منذ أن لقي أكثر من 230 شخصاً حتفهم في هجماتٍ إرهابية منسَّقة التوقيت في سريلانكا يوم أحد عيد الفصح، 21 أبريل/نيسان، انتشر آلافٌ من عناصر قوات الأمن عبر البلاد في عمليةٍ مهولة الغرض منها إحباط أي تهديدٍ قائم بحدوث هجمةٍ أخرى.
وفي وقتٍ متأخر من يوم الجمعة، 26 أبريل/نيسان، قُتِل 15 شخصاً على الأقل، ومن بينهم ستة أطفال، في تفجيراتٍ ومعركةٍ بالأسلحة النارية في بلدة سينتاماروتو، حيث كانت تختبئ مجموعة على صلة بتفجيرات عيد الفصح بحسب إفادة الشرطة.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، قُبِض على عشرات المتهمين، ومن بينهم تاجر بهاراتٍ ثري يُزعَم أنَّ ابنيه وزوجة ابنه كانوا بين المفجِّرين الانتحاريين منفذي الهجمات.
وفي يوم الجمعة، 26 أبريل/نيسان، قال الرئيس السريلانكي مايتريبالا سيريسينا إنَّ المسؤولين سيعيدون هيكلة قوات الأمن السريلانكية في محاولةٍ لتقديم حماية أفضل للمدنيين، معلناً أنَّ "هذه الفجيعة هي نتيجة فشلٍ استخباراتي هائل".
استقال وزير دفاع البلاد وقائد قوَّات الشرطة بدورهما هذا الأسبوع. وقال سيريسينا إنَّهما كانا قد أُخطِرا بحدوث الهجمات مسبقاً لكنَّهما "لم يقولا ولا كلمة عن رسالة التحذير تِلك". وقال: "كانت تلك سقطةً خطيرة من جانبهم وتهرُّباً من المسؤولية".
هل كان يمكن منع الكارثة قبل وقوعها؟
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، وراء كُل هذه التطورات يكمن سؤالٌ واحدٌ مُلِح: هل كان يمكن منع حدوث المذبحة قبل وقوعها؟
إنَّ هذا سؤالٌ يُصارعه مسؤولو الاستخبارات حول العالم في أعقاب كل هجومٍ إرهابي فتَّاك، بدءاً من أحداث 11 سبتمبر/أيلول، ومروراً بهجمات باريس، وتفجير حلبة مانشستر أرينا، وإلى ما تلاها.
وقال رافاييلو بانتوتشي، مدير دراسات الأمن الدولي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن في لندن: "أيُّ هجومٍ إرهابي هو بالتعريف فشلٌ استخباراتي. إذ إنَّ مهمَّة الاستخبارات هي المراقبة المستمرَّة لمثل هذه المشكلات ومنع حدوثها".
لكن خبراء يقول إنَّه من الأسهل كثيراً إدراك أية معلوماتٍ كانت حيوية ومعرفة أنَّه كان على قوات الأمن الأخذ بها بأثرٍ رجعي. والحقيقة أنَّه يوماً بيوم، ربما يغمر المسؤولين "سيلٌ" من التبليغات والتحذيرات، وهذا ما يقوله سيث جونز، وهو خبيرٌ بدراسة الإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي.
وقال جونز إنَّه قد يكون من الصعب تفرِقة "ما هو شديد الأهمية عمَّا هو ليس كذلك.. يقترف البشر الأخطاء".
ثغرات استخباراتية
إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول، أسَّست الولايات المتحدة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في محاولةٍ لسدَّ الثغرات الاستخباراتية وضمان خضوع المعلومات الواردة للتحليل اللازم. وفي عام 2016، بعد مرور أشهر على الهجمات الإرهابية الفتَّاكة التي هزَّت باريس، حثَّ المشرِّعون في فرنسا على إقرار حلٍّ مشابه، مقدِّمين اقتراحاتٍ بأن يدمِج قادة البلاد الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية ببعضها لضمان فرض رقابةٍ أوثَق على أي إرهابيين محتملين.
وفي العام الماضي، قرَّر المشرعون البريطانيون أنَّ الاستخبارات البريطانية فشلت في إدراك مدى خطورة سلمان عبيدي، وهو المفجِّر الذي قتل 22 شخصاً في حفلةٍ للمغنية أريانا غراندي. وقال المشرِّعون آنذاك: "نتيجةً لهذا الفشل، أُغفِلَت فرصٌ محتملة لمنع حدوث التفجير".
قال بانتوتشي إنَّه لا شكَّ إذاً أنَّ هجمات سريلانكا كانت أيضاً فشلاً استخباراتياً. لكنَّه أشار كذلك إلى أنها علامةٌ إيجابية أن كان المسؤولين على درايةٍ على الأقل بالجماعة المحلية، وهي جماعة التوحيد الوطنية، التي تقول السلطات إنَّها مّن نفَّذ الهجمات.
وتشير سُرعة السلطات في اعتقال عددٍ من المتهمين لأنَّهم كانوا يراقبون بالفعل بعض المشتبه بهم قبل وقوع الهجمات. كذلك أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن مسؤوليته عن الهجمات، لكن ليس واضحاً كلياً بعد طبيعة الدور الذي لعبه داعش في تنفيذ الهجمات.
وقال بانتوتشي: "كان الوضع ليكون أسوأ إذا ما شنَّ أحدهم هجوماً إرهابياً وكنَّا نحن لا نعرفه ولم نسمع يوماً بجماعته، عندها يتوجَّب السؤال عمَّا تفعله أجهزة الأمن وماهية دورها".
الهند نقلت لسريلانكا إنذارات والأخيرة تجاهلتها
ومع ذلك، ما زالت التفاصيل غامضة حول قدر المعلومات كان بحوزة المسؤولين. إذ وردت تقاريرٌ عدة مفادها أنَّ الهند نقلت لسريلانكا إنذاراتٍ استخباراتية محدَّدة عن تِلك الهجمات قبل وقوعها بأسابيع وأنَّ المسؤولين لم يتحرَّكوا على إثرها. لا نعرف بعد ما إن كان ذلك نتيجةً للشك أم خللاً في كفائتهم أم غير ذلك من العقبات.
وقال جونز: "أحياناً ما يكون بحوزتنا اسمٌ لشخصٍ موضع شبهة ومخاوفٌ بشأن ذلك الشخص واحتمال وقوع هجومٍ إرهابي لكن لا موعد محدَّد. الأمر المفاجئ في هجمات سريلانكا تحديداً هو أنَّه يبدو أن توفَّر قدرٌ كبير من المعلومات مسبقاً".
وفيما ألقت السلطات القبض على الأشخاص المزعوم صلتهم بالهجمات الإرهابية، سيتحتَّم عليهم كذلك الخوض في مستوياتٍ جديدة من المعلومات ليعرفوا كيف حدث الهجوم، وكيف يمكن منع حدوث آخر.
وقال بانتوتشي: "إذا حدث ونجح هجومٌ إرهابي، هذا يعني أنَّ شيئاً ما قد فاتك أن تلمحه، شيئاً شديد الأهمية. وإذا ما فاتك أمرٌ بتِلك الأهمية، ماذا قد يكون غيره قد فاتك؟".