ارتفاع أسعار النفط قد يكون مضراً بالسعودية، وتوجُّه المملكة لمنع زيادة الأسعار ليست نابعاً فقط من رغبتها في إرضاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو النكاية في إيران، بل ربما تكون هناك مصلحة سعودية وراء ذلك.
فقد تبين أن ميزانية المملكة قد تكون قادرة على تحمل أسعار أقل من التوقعات الطموحة التي تحدث عنها صندوق النقد الدولي، حسبما ورد في تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
مزاعم صندوق النقد غير دقيقة
التقرير وجَّه انتقادات لاذعة إلى تقديرات صندوق النقد الدولي بشأن أسعار النفط التي تحتاجها السعودية.
وقال التقرير: "خرج صندوق النقد الدولي مرة أخرى بمزاعم غريبة وغير دقيقة، مفادها أن المملكة العربية السعودية بحاجة، بل بحاجة ماسَّة، للدفع لرفع سعر النفط لتمويل حكومتها".
ويزعم صندوق النقد هذه المرة أن السعودية بحاجة إلى أن يصل سعر خام برنت إلى 85 دولاراً على الأقل للبرميل.
وتكمن مشكلة هذا الزعم في أنه يعني أن على السعودية العمل لزيادة أسعار النفط. لكن ذلك ليس صحيحاً، ولا تعتمد السعودية في سياستها النفطية على سعر برميل النفط لتحقيق التعادل في الموازنة، حسب تقرير مجلة Forbes.
ويبلغ سعر خام برنت حاليا في الأسواق العالمية نحو 71.6 دولار.
لماذا تستطيع السعودية تجاوز انخفاض أسعار النفط؟
توقع صندوق النقد في سبتمبر/أيلول الماضي أن تحتاج السعودية أن يصل سعر برميل النفط إلى 73 دولاراً.
وفي خريف عام 2017، أوضَّحتُ الأخطاء في منطق صندوق النقد الدولي عندما زعم أن السعودية تحتاج أن يصل سعر برميل النفط إلى 70 دولاراً لضبط ميزانيتها.
تقول كاتبة التقرير إلين والد إنها أوضحت من ضمن التصورات الخاطئة التي نجمت عنها حسابات صندوق النقد الدولي، ما يلي:
- إيرادات شركة أرامكو النفطية الحكومية السعودية وإيرادات السعودية من شركة أرامكو ليست متبادلة (أي أنه ليس بالضروري عندما تنخفض إيرادات الشركة أن تتراجع إيرادات الحكومة).
- بدا أن توقعات صندوق النقد الدولي لعام 2017 أهملت معدل الضريبة المفروضة على أرامكو.
- تتمتع أرامكو بأقل تكلفة للإنتاج.
- كان لدى السعودية ولا يزال احتياطي نقدي كبير.
- تحاول الحكومة السعودية تقليص المبالغ التي تنفقها على الرعاية الاجتماعية.
- يمكن للسعودية أن تحصل بسهولة على قروض مُيسرة.
- لا يلحق العجز المالي ضرراً بالسعودية، خاصة عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة نسبياً.
- كانت السعودية في الماضي تسعى للحفاظ على الأسعار المعقولة للنفط بدلاً من التركيز زيادة أسعاره؛ لأن ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى ركود عالمي يؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب على النفط.
والآن عرفنا أسرار النفط السعودية
تقول الكاتبة : وازدادت معرفتنا الآن بإيرادات النفط السعودي وطريقة تحديدها، إذ علمنا أسرار مالية كثيرة للمملكة والشركة عندما أصدرت أرامكو نشرة للاكتتاب العام في بداية شهر أبريل/نيسان.
ومن بينها، علمنا أن الحكومة تموّل حوالي 63% من ميزانيتها من أرامكو من خلال ضريبة الدخل (بنسبة 50%)، رسوم الامتياز (بمعدل هامشي) وحصّة الأرباح. وتعتمد رسوم الامتياز على كمية النفط المُنتَجة وسعر برنت.
وتتأثر ضريبة الدخل إلى حد كبير بسعر النفط أيضاً. أما حصة الأرباح فهي تتغير كل ثلاثة أشهر.
تُستخدم حصة الأرباح التي تخضع لمراجعة الحكومة كل ثلاثة أشهر بصفة رئيسية في تغطية احتياجات الحكومة بعد حصولها على ضرائب الدخل ورسوم الامتياز المفروضة على أرامكو ومصادر إيراداتها الأخرى.
خطأ في الحسابات يخلق فائضاً مالياً في الميزانية السعودية
في الربع الأول من عام 2019، أخطأت الحكومة في تقدير مبلغ حصة الأرباح الذي تحتاجه وأخذت أموالاً كثيرة من أرامكو.
وأدى ذلك إلى فائض في الميزانية قدره 7.41 مليار دولار في الربع الأول من عام 2019، مع أن أسعار النفط كانت تتراوح بين 54 دولاراً و69 دولاراً للبرميل.
ومن الواضح أن الحكومة السعودية لم تكن بحاجة إلى رفع سعر النفط إلى 85 دولاراً في الربع الأول.
لماذا تتحفظ السعودية أحياناً على رفع أسعار النفط؟
أحد الأسباب التي تجعل السعودية متحفظة في رفع أسعار النفط هو أن منتجي النفط الصخري الأمريكي قد يستفيدون من ذلك، حيث يصبح إنتاجهم أكثر تنافسية مع ارتفاع الأسعار. وبالتالي فإن حصة الرياض في أسواق الخام العالمية قد تتآكل أكثر.
وفي أواخر مارس/آذار الماضي، نقلت رويترز عن مصدر صناعي مطلع على سياسة النفط السعودية "السعوديون يريدون النفط بسعر 70 دولاراً على الأقل ولا يشعرون بالقلق إزاء الكثير من النفط الصخري".
وقال جاري روس، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك جولد إنفستورس ومراقب مخضرم في أوبك: "في ظل احتياجات الميزانية التي تتجاوز 85 دولاراً للبرميل، يحتاج السعوديون بشدة إلى أسعار تتجاوز 70 دولاراً للبرميل".
ارتفاع أسعار النفط قد يكون مُضراً بالسعودية، قد تخسر عرشها للأبد
"السعوديون بحاجة أيضاً إلى إقناع روسيا بأن استراتيجية خفض الإنتاج أمر منطقي على الرغم من فقدان حصتها في السوق للولايات المتحدة"، حسبما يقول جاري روس.
تنتج الولايات المتحدة وروسيا 12 مليوناً و11 مليون برميل يومياً على التوالي. على عكس روسيا، تضخ الولايات المتحدة على الإرادة عبر قطاع الطاقة التجارية، بقيادة الصخر الزيتي. تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يرتفع إنتاجها بأربعة ملايين برميل يومياً في السنوات الخمس المقبلة.
من المرجح أن تتجاوز هذه الزيادات نمو الطلب العالمي وتمنح واشنطن حصة أكبر من السوق العالمية، ما يجعلها أكبر مصدر من المملكة العربية السعودية.