حزب إسباني يعادي المسلمين يدخل البرلمان بأموال دولة عربية كبرى

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/29 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/29 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
حزب فوكس الإسباني المتطرف وصل البرلمان بفضل أموال ممنوحة من مسلمين/REUTERS

أموال مقدمة من مسلمين ساعدت اليمين المتطرف على دخول البرلمان الإسباني لأول مرة، فقد تبين أن تبرعات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لحزب فوكس الأسباني المتطرف الذي يجاهر بأن الإسلام هو العدو، ساعدته في تحقيق انتصاره الذي زلزل الساحة السياسية الإسبانية.

فقد دخل حزب فوكس الإسباني اليميني المتطرف إلى البرلمان للمرة الأولى في تاريخه بحصوله على 10,3% من الأصوات محرزاً بذلك 24 مقعداً وبذلك سيضم البرلمان الإسباني كتلة لحزب يميني متطرف لأول مرة منذ عقود.

تقرير نشرته مجلة Foreign Policy الأمريكية كتبه سهيل جانيسار باحث الدكتوراه بجامعة بومبيو فابرا الإسبانية والمساهم في قناة BBC Persian، ودارين لوسايديس الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشعبوية وسياسات الهُوية تتبع نشأة هذا الحزب وقصة التبرعات التي جاءته، من منظمة مجاهدي خلق، محاولاً معرفة إذا كانت المنظمة هي المتبرع فعلاً أم أنها مجرد واجهة لدولة لا تريد ربط اسمها باليمين المتطرف المعادي للإسلام.

ملابسات مريبة وراء تبرعات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لحزب فوكس الإسباني المتطرف

تبرعات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لحزب فوكس الأسباني المتطرف ليست عادية، فقد جاءت في لحظة فارقة في تاريخ الحزب مكنته من الإنطلاق في وقت كان حزباً هامشياً ضعيفاً.

ولكن قصة تبرعات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لحزب فوكس الإسباني قد تكون أكبر من مجرد أموال تأتي من منظمة سياسية ودينية غامضة إلى حزب يميني يقدم قراءة متطرفة للتاريخ.

إن الأمر قد يكون جزءاً من عملية دعم واسعة تنفذها دول عربية متنفذة لليمين المتطرف، دول غيرت بوصلة تبرعاتها من دعم التيارات الإسلامية المتطرفة إلى دعم اليمين الغربي المتطرف.

يحتفي بطرد المسلمين من الأندلس

دشَّن حزب "فوكس" المنتمي لتيار اليمين المتطرف في إسبانيا حملته لانتخابات 2019 هذا الشهر، أبريل/نيسان، في بلدة كوفادونغا الصغيرة. يُشار إلى كوفادونغا، الواقعة في وادٍ خصب في إقليم أستورياس شمال البلاد، أحياناً بأنَّها "مهد إسبانيا".

فوفقاً للرواية التاريخية للمحافِظين الإسبان، كانت كوفادونغا هي موقع أول انتصار لـ"هسبانيا" المسيحية على حكام إسبانيا المسلمين آنذاك، وبداية حروب الاسترداد "Reconquista"، وهي العملية التي استمرت 780 عاماً من أجل إعادة أراضي شبه الجزيرة الإيبيرية إلى العالم المسيحي وطرد المسلمين من الأندلس.

نحن أوقفنا الإسلام

وقال إيفان إسبينوزا دي لوس مونتيروس، نائب الأمين العام لحزب فوكس للعلاقات الدولية والمرشح في الانتخابات التي تجري اليوم 28 أبريل/نيسان، لمجلة Foreign Policy الأمريكية عبر الهاتف في طريقه مُتّجهاً إلى كوفادونغا: "أوروبا هي أوروبا التي عليها اليوم بفضل إسبانيا، بفضل إسهاماتنا منذ العصور الوسطى في وقف انتشار وتمدُّد الإسلام".

وأضاف زعيم الحزب سانتياغو أبسكال عند إطلاق الحملة الانتخابية للحزب: "التاريخ مهم، ولا ينبغي أن نخشى من ذلك"، ليُقابَل بصيحات: "عاشت إسبانيا!".

وفي حين كان تيار اليمين في إسبانيا في السابق مُقِلَّاً نسبياً في خطابه المعادي للمسلمين، مُفضِّلاً بدلاً من ذلك التنديد بالانفصاليين في إقليم كتالونيا والأقاليم الأخرى، لا يملك حزب فوكس مثل وخز الضمير هذا.

