المكالمة الغريبة التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر، كشفت أسرار تحول الموقف الدرامي من الحرب الأهلية الليبية، وكيف أن القرار في البيت الأبيض بات مرهوناً بمصالح بعض الحلفاء الإقليميين مثل الإمارات والسعودية، لكن نظرة أخرى على تقرير المحقق الخاص روبرت مولر تكشف المستور حول المؤثر الأبرز في قرارات ترامب في الشرق الأوسط، والبحث الأعمق يوضح جذور ذلك التأثير.
والسؤال لماذا ذكر ميلر المحقق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان في تقريره الخاص بشأن ادعاءات تورط حملة ترامب في التواطؤ مع روسيا، أثناء الانتخابات في 2016 وعرقلة العدالة؟
السؤال تزداد غرابته عندما نعرف أن محمد بن زايد هو الوحيد بين زعماء العالم الذي ذكره ميلر بشكل ملحوظ، رغم أن النسخة المنشورة من التقرير لم توضح كامل الحقيقة بشأن سبب وجود الحاكم الفعلي للدولة الخليجية، والأغلب أن التفاصيل تم إخفاؤها بسبب "التنقيح". فما هي قصة محمد بن زايد مع ترامب، وكيف وصلت الإمارات لامتلاك هذا النفوذ والسيطرة على القرار الأمريكي؟
ما هي قصة اجتماع سيشل؟
ذِكر بن زايد جاء نتيجة لدوره الغامض في اجتماع تم في 11 يناير/كانون الثاني 2017، بين أحد رجال ترامب ووسيط روسي لفلاديمير بوتين في سيشل، وبحسب موقع بلومبيرغ الأمريكي نقلاً عن الأسوشيتدبرس، ما لم يذكره التقرير أو ربما ذكره مولر ولكن تم تنقيحه من جانب المدعي العام ويليام بار (المدافع المتحمس عن ترامب)، هو الدافع من إقحام بن زايد نفسه كوسيط في الاتصالات بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا.
التساؤل بالطبع أجابت وتجيب عنه الحقائق التي تتكشف الآن مع ظهور التقرير نفسه للعلن، وتتمثل في التقارب المذهل في وجهات النظر بين ترامب وبن زايد، خصوصاً في ملفات التعامل مع إيران، والموقف من الإسلام السياسي في المنطقة، وكذلك الحركات الشعبية في الدول العربية.
يفسر رايان بول وهو محلل معلوماتي في شركة معلومات خاصة مقرها تكساس وهي ستراتفور قيام بن زايد بدور الوسيط أثناء الانتخابات بقوله إن "الإماراتيين وجدوا فرصة سانحة لعكس بوصلة علاقاتهم مع واشنطن من خلال إدارة جديدة يرأسها رجل يعرفونه بشكل شخصي".
كيف يعرفون ترامب بشكل شخصي؟
كي نقف على علاقة ترامب بالأسرة الحاكمة في الإمارات، علينا أن نرجع بالذاكرة لعام 2005، وهو العام الذي شهد أولى محاولات رجل الأعمال الأمريكي وقتها (دونالد ترامب) البحث عن فرص استثمار في الدولة الخليجية، من خلال مؤسسة ترامب التي وقعت اتفاقاً تسويقياً مع شركة نخيل العقارية الإماراتية، بغرض بناء فندق، ولكن المشروع تأخر وتم إلغاؤه بسبب مشاكل مالية واتهامات بدفع رشاوى طالت نخيل، طبقاً لتقرير نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية، في 23 سبتمبر/أيلول 2016.
وفي عام 2013 أعلنت شركة داماك الإماراتية عن خطط لتطوير نادي الجولف بدبي، بالاشتراك مع مؤسسة ترامب بقيمة 6 مليارات دولار، ويجري حالياً بناء نادي جولف آخر باسم نادي ترامب العالمي للجولف في دبي، من جانب نفس الشركة، بحسب موقع بيزنسواير.
من هو حسين ساجواني؟
وهنا يبرز اسم حسين ساجواني، الملياردير الإماراتي، رئيس داماك وشريك ترامب التجاري في الإمارات، الذي حضر افتتاح فندق ترامب في واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ثم بعد نجاح ترامب في الانتخابات كان سجواني أيضاً ضيفاً على ساكن البيت الأبيض الجديد، ليس هذا فحسب، بل إن ترامب مدح ساجواني أثناء إلقاء كلمته، وذلك بحسب موقع مؤسسة التقدم الأمريكي، الذي نشر تقريراً بعنوان "تضارب مصالح ترامب الرئيس مع ترامب رجل الأعمال في الإمارات".
الأدهى أن ترامب قبيل تنصيبه رئيساً، وفي محاولة منه لإبعاد الشكوك حول وجود تضارب في المصالح مع الإمارات، زعم أنه رفض صفقة قيمتها 2 مليار دولار من ساجواني لبناء عقارات أخرى، مؤكداً أنه كان يمكن أن يقبل الصفقة ولا يوجد قانون يمنعه من ذلك، بحسب تقرير لواشنطن بوست وقتها.
واعتبر تصريح ترامب وقتها صادماً، إذ إن مستثمراً أجنبياً (ساجواني) عرض على رئيس أمريكا المنتخب صفقة بقيمة 2 مليار دولار، بعد فوزه بالانتخابات مباشرة، وهي بالطبع خطوة لا تفسير إلا محاولة الفوز بالتأثير القوي لدى الإدارة الجديدة.
