عبَّر عدد من المسلمين في سريلانكا عن خشيتهم من تنفيذ هجمات إرهابية تستهدفهم، عقب الهجوم الذي استهدف عدداً من المسيحيين يوم أحد الفصح، وخلَّف مئات القتلى والجرحى.
وبحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية، فإنه مع ظهور أدلة على تخطيط جماعات الميليشيات الإسلامية لهجمات عيد الفصح، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 350 شخصاً في سريلانكا، وتنفيذها، تدافعت المجتمعات الإسلامية في الدولة لإظهار مشاركتها في صدمة الأمة وحزنها.
وقف بثِّ الأذان وتعليق لافتات
فتوقَّف أئمة المساجد عن إذاعة الأذان في الميكروفونات؛ خشية إيذاء مشاعر المنتحبين. كما علَّقوا لافتات تحمل تعازيهم من أجل الضحايا، وأجروا مقابلات مع مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية ومسؤولي الشرطة، وجهَّزوا شنط طعام للمتطوعين المشاركين في الجنائز.
هُم أيضاً مترقِّبون لموجة الغضب، وربما الانتقام العنيف، الذي بدأت بوادره في الظهور. وقد تخطَّت الرسائل الإلكترونية البغيضة التي تلقي باللوم على المسلمين في الهجمات، الحظر الطارئ الذي فرضته الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أُلقيت الحجارة على عدد من منازل المسلمين وشركاتهم، بحسب الصحيفة الأمريكية.
يقول محمد جنة، صائغ وعضو لجنة التناغم بين العقائد في المسجد الكبير جنوب مدينة نغومبو التي تبعد نحو 30 كيلومتراً عن العاصمة كولومبو: "نحن لا نعلم من يقف وراء الهجمات، ونحن ندينها من كل قلبنا، ولكنَّ عديدين يقولون إن المسلمين هم من فعلوها، ولهذا نحن لا نعلم ماذا سيحدث بعد ذلك. لقد كان السلام يسود هذا المكان دائماً، ولكن الآن انقلب كل شيء على عقبيه".
في الأحياء المسلمة بمدينة نغومبو، حيث لقي أكثر من 100 شخص حتفهم في أكثر التفجيرات فتكاً، أُغلقت عشرات المحلات منذ يوم الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، فيما عدا تلك التي تبيع الطعام في الصباح الباكر، وأصبح من الممكن رؤية المنتجات الطازجة وهي تذبل خلف واجهات المحلات المعدنية المغلقة. وفي كولومبو، شكَّل المسلمون لجاناً شعبية لتأمين الأحياء، تتفحص السيارات والزائرين غير المألوفين.
إجراءات لحماية المسلمين
وبمئات المساجد في مختلف أرجاء البلاد، ليست هناك خطط مؤكدة بخصوص صلاة الجمعة هذا الأسبوع. وقال الزعماء الدينيون إنهم يتوقعون إقبالاً منخفضاً للغاية عن المعتاد، بل طلب بعضهم من الشرطة حماية البوابات، وعلَّقوا لافتات تقول إنه سيجري تفتيش جميع الحقائب، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال رجال دين إن الخوف ليس من تلقِّي هجمات من المسيحيين، ولكن من أن يستغل آخرون الاضطرابات لإحداث مشكلات. علاوة على هذا، فإن المجتمعات المسلمة يفتشها حالياً ضباط جهاز المخابرات، الذي اكتسب مؤخراً صلاحيات جديدة لتنفيذ المداهمات وتوقيف الأشخاص؛ وهو ما تسبب في إحساس عام بعدم الارتياح.
وقد قبض مسئولو الأمن على أكثر من 40 مشبهاً فيه في تفجيرات عيد الفصح، وكلهم مسلمون سريلانكيون. فيُقال إن بعضهم ينتمون إلى جماعة متطرفة نظم مسجد في العاصمة مظاهرة ضدها قبل ذلك. كان اثنان من الانتحاريين أبناء تاجر بهارات مسلم شهير. كما أكد تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً مسؤوليته عن الحادث.