وحولنا الكاتدرائية إلى مسجد ولن نسمح بعودتها مجدداً

فكان واحد من أوائل الأمور المثيرة للجدل التي أثارها الحزب هو مقطع فيديو معادٍ للإسلام تماماً يُصوِّر مستقبلاً فرض فيه المسلمون الشريعة في جنوب إسبانيا، فحوَّلوا كاتدرائية قرطبة مجدداً إلى مسجد (كان المكان مسجداً قبل أن يتحول إلى كاتدرائية) وأجبروا النساء على ارتداء الحجاب. ومؤخراً، خضع الرجل الثاني في حزب فوكس، خافير أورتيغا سميث، للتحقيق من جانب النيابة العامة الإسبانية بسبب خطاب كراهية بعدما تحدَّث عن "غزوٍ إسلامي" يُمثل "العدو لأوروبا".

موقف محرج.. الحزب المعادي للمسلمين يحصل على تمويل إيراني

وبالنظر إلى رُهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) القوي لدى حزب فوكس، كان الموقف محرجاً للحزب حين ظهرت في يناير/كانون الثاني الماضي تقارير بشأن حصوله على تمويلٍ إيراني. كانت سياسات فوكس العنصرية والتي تتسم برُهاب المثليين جنسياً وغياب المساواة بين الجنسين قد وفَّرت بالفعل الكثير من الذخيرة التي يمكن أن يهاجمه بها منتقدوه والأحزاب المنافسة له.

 لكنَّ الادعاءات بأنَّ الحزب تأسَّس بمساعدةٍ من اموال إيرانية في عام 2013 لم يكن أمراً متوقعاً بنفس الدرجة.

مع ذلك، لم يحصل فوكس على تمويلٍ من إيران نفسها فعلاً. بل كانت الحقيقة أكثر إدهاشاً، حسب وصف تقرير المجلة الأمريكية.

مليون دولار من مجاهدي خلق

إذ تُظهِر الوثائق التي تسرَّبت لصحيفة El País الإسبانية أنَّ تبرُّعات بقيمة نحو مليون يورو (1.12 مليون دولار أمريكي) حصل عليها الحزب في الفترة بين تأسيسه في ديسمبر/كانون الأول 2013 وحتى انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو/أيار 2014.

 وقد جاءت هذه التبرعات عبر أنصارٍ للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو مجموعة إيرانية في المنفى.

وتأسس المجلس في الثمانينيات من جانب منظمة "مجاهدي خلق" وعددٍ من المعارضين الإيرانيين والمجموعات الإيرانية المعارضة. تخلَّى حلفاء مجاهدي خلق لاحقاً عن المجلس، الأمر الذي جعل المجلس من الناحية الوظيفية اسماً مستعاراً لمنظمة مجاهدي خلق.

والمجلس والمنظمة وجهان لعملة واحدة

يرفض المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق فكرة أنَّهما مرادفان لبعضهما، لكنَّ الكثيرين يختلفون مع ذلك.

ومن هؤلاء دانيال بنجامين، المنسق السابق لشؤون مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية، والذي يشير إلى المجلس باعتباره "منظمة واجِهة" لمنظمة مجاهدي خلق.

ويتشاطر المجلس ومنظمة مجاهدي خلق كذلك نفس القائدة، مريم رجوي. وتؤكد الحكومة الأمريكية وقرار لمحكمة الاستئناف الأمريكية أنَّ المجلس يُمثِّل اسماً مستعاراً منظمة مجاهدي خلق، في حين يشير تقرير أصدرته مؤسسة راند الأمريكية عام 2009 برعايةٍ من مكتب وزير الدفاع الأمريكي إلى المجلس باعتباره "فرعاً تابعاً لمنظمة مجاهدي خلق".

وهذه المنظمة الإسلامية الماركسية كانت مصنفة على لوائح الإرهاب الأمريكية والأوروبية

وتُوصَف منظمة مجاهدي خلق من جانب ساسة أمريكيين أمثال رودي جولياني ومستشار الأمن القومي الأمريكي الحالي جون بولتون باعتبارها مُعارَضة شرعية للحكومة الإيرانية الحالية. لكن يتصادف أيضاً أن تكون منظمة مجاهدي خلق منظمة إسلامية ماركسية سابقة لم تُحذَف من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية إلا في عام 2012، الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن الأسباب التي قد تجعل داعمي مجموعة كهذه يرغبون في دعم حزبٍ إسباني يمينيّ متشدد ومعادي للإسلام مثل حزب فوكس.

