أسرعت حكومات الدول الغربية في التوعّد بتوجيه ضربات إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد أن اتّضح أن التنظيم كان وراء التفجيرات الانتحارية التي أودت بحياة 253 شخصاً في سريلانكا.
في مقطعٍ مصوّر أصدره تنظيم داعش بعد الهجمات، يظهر زهران هاشم، وهو قائد مزعوم للمجموعة الانتحارية، وهو يتعهَّد مع ستة رجال آخرين، يُعتقد أيضاً أنهم ضمن الانتحاريين، بالولاء للخليفة المعلن وزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.
يقول الكاتب الصحفي البريطاني المخضرم باتريك كوكبورن، في مقالة له بصحيفة Independent البريطانية: كالمعتاد، يقترح زعماء الدول الغربية إجراءً سهلاً أو لا يمكن تحقيقه، ولن يؤدي سوى إلى إلحاق ضرر لا يذكر بقدرات تنظيم داعش، مثل محاولة الحد من وصوله إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يبتعدون عن الحديث عن سياسات يُحتمل أن تكون أكثر فاعلية، ولكنها صعبة التنفيذ، للقضاء على داعش؛ لأنها سوف تتعارض مع مصالح بلادهم.
كان يجب وضع حد للحروب الغربية على الشرق الأوسط
وبحسب الكاتب، فإن أفضل طريقة لإضعاف تنظيم داعش إلى الحدِّ الذي يعجز معه عن تنظيم أو تنفيذ مذابح جماعية، كتلك التي وقعت في سريلانكا يوم الأحد 21 أبريل/نيسان، هي وضع حدٍّ للحروب التي استمرت على مدار الأربعين عاماً الماضية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي أنتجت تنظيم القاعدة ونسخته الأكثر شهرة وخطورة "داعش".
يقول كوكبورن، الذي يعتبر متخصصاً لزمن طويل في حروب الشرق الأوسط، إن الحكومات الغربية تنكر أنها مسؤولة بأي شكل من الأشكال عن استمرار وجود تنظيم داعش، وتشير إلى الهجمات المدعومة من الغرب ضد التنظيم، والتي أدت لهزيمة التنظيم واستعادة مناطق أخرى خاضعة للدولة الإسلامية في 23 مارس/آذار الماضي.
جرى القضاء على تنظيم داعش باعتباره كياناً إقليمياً، لكنّ هذا لا يعني أنه لا يمكنه شنّ هجمات حرب عصابات وهجمات إرهابية، مثلما حدث في الأشهر القليلة الماضية في العراق وسوريا. ليست هناك تقارير تذكر عن هذه الأحداث لأنها تحدث في الصحاري الواسعة على الحدود العراقية السورية، أو لأنها تستهدف الأنظمة غير المرغوبة غربياً، مثل نظام الأسد في دمشق.
احتلال العراق حوَّل تنظيم القاعدة في البداية إلى حركة عسكرية قوية
وُلد تنظيم داعش من رحم الحرب، في عام 2001، عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، كان تنظيم القاعدة، الذي انبثق عنه داعش، يتكون من شبكة من "المتعصبين" وبضع مئات من المقاتلين في معسكرات القتال في أفغانستان. كان عددهم قليلاً إلى الحدِّ الذي اضطرهم إلى "استئجار رجال من القبائل الأفغانية المحلية لزيادة أعدادهم في المقاطع الدعائية المصوّرة".
كان غزو العراق واحتلاله في عام 2003 هو ما حوَّل فرع تنظيم القاعدة في العراق، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي إلى حركة عسكرية قوية. وعندما أُجبر تنظيم القاعدة في العراق على الخروج من معاقله بسبب الوجود الأمريكي القويّ وضعف التنظيم بسبب المعارضة التي كان يتلقاها من داخل المجتمع العربي السنّي في عام 2007، تراجع التنظيم إلى مخابئه انتظاراً لوقت أفضل.
لم يمضِ وقت طويل حتى اندلعت الأزمة السورية في عام 2011، التي كان لدى التنظيم الموارد البشرية والأسلحة الكافية ليستغلها لصالحه. وكان القادة العراقيون في بغداد قد نبهوا بين عامي 2012 و2013 أنه ما لم تنته الحرب في سوريا سريعاً، فإنها ستُحفز عودة ظهور التمرد في العراق.
سُرعان ما ثبت أنَّهم على حق، فقد أذهل تنظيم داعش العالم بظهوره ثانية للاستيلاء على الموصل في عام 2014، واجتاح غربي العراق وشرقي سوريا.
أعداء داعش كانوا منقسمين
يقول كوكبورن، من المؤكد أن القوى الغربية أرادت هزيمة داعش، لكنها لم ترغب أيضاً في فعل أي شيء من شأنه أن يمكن أعداءهم ومنافسيهم، مُمَثلين في روسيا وإيران وبشار الأسد، من تحقيق انتصار جلِيٍّ في الحرب السورية. لقد طالبوا برحيل الأسد بعد فترة طويلة منذ أن أصبح من الواضح للغاية أنه سيفوز بعد تلقيه الدعم العسكري الروسي في عام 2015.
كانت إثارة المشاكل في سوريا لعرقلة روسيا وإيران والأسد تصبُّ في مصلحة تنظيم داعش، الذي يمكن أن يستغلَّ حقيقة أن أعداءه كانوا منقسمين.
