قال وزير الدفاع السريلانكي روان ويجيواردين، الأربعاء 24 أبريل/نيسان 2019، إن معظم الإرهابيين الذين قتلوا 359 شخصاً على الأقل في كنائس وفنادق سريلانكا يوم الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، كانوا "مُتعلِّمين جيداً، وأنهم ربما من الطبقة الوسطى أو الطبقة المتوسطة الميسورة، أي إنَّهم مُستقلّون مادياً بالكامل، وعائلاتهم مُستقرّة ماديّاً إلى حدٍّ كبير".
وقالت مصادر مُطَّلعة على التحقيقات، لشبكة CNN الأمريكية، إن اثنين من مُنفّذي الهجمات الانتحارية من أبناء تاجر التوابل السريلانكي الثري، محمد إبراهيم.
هل للفقر دور في هذا الأمر؟
وبحسب الشبكة الأمريكية، يتعارض هذا -على الأرجح- مع ما يظنّه كثيرون بشأن الانتحاريين؛ فبعد كل شيء، ما الشيء الذي يدفع أشخاصاً مُتعلّمين جيداً ومن الطبقة المتوسطة الميسورة بالمجتمع ولديهم كل شيء -على ما يبدو- ليعيشوا لأجله، إلى تفجير أنفسهم وقتل عدد كبير للغاية من الأبرياء؟
بالتأكيد، لا توجد إجابة بسيطة لما يجب حتماً أن يكون قراراً صعباً، ولا يوجد وصف واحد يُعمَّم على كل الحالات، لتفسير كيفية تطرُّف الناس ليصلوا إلى تلك المرحلة التي يرغبون عندها في الموت وهم يمارسون القتل.
في حالة الجهاديين، من المحتمل أن يكون هذا القرار نابعاً من تبنّيهم أيديولوجية عنيفة، غالباً ما تحث على قتل "الكفّار". وغالباً ما يقترن ذلك باعتقاد أن المُسلمين السنّة يتعرّضون للهجوم؛ ومن ثمّ، يجب الانتقام، بحسب الشبكة الأمريكية.
وقد تؤدي ديناميات الجماعة دوراً أيضاً. تتبَّع خبير الإرهاب مارك ساغيمان، في كتابه الصادر في عام 2004 بعنوان "Understanding Terror Networks" أي "فهم شبكات الإرهاب"، السير الذاتية لـ172 إرهابيّاً، وتوصّل إلى أن الأصدقاء وأفراد الأسرة غالباً ما ينضمّون إلى الجماعات الإرهابية معاً. على سبيل المثال، كان هناك 3 أزواج من الأشقاء السعوديين من بين مُنفّذي هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ويمكن رؤية ديناميكية مشابهة في الأخوين اللذين كانا بين الانتحاريين في هجمات سريلانكا.
في الحقيقة، عَرِف خبراء مكافحة الإرهاب منذ زمن بعيد، أن الإرهاب في الغالب مسعى برجوازي، بحسب الشبكة الأمريكية.
نماذج من الجهاديين
وقبل أن نخوض في ذلك، دعنا نفترض أن مجموعات جهادية كبيرة تمارس العنف مثل حركة طالبان، تُجند عشرات الآلاف من جنود المشاة من صفوف الفقراء، وتدفع لهم رواتب شهرية.
وعلى النقيض، هناك جماعات جهادية خالصة تتألّف من المؤمنين حقاً بأفكارها المتطوّعين لهذا العمل، ولا يتقاضون رواتب شهرية بشكل عام.
وبعض الجهاديين الأكثر شهرة في العالم كانوا من أكثر الناس رفاهية على هذا الكوكب.
فقد كان أسامة بن لادن ابناً لأحد أقطاب مجال التشييد والبناء في السعودية.
وخلَفه أيمن الظواهري زعيماً لتنظيم القاعدة وهو جرّاح من عائلة مصرية بارزة.
وهناك أيضاً عمر فاروق عبدالمطلب، الذي يُطلَق عليه لقب "صانع قنبلة الملابس الداخلية"، وقد حاول تفجير طائرة ركّاب أمريكية فوق مدينة ديترويت في يوم عيد الميلاد من عام 2009، وهو نجل مصرفي نيجيري ثري، وبينما كان طالباً في كلية لندن الجامعية، التي تُعتبر إحدى أبرز الجامعات بالعالم، حاول تفجير الرحلة الجوية رقم 253 لخطوط نورث ويست الجوية بقنبلة خبّأها في ملابسه الداخلية، لكنه فشل، بحسب الشبكة الأمريكية.
وقد حصل عبدالمطلب على توجيهاته لتفجير الطائرة من أنور العولقي، وهو ابن وُلِد في الولايات المتحدة الأمريكية، لأحد وزراء الحكومية اليمنية، وكان يدرس للحصول على درجة الدكتوراه بجامعة جورج واشنطن قبل انضمامه إلى تنظيم القاعدة في اليمن.
والقيادي في داعش الشهيرُ محمد إموزاي، المُلقّب بالجهادي جون، الذي تولّى عملية قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي في عام 2014، كان من عائلة ثرية نشأت في غرب لندن، وقد تخرّج في الجامعة بعد الحصول على درجة دراسية في برمجة الكمبيوتر، بحسب ما أوردته صحيفة Washington Post الأمريكية.
والخاطف الرئيسي في هجمات 11 سبتمبر/أيلول كان محمد عطا، وهو نجل مُحامٍ مصري، وكان يدرس لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ألمانية.
وهناك أمثلة كثيرة أخرى، ولكنّك فهمت الفكرة.
تشير حقيقة أن الجماعات الجهادية عادة ما تُجنّد أفرادها من صفوف الفقراء العاطلين إلى أن إحدى الاستجابات السياسية قد تكون بتوفير وظائف للشباب العاطلين عن العمل في بلدان مثل أفغانستان.
إلا أن هذه الاستجابة السياسية لن تفلح مع الإرهابيين الجهاديين من الطبقة الوسطى، الذين يفعلون ما يفعلونه بدافع الأيديولوجية. فبالنسبة لهؤلاء الإرهابيين، فإن الاستجابة المُثلى هي أن ينصحهم رجال الدين الإسلامي البارزون بالعدول عن ذلك النهج، أو أن يشرح لهم مُنشقّون عن الجماعات الجهادية أنَّ قتل الأبرياء لن يخلق اليوتوبيا الإسلامية التي يطمحون إليها.