في إسبانيا، أُثِيرت ضجة كبيرة بشأن علاقات فوكس مع كبير المُخططين الاستراتيجيين السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستيف بانون، الذي التقى شخصيةً بارزة في الحزب في واشنطن العام الماضي وتعهَّد بالقيام بجولة في إسبانيا في القريبا لعاجل. لكنَّ نقاط التمويل الغامضة المرتبطة بمنظمة مجاهدي خلق تشير إلى علاقة أخرى مثيرة للجدل.   

والحزب يستطيع أن يلعب دوراً في تشكيل الحكومة

ومع الإعلان الأولي عن فوز حزب فوكس الإسباني المتطرف بأكثر من 10% من الأصوات في الانتخابات الإسبانية هذا الأسبوع، قد ينتهي المطاف بالحزب بدعم حكومةٍ يمينية جديدة، كما حدث في انتخابات الأقاليم في إقليم الأندلس جنوبي إسبانيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ومن شأن هذا أن يكون المرة الأولى التي تعتمد فيها حكومة إسبانية على حزبٍ يميني متطرف منذ الجنرال فرانسيسكو فرانكو، وقد يرسل هذا موجات صدمة عبر كامل النظام السياسي في إسبانيا.

ولذا يُعَد التساؤل بشأن تمويل فوكس أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى.

أصول هؤلاء المتبرعين الغريبة.. نشأة مجاهدي خلق في مواجهة الغرب

في عام 1953، أطاح انقلابٌ مدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا برئيس وزراء إيران المُنتَخب ديمقراطياً ودَعَمَ مَلَكية ديكتاتورية يقودها الشاه محمد رضا بهلوي. وأعقب ذلك موجات من القمع، تضمَّنت العشرات من الإعدامات، وآلاف السجناء، وخنق المجتمع المدني.

وفي ظل الفراغ السياسي الذي تلا ذلك، تعزَّزت العديد من المجموعات المتشددة. واحدة من تلك المجموعات كانت "مجاهدي خلق"، والتي جمعت بين الماركسية والإسلام السياسي. بدأت المنظمة محاربة الديكتاتورية المدعومة من الغرب، فشنَّت هجماتٍ على نظام الشاه وأهدافٍ أمريكية. وردَّ الشاه بالمثل، فعذَّب وأعدم قيادات المعارضة، بما في ذلك قيادات مجاهدي خلق.

الخميني رفض ترشح زعيمهم للرئاسة

وفي الأشهر التي سبقت الثورة الإسلامية عام 1979، أُطلِق سراح الآلاف من السجناء، بينهم الشخصية البارزة في منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي. كان رجوي خطيباً شاباً وكاريزمياً جدَّد حيوية المنظمة والتقى حتى مع آية الله روح الله الخميني، زعيم الثورة، على أمل الحصول على دعمه لمجاهدي خلق.

لكنَّ الخميني رفض. فحاول رجوي الترشُّح في أول انتخاباتٍ رئاسية على الإطلاق في إيران، لكنَّه قُوبِل برفض الخميني واضطر لمغادرة السباق. لم يكن الفائز بالانتخابات، أبو الحسن بني صدر، حليفاً للخميني كذلك. رأت منظمة مجاهدي خلق فرصة وتحالفت مع بني صدر.

فحاربوا أنصاره في الشوارع ثم انضموا لصدام حسين

في عام 1981، فرَّ رجوي وبني صدر معاً بعد تنحية وعزل بني صدر من منصبه بمباركةٍ من الخميني، وخسرت منظمة مجاهدي خلق معارك شوارع مميتة مع الموالين للخميني هدَّدت بالتحوُّل إلى حربٍ أهلية.

مسعود رجوي خلال لقائه بصدام حسين/wikipedia

كانت المنظمة الآن رسمياً عدوة للجمهورية الإسلامية، التي كانت تخوض آنذاك حرباً دموية مع العراق، لذا نظرت المنظمة إلى صدام حسين باعتباره حليفاً ممكناً.

وبدأ مجاهدو خلق مساعدة صدام في حربه ضد إيران.