تاريخ المسلمين في سريلانكا
جاء المسلمون إلى سريلانكا أول مرة بالقرن السابع في عهد مملكة سيلان، ولكنهم ما زالوا إحدى المجموعات الصغيرة بمجتمع متعدد العقائد؛ فيبلغ عددهم نحو مليوني شخص، يمثلون 10% من التعداد السكاني. وقد حقق بعض المسلمين نجاحاً اقتصاديّاً في التجارة والمهن الأخرى، ولكن ظل كثيرون فقراء يعملون في وظائف لا تتطلب مهارات عالية.
هذا، وقد اتسمت العلاقات بين الأقلية المسلمة والأغلبية البوذية السنهالية الوثنية بسلام ظاهري، ولكن التوترات تتصاعد منذ عقود؛ وهو ما أدى إلى أعمال شغب عنيفة في عام 2014 والعام الماضي (2018). وكانت الزيادة الملحوظة في عدد المساجد أحد أسباب هذه العداوة، فقد وصفها البعض بأنها تدعو إلى إسلام سُني متشدد، كان قبل ذلك نادراً في هذا المجتمع الاستوائي الهادئ.
وقال كثير من المسلمين الذين أُجريت مقابلات معهم هذا الأسبوع، إنهم كانت تجمعهم علاقات ودية بأعضاء الأديان الأخرى، وإنهم كانوا فخورين بالعيش في مجتمع متنوع، لكنهم لا يختلطون اجتماعيّاً بشكل كبير خارج مجتمعاتهم التي تتمحور حول المسجد.
وقال المسؤولون القائمون على أحد المساجد في نغومبو، إنهم أقاموا طقوس جنازة مشتركة لفاطمة ألسا، وهي فتاة مسلمة في سن المراهقة من عائلةٍ، جزءٌ من أفرادها مسيحيون، لقيت حتفها في تفجير بكنيسة القديس سيباستيان الكاثوليكية، ودُفنت لاحقاً تحت شجرة نخيل في المقابر الإسلامية المحلية.
مبادرات مرفوضة بلطف!
ولاحقاً، قالوا إنهم قوبلوا بالرفض بأدب عندما شرعوا في مبادرات أخرى لمسيحيين محليين، وطلب منهم مسؤولو الكنيسة البقاء في منازلهم وتجنُّب المشكلات.
قال محمد صوفاري، أحد رواد المسجد: "أردنا تقديم المزيد، لكن طُلب منا ألا نفعل"، معرباً عن استيائه لقطع اجتماع ثانٍ مع مسؤولين في الكنيسة المحلية فجأة. وأضاف: "لهذا السبب يتردد المجتمع المسلم في الخروج عن حدوده. فنحن دائماً ما نخاطر، ولكننا نشعر بأننا نُترك وحيدين في وسط المشكلة"، بحسب الصحفية الأمريكية.
في كولومبو، خارج المسجد الكبير ذي القبة الذهبية، عُلِّقت لافتة كبيرة تشجب هجمات عيد الفصح "المروعة". وقال محمد إفام، أحد المترددين على المسجد وزعيم مجتمعي، إن المسجد قد نظمَّ عدة مظاهرات في الشهور الأخيرة ضد جماعة التوحيد الوطنية المتطرفة، التي جرى ربطها بالتفجيرات.
وأضاف: "نشجب الهجمات 100%، بل 1000%، ونرفع هذه الرايات البيضاء، لنعبر عن شعورنا. لقد تسببوا في وصم المسلمين. هذه هي المرة الأولى التي يضرب فيها الإرهاب العالمي سريلانكا، ونحن نطالب الحكومة بمواجهة جماعة التوحيد في أقرب وقت. عليهم إيقافهم الآن".
كان الشعور السائد الآن لدى مسلمي سريلانكا مزيجاً هادئاً من الأسى المكتوم على مأساة لم يستطيعوا التعبير عن حزنهم بشأنها علناً؛ والترقب قلقاً من الانتقام الذي لا يستحقونه.
قال شافي مولا، المسؤول القائم على أحد المساجد التي تؤمّنها الشرطة في العاصمة: "ما فعله أولئك البربريون أفسد كل شيء، لقد كان المسيحيون دائماً إخوة لنا، ولكن بعض الناس يريدون الثأر، أو استغلال الموقف، خاصة في المناطق الريفية التي لا تخضع لحماية، ولهذا السبب فإننا خائفون.. نحن خائفون!".