وفي فبراير/شباط 2017، سافر ولدا ترامب دونالد الصغير وإيريك إلى دبي، لحضور افتتاح أول مشروع لمؤسسة ترامب، بعد أن أصبح الوالد رئيساً للولايات المتحدة، وهو نادي ترامب العالمي للجولف في دبي، بحسب تقرير لمجلة يو إس إيه توداي، كما عاد دونالد الصغير لدبي واجتمع مع ساجواني، الذي نشر صورته مع "ابن الرئيس" على حسابه على إنستغرام، معلقاً أنهما "ناقشا أفكاراً ومشاريع جديدة ومبتكرة".
بن زايد الأكثر تأثيراً
الأمر ليس غريباً إذن أن تتمتع الإمارات بذلك النفوذ، في ظل وصول "رجل الأعمال الذي يعرفونه جيداً" إلى الرئاسة، وربما من قبيل المصادفة هنا التزامن بين ذكر محمد بن زايد في تقرير مولر ووجوده ضمن قائمة مجلة التايم الأمريكية لأكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، لكن المؤكد أن مجرد وجود اسمه ضمن قائمة المائة دليل دامغ على تأثيره الكبير داخلياً وخارجياً.
في تقريره ذكر مولر أن بن زايد وصل إلى فندق فاخر في جزر سيشل الهندية قبل أيام من حفل تنصيب ترامب رئيساً، وكان معه مستشاره جورج نادر، وهو رجل أعمال أمريكي من أصل لبناني كان قد أدين عام 2003 في محكمة تشيكية بتهم التعدي جنسياً على قاصرات، ووافق على أن يتعاون مع مولر في تحقيقاته، بحسب تقرير بلومبيرغ.
مؤسس بلاكووتر مستشاراً!
وبحسب تقرير مولر، فإن الاجتماع الذي توسط بن زايد لعقده جمع كيريل ديمترييف المقرب من بوتين وجهاً لوجه مع إيريك برينس، مؤسس شركة عسكرية أمريكية خاصة هي بلاكووتر (المتهمة بارتكاب جرائم متنوعة في العراق، أبرزها إطلاق النار على مدنيين عراقيين في ميدان نيسور في بغداد في 16 سبتمبر/أيلول 2007، ما أدي لمقتل 17 مدنياً وإصابة 20 على الأقل)، وكان برينس على علاقات بمسؤولين في حملة ترامب.
كان ديمترييف قد طلب من نادر سابقاً فتح قنوات اتصال بينه وبين فريق ترامب الرئاسي، ورغم تشكك الروسي في البداية من الاجتماع ببرينس، أقنعه نادر بأن أخت برينس بيتسي ديفوس ستصبح وزيرة التعليم في إدارة ترامب.
وبحسب التقرير "ديمترييف أخبر نادر أن بوتين سيكون ممتناً للغاية لنادر، وأن هذا الاجتماع سيكون تاريخياً".
ورغم أن تفاصيل ما حدث في الاجتماع الذي تم في الحادي عشر من يناير/كانون الثاني 2017 يظل غير معلوم بسبب سلسلة من التنقيحات في النسخة المنشورة من تقرير مولر، إلا أن ما نشر يظهر أن برينس أخبر ديمترييف أن يحذر بوتين من ألا يورط روسيا في الحرب الأهلية الليبية.
من المهم هنا أن نذكر دور برينس في مساعدة الإمارات على تشكيل قوات خاصة مرتزقة، ورغم أنه أخبر الكونغرس أن اجتماع سيشل تم بالصدفة، وأنه "لم يسافر إلى هناك خصيصاً لمقابلة رجل روسي"، إلا أن تقرير مولر مناقض تماماً لتلك الرواية، حيث إن نادر رتب للقاء قبل حدوثه بفترة طويلة، بحسب بلومبيرغ.
تلعب دوراً في الشرق الأوسط بسبب قربها من ترامب
ورغم حجمها الصغير تلعب الإمارات دوراً مبالغاً فيه في السياسة الأمريكية، تحت رئاسة ترامب، بحسب تقرير مولر، والأمر نفسه ينطبق على الدور الذي تلعبه في سياسات الشرق الأوسط بسبب قربها من واشنطن، ويتواجد نحو 5 آلاف جندي أمريكي في الإمارات، بينما يظل ميناء جبل علي أكثر ميناء أجنبي تستخدمه البحرية الأمريكية.
ورغم أن المنشور من تقرير ترامب لا يقدم تفاصيل عن دور محمد بن زايد في اجتماع سيشل، إلا أنه قد سعى للاجتماع مع فريق ترامب الرئاسي قبل أن يدخل البيت الأبيض.
وعلى الرغم من أن بن زايد لم يزر واشنطن منذ فترة، إلا أن التواصل المباشر بينه وبين ترامب هاتفياً لا يتوقف، والغريب هنا أن المكالمات بين الرجلين دائماً ما تسبق قرارات يتخذها ترامب، مثل المكالمة بينهما قبل أن يستخدم ترامب حق الفيتو ضد قرار الكونغرس بوقف المساعدة الأمريكية للتحالف الذي يحارب في اليمن بقيادة السعودية، معها الإمارات، ولكن المثل الأبرز هو الاتصال الذي تم بينهما قبل أن يتخذ ترامب الخطوة الغريبة بإجراء اتصال بزعيم الحرب الليبي خليفة حفتر، وهي المكالمة التي جعلت دور بن زايد في التأثير على قرارات ترامب تحت الضوء بشدة.
"أصبح الآن واضحاً تماماً أن للإمارات حليفاً قوياً في البيت الأبيض"، بحسب بول محلل ستراتفور لبلومبيرغ.