وشاركوا في قمع الأكراد والشيعة

ومنذ تلك اللحظة، نُظِر إلى المنظمة على نطاقٍ واسع باعتبارها منبوذة من الجمهور الإيراني. ولاحقاً، أُفِيد بأنَّ مجاهدي خلق ساعدوا صدام في مذابحه ضد أكراد وشيعة العراق. وكما ذكر تقرير مؤسسة راند: "ينفي مسؤولو مجاهدي خلق بشدة أي تورُّطٍ في الفظائع التي ارتُكِبَت ضد الأكراد والشيعة. .

مع ذلك، فإنَّ مزاعم تواطؤ المنظمة مع صدام تُؤكِّدها التقارير الصحفية التي نقلت عن مريم رجوي تشجيعها لأعضاء مجاهدي خلق قائلةً: (ادهسوا الأكراد تحت دباباتكم، ووفِّروا رصاصكم للحرس الثوري الإيراني)، وكذلك توقيت تقليد صدام حسين لمسعود رجوي بوسام الرافدين، الذي يُعَد تكريماً رفيعاً في الجيش العراقي".

وفي المقابل، منح صدام منظمة مجاهدي خلق تمويلاً لا محدود تقريباً ومساحة من الأرض كي تبني المنظمة مدينة لها على بُعد نحو 60 ميلاً شمالي بغداد (96.5 كيلومتر تقريباً) و50 ميلاً (80.5 كيلومتر تقريباً) فقط من الحدود الإيرانية.   

وتحولوا إلى ما يشبه الطائفة الدينية عبر الطقوس الغريبة التي يمارسونها

وحين أطاح الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بصدام حسين، فقدت منظمة مجاهدي خلق أكبر حلفائها.

إذ باتت البلاد الآن محكومة من الأحزاب والأشخاص الذين ساعدت المنظمة في قمعهم، وأصدقاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والولايات المتحدة في ذروة حربها العالمية على الإرهاب والتي كانت قد صنَّفت مجاهدي خلق باعتبارهم منظمة إرهابية.

وعلاوة على ذلك، كانت منظمة مجاهدي خلق بحلول ذلك الوقت قد تحوَّلت إلى ما يشبه الطائفة الدينية، وذلك بحسب مزاعم أشخاص مختلفين غادروا المنظمة.

فحتى خبايا حياة أعضاء المنظمة الجنسية أصبح محتماً مشاركتها مع الآخرين

إذ أخبر حسن حيراني، وهو عضو سابق بالجناح السياسي في المنظمة وانشق عنها عام 2018، مجلة Foreign Policy بشأن طقوس وعادات المنظمة الروتينية المُصمَّمة لإخضاع نفس الفرد تماماً، بما في ذلك حياة الأعضاء الجنسية وأبسط هامش من التفكير الحر، فيما تفرض عبادة شبه دينية لقائد المنظمة مسعود رجوي. ودُفِعت النساء إلى التقيُّد بقواعد لباس صارمة.

وأُلزِم الأعضاء بتسجيل تفاصيل أنشطتهم اليومية وأفكارهم في دفاتر ملاحظات شخصية ثُمَّ مشاركتها في اجتماعات المنظمة، في ظل وجود خطر التعرُّض للوصم العام والعقوبات بحسب حيراني. ولم ترد المنظمة على طلباتٍ من أجل التعليق على هذا المقال، لكنَّ ممثليها نفوا مثل هذه الادعاءات في الماضي.

ولكن صقور بوش قرروا الاستفادة منهم ثم تم حذفهم من قوائم الإرهاب

وعلى الرغم من تحوُّل مجاهدي خلق من جماعة معارضة إلى منظمة مُصنَّفة إرهابية، قرَّر الصقور المتشددون في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أنَّ بالإمكان استخدام مجاهدي خلق في عمليتهم لإعادة رسم الشرق الأوسط. فبدلاً من اعتقال أعضاء المنظمة باعتبارهم إرهابيين، تلقَّى الجيش الأمريكي أثناء الاحتلال تعليماتٍ بالدفاع عن قاعدة مجاهدي خلق من هجماتٍ محتملة من القوات العراقية أو الميليشيات العراقية المختلفة أو القوات الموالية للحكومة الإيرانية.