يردف كوكبورن بالقول، أينما وُجدت سلطة حكومية ضعيفة أو منعدمة كان يمكن لتنظيم داعش أن يرسِّخ أقدامه ويمدّ جذوره. عندما لاحت الهزيمة في الأفق في شرقي سوريا هذا العام، نقل تنظيم داعش الآلاف من مقاتليه الناجين من المعارك إلى غربي العراق. في الموصل والرقّة، اللتين كانتا عاصمتين لداعش في العراق وسوريا ذات يوم، بدأت الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية مرة أخرى، وتتعرض أيضاً القوات التي يقودها الأكراد باستمرار إلى كمائن. في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية بالقرب من تدمُر، أدّت سلسلة من هجمات داعش في أبريل/نيسان الجاري، إلى مقتل 36 شخصاً وأسر جنود موالين للأسد.
في العراق، تستعيد خلايا من تنظيم داعش نشاطها في المناطق السنيّة المحيطة ببغداد، التي كانت في الماضي غير البعيد مسرحاً للتفجيرات الانتحارية المستمرة والمدمرة التي أودت بحياة الآلاف.
لعلها مسألة وقت فقط حتى ينجح تنظيم داعش مرة أخرى في شنِّ سلاسل تفجيرات في العاصمة العراقية، شبيهة بما حدث في سريلانكا. وقع آخر انفجار كبير في بغداد في 3 يوليو/تمّوز 2016، عندما انفجرت شاحنة تبريد محمّلة بالمتفجرات، وهو ما أسفر عن مقتل 340 مدنياً وإصابة المئات.
سياسات واشنطن ستُعيد داعش للواجهة
يقول الكاتب البريطاني، ينبغي أن تكون هذه فرصة تستطيع فيها الولايات المتحدة بذل قصارى جهدها لصدِّ الهجمة المقبلة، لكن بدلاً من ذلك، تعطي واشنطن الأولوية للضغط على الحكومة العراقية، لفرضِ عقوبات أمريكية على إيران، الأمر الذي سيؤدي، لا محالة، إلى انقسام العراقيين وتعزيز وجود داعش.
هناك نمط مشابه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكبر، حيث يدور ما لا يقل عن سبع حروب، كبيرة وصغيرة، في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وشمال شرقي نيجيريا. تشتعل هذه الحروب في بعض الأحيان، وتخمد أحياناً أخرى، لكنّها لا تنتهي أبداً.
والسبب وراء هذه الحروب، التي توفر بيئة خصبة فعلياً لتنظيم داعش وأمثاله، هو أن القوى الأجنبية قد انخرطت في الحروب الأهلية المحليّة، وتريد أن ترى وكيلها في تلك الحروب منتصراً أو، في أسوأ الأحوال، لم يتعرض للهزيمة. ليبيا هي خير مثال على ذلك؛ إذ يقودها خليفة حفتر، بدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا وروسيا، ليقاتل حكومة في طرابلس، تدعمها قطر وتركيا وإيطاليا وتونس والجزائر.
تتكرر مثل هذه الانقسامات والمنافسات في صراع تلو الآخر، وهذا يعني أن داعش سيتمكن دائماً من إيجاد مكان له وسط هذه الفوضى.
الغرب يحيد عن الهدف كثيراً
يقول كوكبورن، في الوقت نفسه، يحتاج المرء أن يتحلَّى ببعض التعقّل فيما يتعلق بقدرات داعش؛ إذ إن الفظائع التي يرتكبها في كولومبو وبغداد وباريس ومانشستر وستمنستر وغيرها من الأماكن ترمي إلى الهيمنة على الأخبار وإثارة الخوف وإظهار قوّته. لكن لا شيء مما سبق يساعد على الانتصار في الحروب، وهزيمة داعش في وقت سابق من هذا العام كانت حقيقية لا رجعة فيها.
لكن هذا لا يعني أنَّ تنظيم داعش لن يحاول العودة ليشارك في حرب العصابات، معتمداً بقوةٍ على الهجمات الإرهابية على أهداف سهلة. وداعش في الأساس آلة عسكرية يقودها رجال عسكريون ذوو خبرة، يكيفون استراتيجيتهم وتكتيكاتهم وفقاً للظروف، لذا فإن الغرب يحيد عن الهدف كثيراً بالحديث عن قطع وسائل التواصل الاجتماعي عن داعش، كما لو كان ذلك ضربة قاصمة.
يختتم الكاتب البريطاني مقالته بالقول: قد تكون مواقع التواصل الاجتماعي أداة قوية لداعش، لكن التنظيم يستطيع الاستمرار من دونها. كانت الحركات الهمجية شبه الدينية المشابهة لتلك الخاصة بداعش مثل النازية في ألمانيا، والخمير الحُمر في كامبوديا موجودة قبل الإنترنت بفترة طويلة، وكانت قادرة على نشر رسالتها السامّة دون استخدامها.
لذا، فالطريقة الوحيدة الفعّالة للقضاء على داعش هي إنهاء الحروب التي انبثق منها. أصبح جزء كبير من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منطقة نزاع، حيث تحدث الصراعات الإقليمية والدولية عن طريق الوكلاء المحليين للدول الغربية، واستمرار هذا الوضع يعني كذلك استمرار وجود تنظيم داعش.