انتشرت في بعض محطات المترو والحافلات ببرلين، بدءاً من يوم الخميس 25 أبريل/نيسان 2019، إعلانات تدعو السوريين للعودة إلى بلادهم والإسهام في إعادة الإعمار بعد "الانتصار هناك".
وتبيّن أن حركة "الهوية" اليمينية المتطرفة تقف وراء هذه الحملة، بعد أن استولت على نوافذ إعلانية لشركة Wall بطريقة غير قانونية، لتنشر رسالتها إلى السوريين.
وكُتب على أحد الإعلانين: "اذهب إلى وطنك. الحرب انتهت. سوريا بحاجة لك"، ثم بخط أصغر حجماً: "مع سقوط آخر معاقل داعش، تحتاج سوريا شباناً وشابات، يدعمون بلادهم في إعادة الإعمار بعد حرب دامت أعواماً".
وفي أسفل الإعلان أُرفق شعار حركة "الهوية" مع علامة النصر بألوان عَلم النظام السوري.
شركة الإعلانات ستقدم بلاغاً جنائياً ضد المنفذين
وصرحت متحدثة باسم شركة Wall للإعلانات، لموقع بيلد، بأنهم لا يمنحون منصة لهذه المجموعة إطلاقاً.
وأوضحت أن الأمر يتعلق هنا بوضع ملصقات بطريقة غير قانونية، أو ما يُسمى "أدبستينغ (الاستيلاء على يافطة إعلانية بطريقة غير قانونية وكتابة رسالة سياسية أو فنية عليها)".
وأشارت إلى حدوث واقعة مماثلة على نطاق أضيق مع حركة "الهوية" بالربع الأول من هذا العام في برلين.
ليست المرة الأولى
وكانت حركة "الهوية" استولت مطلع العام، على مساحات إعلانية للشركة في مدينتي برلين وروستوك، لتنشر البروباغاندا خاصتها عن وجود مناطق يحظر الدخول إليها في ألمانيا "نو غو أريا"، ناشرةً أكاذيب على نحو تصاعد الجريمة وانخفاض الشعور بالأمان، وتحوّل الألمان إلى أقلية في مدنهم تدريجياً.
وأشارت المتحدثة باسم الشركة إلى وصول معلومات من مواطنين منذ صباح الخميس 25 أبريل/نيسان 2019 إليهم، عن مشاهدتهم هذه الملصقات.
وأوضحت أن فريق الخدمة تجول بعد ذلك، لنزع هذه الملصقات من النوافذ الإعلانية، والتحفظ عليها قصد تقديم بلاغ جنائي ضد الفاعلين، كما هو الحال في جميع حالات الـ"أدبستينغ"، والتحقق من مواقع أخرى في المدينة.
ونقل موقع "فيلت" بدوره عن المتحدثة باسم الشركة، أن موظفيهم أزالوا 5 ملصقات من محطات مترو الأنفاق و3 من مواقف الترام والحافلات، خلال ساعتين ونصف الساعة، بعد ورود التبليغات الأولية عنها على الساعة التاسعة صباحاً، وأنه لم يتم اكتشاف حالات أخرى أو التبليغ عنها، مشيرة إلى أن موظفيها سيكونون يقظين في الأيام القادمة، إلى مثل هذه الملصقات.
وفي ظل انتشار طريقة فتح النوافذ الإعلانية بعدة حركات يدوية ببساطة ودون إلحاق أضرار بها على شبكة الإنترنت، أكدت المتحدثة أنه لا يمكن تفادي الاستيلاء على النوافذ الإعلانية بشكل كلي، رغم أنهم سيفكرون في الأمر، لكنهم سيبلغون مبدئياً عن جميع هذه الحالات لدى السلطات.
ما هي حركة "الهوية"؟
تنشط حركة "الهوية" ذات الجذور الفرنسية، منذ عام 2012، في كل من النمسا وألمانيا، وتقول إنها تعمل ضد "وهم تعدد الثقافات"، و"الهجرة الجماعية غير الخاضعة للمراقبة"، و"فقدان الهوية بسبب التغلغل الأجنبي".
ولفتت الأنظار إليها في الأعوام الثلاثة الماضية بحركاتها المعادية للهجرة واللاجئين، ومؤخراً باعتراف المتحدث باسمها في النمسا بتلقّيه تبرعات من مرتكب هجوم نيوزيلندا الإرهابي على مسجدين.
وكانت الحركة قد أنشئت العام الماضي (2018) "منظمة إغاثية"، قالت إنها تريد من خلالها مساعدة اللاجئين في البقاء بدول جوار سوريا وداخلها، في سعيها إلى العمل ضد سياسة "الحدود المفتوحة" المنتهجة في أوروبا.
وزعمت حينها أنه ليست لديها مساعٍ سياسية أو مذهبية، مؤكدة أنها "تحترم الحكومة الحالية والرئيس السوري"، ولا تعطي نفسها الحق في إطلاق حكم عليها، مضيفة: "هدف السياسة الدولية يجب أن يكون العمل على إحلال السلام فوراً في سوريا، وليس إطالة الحرب الأهلية عبر النقاشات الظاهرية الساخرة حول شرعية رئيس دولة وإيصال الأسلحة إلى وحدات المتمردين الإسلامية".
وزعمت حينها أن عملهم يقوم على دعم الأُسر السورية المحرومة اجتماعياً، والموجودة بمخيم اللاجئين في لبنان، عبر تقديم 50 دولاراً شهرياً لكل أسرة كأجرة لمكان نصب الخيمة، كي يتوافر لهذه العوائل أموال إضافية لصرفها على العلاج أو تعليم أطفالهم. كما قالت إنها ستعمل على إخبار اللاجئين هناك بأن "الجنة" لا تنتظرهم بأوروبا؛ في مسعى واضح لحثهم على البقاء حيث هم.
وكانت الحركة قد جمعت عشرات الآلاف من اليوروات صيف عام 2017، لاستئجار سفينة، ومحاولة منع قوارب منظمات إنقاذ اللاجئين الموجودة في المتوسط من القيام بمهامها، ضمن حملة تهدف إلى سد الطريق أمام قوارب إنقاذ اللاجئين، و "الدفاع عن أوروبا" أمام "غزو غير مسبوق" من المهاجرين.
وتصنف المخابرات الداخلية الاتحادية في ألمانيا حركة "الهوية" ذات المساعي اليمينية المتطرفة بـ "حالة اشتباه"، أي يمكنها استخدام مواردها لجمع معلومات عنها. وتقدر أعدادهم بقرابة 500 عضو.
حظر ترحيل السوريين
ويأتي ذلك في الوقت الذي مددت فيه السلطات الألمانية حظر ترحيل السوريين، ومن ضمنهم مرتكبو الجرائم نهاية العام الماضي (2018) حتى منتصف سنة 2019، على أن يتم النظر في تمديده مجدداً حتى نهاية العام أو إلغائه بعد ذلك.
وتقدَّر أعداد السوريين الذين استقبلتهم ألمانيا منذ عام 2011، بـ780 ألف شخص.
وتتفق الحكومة الألمانية الاتحادية في تقييمها مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أن ظروف عودة "آمنة وبكرامة" إلى سوريا، غير متوافرة حالياً.
وبينت الحكومة في ردٍّ على طلب إحاطة برلماني، أن عدد السوريين العائدين طوعاً سنوياً ضئيل جداً، لم يتجاوز 466 شخصاً في عام 2018 مثلاً.