وسرعان ما اغتنم مجاهدو خلق فرصة تغيُّر موقف واشنطن. فبدأت المنظمة حملة ضغطٍ (لوبي) مكثفة لإزالة نفسها من قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وانتهى المطاف بارتباط مجموعة واسعة من السياسيين والمسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين بتلك الجهود، بدءاً من جولياني وبولتون من يمين الطيف السياسي وحتى السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز ورئيس اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي السابق هوارد دين على يسار الطيف السياسي.

وفي أوروبا، تضمَّنت القائمة أليخو فيدال كوادراس، وهو الآن سياسي إسباني متقاعد، الذي كان من قبل أحد نواب الرئيس الأربعة عشر في البرلمان الأوروبي. وحذفت الحكومة الأمريكية أخيراً المنظمة من قائمة الإرهاب في عام 2012، في حين حذفها الاتحاد الاوروبي عام 2009.

التبرعات جاءت منذ اليوم الأول

واستمر الإسباني فيدال كوادراس في المساعدة في تأسيس حزب فوكس في أواخر عام 2013. ووفقاً لصحيفة El País، قدَّم أنصار المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية التمويل اللازم لإطلاق الحزب اليميني وخوض منافسات الانتخابات الأوروبية عام 2014.

وقال خواكين غيل، أحد صحفيي El País الذيين تحدثوا لأول مرة عن تمويل فوكس المرتبط بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية: "منذ يوم تأسيس الحزب في ديسمبر/كانون الأول 2013 –وهو اليوم نفسه الذي سُجِّل فيه كحزبٍ سياسي لدى وزارة الداخلية الإسبانية- بدأ فوكس تلقِّي تمويلاتٍ إيرانية".

وجاءت التبرعات من عشرات المصادر المنفردة من العديد من البلدان بينها الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا وكندا وإيطاليا بمبالغ تتراوح بين 60 يورو إلى 35 ألف يورو (من 67 دولاراً وحتى 39 ألف دولار تقريباً)، بلغ إجماليها نحو 972 ألف يورو (مليون و85 ألف دولار تقريباً)، في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2013 وحتى أبريل/نيسان 2014، أي قبل فترة قصيرة من إجراء انتخابات البرلمان الأوروبي.

العلاقة بين مجاهدي خلق وحزب فوكس تعود لليوم الأول لتأسيس الحزب المتطرف/REUTERS

ووفقاً لغيل، قال فيدال كوادراس إنَّه قد "طلب من الأصدقاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية… توجيه أتباعهم للقيام بسلسلة من التحويلات المالية".

وقال فيدال كوادراس لصحيفة El País الإسبانية إنَّه أبلغ القائد الحالي للحزب، أبسكال، بشأن علاقته مع منظمة مجاهدي خلق، وإنَّ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية سيُموِّل الحزب.

وأكَّد فيدال كوادراس أنَّ المجلس نظَّم حملة دولية لجمع التبعات لصلح حزب فوكس، وأنَّ المجلس كان على استعداد لمناقشة المسألة مع الصحفيين الإسبان.

لم نكن نعرف أنه حزب متطرف

وقال متحدث باسم المجلس لصحيفة El País: "كنا نعرف أنَّه حزب جديد، لكن لم نكن نعرف أنَّه حزب يميني متطرف".

وأشار غيل إلى أنَّ هذا المال سيكون أساسياً لإطلاق الحزب، وبدونه ما كان حزب فوكس ليُوجَد. لكنَّ المجلس كان بالفعل قد حقَّق هدفه المتمثل في إزالة منظمة مجاهدي خلق من قائمة الإرهاب لدى الاتحاد الأوروبي قبل سنوات، إذاً لماذا وافق داعموه على تمويل حزبٍ إسباني متطرف؟ اعترف غيل بأنَّ "الأمر سريالي تماماً".

وعند سؤال اسبينوزا، نائب الأمين العام لحزب فوكس لشؤون العلاقات الدولية، عن علاقات الحزب بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، قال لمجلة Foreign Policy: "ليس لدينا أي علاقة معهم".

التبرعات جاءت نتيجة علاقات شخصية

وجاء تمويل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لحزب فوكس نتاجاً لـ "علاقة شخصية" مع فيدال كوادراس، الذي دعم المنظمة الإيرانية طوال فترة عمله بالبرلمان الأوروبي حتى عام 2014، حين خسر السباق على الفوز بمقعد كجزءٍ من حزب فوكس المتأسِّس حديثاً. (كان فيدال كوادراس قبل ذلك قد ظلَّ طوال حياته عضواً بحزب الشعب الإسباني المحافظ).

