب، ومن ثم الاستيلاء على السلطة في انقلاب عسكري عام 2013.
حفتر حلقة أخرى في السلسلة
المثال الآخر الصارخ على تلك القرارات غير المسؤولة لترامب نراه في دعمه المفاجئ وغير المبرر للواء الليبي المنشق خليفة حفتر قائد ما يعرف باسم الجيش الوطني الليبي، الذي يشنَّ هجوماً عسكرياً على العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
ترامب أجرى مكالمة هاتفية مع حفتر، وأصدر البيت الأبيض بياناً بعدها بأربعة أيام، أشار فيه "للمشير حفتر، وكيف أنه وترامب ناقشا مستقبل ليبيا معاً"، وكأن حفتر الخارج على القانون الدولي أصبح بالنسبة لترامب رئيس ليبيا، وهو ما أصاب الكثيرين داخل الإدارة الأمريكية نفسها بالحيرة والارتباك.
إن ما اتخذه ترامب من قرارات حتى الآن وتغييرات جذرية في ثوابت السياسة الأمريكية، وعدم اكتراثه التام بصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى تحترم الحريات وحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية يعد أحد الأسباب الرئيسية وراء الفوضى التي يشهدها العالم وسقوط الأبرياء ضحايا لأنظمة ديكتاتورية، تشجعت بوجوده وتحركت لدهس معارضيها دون قلق من مساءلة أو احترام لقانون.