وقال اسبينوزا: "لقد دعموه. لم يدعموا الحزب بقدر ما دعموه هو". وأضاف: "وحين غادر عندما انتهت الحملة الانتخابية، لم يعودوا مطلقاً". وكما فعل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق، لم يرد فيدال كوادراس على طلباتٍ متعددة للتعليق على هذا المقال.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2013، ذكرت اللجنة الانتخابية الإسبانية الأحزاب السياسية بأنَّ الأجانب ليس مسموحاً لهم تمويل الأحزاب خلال الحملة الانتخابية للبرلمان الأوروبي عام 2014. ويحظر قانون الانتخابات الإسباني على الأحزاب قبول أي أموال من كيانات أو أفراد أجانب لفترة 54 يوماً قبل الانتخابات، ولو أنَّ التمويل الأجنبي مسموح خارج فترة الحملة الانتخابية.

وفي حين لا توجد أدلة على أنَّ حزب فوكس انتهك قواعد التمويل الإسبانية أو الأوروبية، فإنَّ اسبينوزا لم يتوانَ عن قبول التمويل الأجنبي، فقال: "أحاول الحصول على قدر ما أستطيع من التمويل من الخارج، وسأكذب إن قلتُ لك إنَّ أحداً من الخارج لم يُقدِّم تبرعات، ناهيك عن تقديم تبرعات كبيرة".

وواصل اسبينوزا، الذي كان جزءاً من قائمة مرشحي حزب فوكس في الانتخابات البرلمانية الأوروبية عام 2014 إلى جانب فيدال كوادراس (لم يتمكَّن الحزب من الفوز بمقعد بفارقٍ ضئيل)، التأكيد على أنَّ التمويلات خارج فترة الحملة الانتخابية مشروعة تماماً وشفافة وجاءت عبر شبكات مصرفية موثوقة من "محامين محترفين، ومصرفيين، وأطباء أسنان، وأطباء يعيشون بالخارج".

الحسابات الانتخابية تُفشل محاولات التحقيق بشأن هذه التبرعات

وطلب حزب العمال الاشتراكي الإسباني الحاكم، الذي يُمثِّل حالياً أقلية في مجلس الشيوخ، من حزب الأكثرية في البرلمان، حزب الشعب، مثول حزب فوكس أمام لجنة التحقيق في تمويل الأحزاب.

وعبَّر حزب الشعب، الذي على الأرجح سيحتاج إلى دعم حزب فوكس للحصول على أي فرصة لتشكيل حكومة ائتلافية يمينية بعد الانتخابات، عن مخاوف بشأن تمويل فوكس، لكن قرَّر عدم إجراء تحقيقٍ بمجلس الشيوخ، وحثَّ بدلاً من ذلك المحكمة الإسبانية لمُدقِّقي الحسابات على التحقيق مع حزب فوكس.

وصرَّح اسبينوزا لمجلة Foreign Policy بأنَّ الحزب قدَّم كل الوثائق محل الصلة إلى المحكمة.

أصرَّ اسبينوزا كذلك على أنَّ تمويل فوكس لم يأتِ مطلقاً من "مؤسسات أو منظمات أو أحزاب"، بل فقط من أفراد.

لكن حيراني قال إنَّه في حين أنَّ التبرعات المُقدَّمة لفوكس تأتي عملياً من أتباع منظمة مجاهدي خلق وليس مباشرةً من المنظمة، فإنَّ التمييز بين "الأعضاء"، كأولئك الذين يُمثِّلون فعلياً جزءاً من مجاهدي خلق، وما يُسمَّى بـ "الداعمين" من خارج المنظمة نفسها، تمييزٌ خادع. وأضاف: "أولئك الموجودون في بلدان أخرى هم أيضاً أعضاء. فلديهم جداول يومية. وهناك دوائر تقودها مكاتب مجاهدي خلق في كل بلد، وهم يتحرَّكون بناءً على أوامرها".

ولم يرد ممثلو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق على طلباتٍ من المجلة للتعليق على هذه المزاعم.

المنظمة ترد الجميل.. ولكن من أين جاءت بالأموال بعد نفاد هبات صدام؟

ربما كانت منظمة مجاهدي خلق ترد الجميل لحليفٍ طويل لها، هو فيدال كوادراس، الذي كان داعماً للمنظمة طيلة سنوات. لكن كما صرَّح عضو سابق في اللجنة التنفيذية للمنظمة لمجلة Foreign Policy، على الأرجح نفدت الموارد التي اكتسبتها المنظمة في عهد صدام حسين، وهو ما يشير إلى أنَّها ربما تملك مصدر تمويل آخر اليوم.

فقال مسعود خدابنده، الذي عمل من قبل في الجناح الأمني بالمنظمة وانشق عنها عام 1996، قبل عام واحد فقط من تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لها منظمة إرهابية: "المجاهدين (أي مجاهدي خلق) هم الأداة، وليسوا المُموِّلين".

وأضاف: "إنَّهم ليسوا كباراً لهذه الدرجة. هم يؤدون دوراً تسهيلياً فقط. إنَّك تنظر للمنظمة وتقول: (المجاهدين يُموِّلون حزب فوكس). لكن لا، إنَّهم لا يُموِّلونه. أولئك الذين يُموِّلون ذلك الحزب يُموِّلون المجاهدين كذلك".

لقد حصلنا على سبائك ذهبية من السعودية

وقال خدابنده إنَّه هو نفسه تورَّط في نقل أموال لمنظمة مجاهدي خلق من مُموِّليها أثناء عهد صدام حسين. وأضاف: "ذهبتُ إلى الرياض وعُدتُ بثلاث شاحنات من سبائك الذهب من عملاء لجهاز الاستخبارات السعودي الذي كان يقوده آنذاك الأمير تركي الفيصل. نقلناها إلى بغداد، ثُمَّ إلى الأردن. وبعنا السبائك في الأردن".

تثير رواية خدابنده التساؤل بشأن المصدر الذي يأتي من المال إلى منظمة مجاهدي خلق اليوم. تعامل حيراني هو أيضاً مع أجزاء من تمويلات المنظمة في العراق وكان صريحاً حين سُئِل عن الدعم المالي الحالي للمنظمة، فقال: "السعودية بلا شك".

والأمير تركي الفيصل موَّل معسكرهم الضخم في ألبانيا وحضر اجتماعاتهم في باريس

وبمجرد حصول المنظمة على ملاذ آمِن في ألبانيا بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق، ودون وجود الجيش الأمريكي للدفاع عن معسكر المنظمة ورغبة الحكومة العراقية في رحيل المنظمة، قال أحد كبار أعضاء الجناح السياسي لحيراني إنَّ الأمير السعودي تركي الفيصل وضع أخيراً "بيضة ذهبية".

كانت البيضة المزعومة هي المنشأة، أو المعسكر، الضخم الذي أُقِيم مباشرةً على تخوم العاصمة الألبانية تيرانا، والذي تستخدمه منظمة مجاهدي خلق قاعدةً لعملياتها منذ عام 2016.

قال حيراني: "أخبرني حبيب رضائي (مسؤول كبير بالمنظمة) أنَّنا سنحضر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي للاستعراض أمام الألبان حتى يعلموا مع مَن يتعاملون". (في أغسطس/آب 2017، زار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوريين روي بلانت وجون كرونين وتوماس تيليس منظمة مجاهدي خلق في ألبانيا والتقوا مريم رجوي).

وقدَّمت القنوات التلفزيونية التي تديرها الحكومة في السعودية تغطية ودية للمنظمة، بل وظهر رئيس الاستخبارات العامة السعودي السابق الأمير تركي الفيصل في أحد تجمُّعات منظمة مجاهدي خلق في باريس في يوليو/تموز 2016.

وقال الأمير: "أنا أيضاً أريد الإطاحة بالنظام"، ليلقى صيحاتٍ احتفائية.

والمنظمة تعاونت مع الموساد في اغتيال علماء نوويين إيرانيين

وأُفِيد على نطاقٍ واسع بأنَّ المنظمة تعاونت مع جهاز الموساد الإسرائيلي، بما في ذلك التعاون في هجماتٍ ضد العلماء النوويين الإيرانيين، وذلك بحسب مسؤولين أمريكيين.

ففي الفترة ما بين عامي 2007 و2012، هوجم 7 علماء نوويين إيرانيين باستخدام السُّم أو القنابل المغناطيسية المثبتة في سيارات متحركة بواسطة ركّاب دراجات بخارية عابرة؛ وقُتل 5 من هؤلاء العلماء.

 وفي عام 2012، أفادت شبكة NBC الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أميركيين لم تُسمّهما، بأن الهجمات كانت من تخطيطات الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية ونفذها عملاء مجاهدي خلق داخل إيران.

 ووصف متحدثٌ باسم الجماعة هذه الأخبار بأنّها "ادعاءٌ كاذب مصدره نظام الملالي".

ووصفت المنظمة المزاعم بشأن دورها في اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين بأنَّها "كذبٌ بواح".

الحقيقة التي تكشفها هذه المأساة: قادة الخليج يتقربون لليمين المتطرف نكايةً في الإسلاميين وإيران

وهناك أدلة على أنَّ قادة الخليج، الذين يخشون من النفوذ الإيراني والحركات الإسلامية في الداخل، يتقرَّبون من الأحزاب المناهضة للإسلام في أوروبا، مثلما جادل كلٌّ من علا سالم وحسن حسن في مقالٍ بمجلة Foreign Policy. واتفق خدابنده مع ذلك.

وقال: "الأمر منتشر في مختلف أنحاء أوروبا. أحزاب اليمين المتطرف والمناوئة للاتحاد الأوروبي لديها دعم يأتي من الكثير من الأماكن… هناك دعم خارجي. وهذا الدعم يأتي من نفس الجهة التي تدعم مجاهدي خلق".

وخبراء أمريكيون يستبعدون أن تكون المنظمة هي مصدر الأموال

وتوصَّل الخبراء في الولايات المتحدة إلى استنتاجاتٍ مماثلة بشأن مصدر تمويلات مجاهدي خلق. فكتب دانيال بنجامين، منسق شؤون مكافحة الإرهاب السابق بالخارجية الأمريكية: "ادَّعى أنصار المنظمة أنَّ المال جاء من مساهمات الإيرانيين العاديين في المنفى، لكنَّ المبالغ بدت كبيرة للغاية"، مُضيفاً أنَّ البعض يعتقد أنَّ الحكومات العربية في الخليج تقف وراء "ربح" مجاهدي خلق على حد وصفه.

ومما يزيد الشكوك بأن هذا التمويل هو خليجي أو تحديداً سعودي، حسب المجلة أن هذا الحزب المتطرف الذي كان هامشياً في إسبانيا عندما بدأ انطلاقته للتو يُمثِّل وجهةً طبيعية لأنصار منظمة مُكرَّسة للإطاحة بالحكومة الإيرانية.

والأمر الذي يعزز هذه الشكوك قول المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق في وقت تقديم تلك التبرعات إن الحزب أيديولوجيته غير معلومة بالنسبة لهما مثلما نقل تقرير صحيفة El País  عن متحدث باسم المجلس.

علاوة على ذلك، تمتَّعت حكومات إسبانيا وعائلتها الملكية طويلاً بعلاقاتٍ ودية مع ممالك الخليج، حسب فورين بوليسي.

ولقد أصبح من المستحيل تتبّع مصادر أموالهم

وفي النهاية، تثير المعلومات التي كشفتها صحيفة El País بشأن التمويل المرتبط بمنظمة مجاهدي خلق الذي استُخدِم لتأسيس حزب فوكس أسئلةً أكثر مما تجيب. وكما كتب بنجامين في عام 2016، أنهى حذف منظمة مجاهدي خلق من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية "أي أملٍ في جمع المزيد من المعلومات من أنصار مجاهدي خلق حول علاقاتهم المالية مع المنظمة أو من أين جاءت كل تلك الأموال".

وربما شعر أعداء الحكومة الإيرانية المشهورون (في تلميح للسعوديين) بالسعادة لرؤية تمويلهم يصل إلى داعمٍ أوروبي لمنظمة مجاهدي خلق، وذلك بالنظر إلى أنَّ تلك المنظمة رُوِّج لها دولياً من جانب البعض باعتبارها معارضة إيرانية شرعية بالمنفى، لكن إمَّا أنَّ أولئك الداعمين الماليين المزعومين لم يدركوا أنَّ أموالهم ستُستخدم في نهاية المطاف في تمويل حزبٍ يميني متطرف، أو أنَّهم لم يكترثوا لذلك.

تحميل المزيد