صوَّت المصريون بأغلبية ساحقة على تمديد حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي وتوسيع صلاحياته، وإحكام قبضته على أكثر دول العالم العربي اكتظاظاً بالسكان، وفقاً لنتائج الاستفتاء السريع التي أُعلنت أمس الثلاثاء 24 أبريل/نيسان 2019، التي يشكك البعض فيها، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وسرعان ما ندَّد منتقدون وقوى معارضة بنتائج التصويت على التعديلات الدستورية، ونعتوها بالمزورة.
ويشنّ موالون للسيسي في القطاعين الحكومي والخاص، منذ أسابيع وحتى الآن، حملات منظمة ترمي إلى ضمان بقائه رئيساً حتى عام 2030، ومنحه سلطات غير مسبوقة في القضاء والهيئات التشريعية الأخرى. واعتقلت السلطات المعارضين، وحظرت آلاف المواقع الإلكترونية، في محاولة للقضاء على حملة إلكترونية تعارض التغييرات الدستورية المقترحة.
ماذا تعني هذه الأرقام؟
لم يكن مستغرباً أن نتائج الفرز النهائي للأصوات، التي أُعلن عنها في أقل من 24 ساعة بعد إغلاق مراكز الاقتراع، أظهرت أن نسبة المصوتين لصالح التعديلات تجاوزت 88% في مقابل 11% صوتوا ضدها، في حين بلغت نسبة الإقبال على التصويت 44%. ولا يتمتع سوى 62 مليون مصري بحق التصويت في بلد يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة.
لكن ثمة ما يثير التساؤل حول حقيقة هذه الأرقام، فمن المعروف في مصر أن الاستفتاءات عادة لا يولي لها المواطنون اهتماماً كبيراً، خاصة في ظل عدم وجود ندية وتنافسية حقيقية بين الأحزاب أو المرشحين، بعكس الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، فما بالك بالاستفتاء الذي بدا أنه محسوم من البداية، فيبدو أن السلطات المصرية تدخلت في نتيجة هذا الاستفتاء ومحاولة تصدير مشهد أن هذا الاقتراع مطلب شعبي وجماهيري لدى المصريين، في الوقت الذي لم يكن هناك حشد مضاد للتصويت بلا، إلا من خلال عدد قليل من الرموز السياسية.
وأصبح السيسي (64 عاماً) الآن يتمتع بصلاحيات أكثر من تلك التي حظي بها سابقوه، ويتناقض هذا النفوذ المتزايد الذي يكتسبه تناقضاً صارخاً مع الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت الجزائر والسودان في الأسابيع الأخيرة، والتي أطاحت برئيسي البلدين. إذ يعدُّ إقرار هذه التعديلات أحدث المؤشرات، وربما أكثرها إيلاماً، على أن ثورة الربيع العربي التي اندلعت في مصر عام 2011 وأطاحت بالرئيس حسني مبارك، قد فشلت في تحقيق الإصلاحات الديمقراطية التي كان الكثير من المصريين يصبون إليها ويقاتلون لتحقيقها.
بل أصبح معارضو السيسي يخشون توسيع نطاق حملة القمع ضد منتقديه ومعارضيه، والتي نتج عنها بالفعل سجن عشرات الآلاف من المصريين، وتكميم وسائل الإعلام المستقلة والنشاط السياسي، وحظر مئات المواقع الإلكترونية التي يُعتقد أنها تنتقد السيسي.
السيسي فخور بمشاركة المصريين!
والآن أصبحت فترة ولاية السيسي الحالية -أُعيد انتخابه العام الماضي في انتخابات شابتها أيضاً اعتقالات وترهيب للمعارضين- ممتدة لعامين آخرين، وأصبح من حقه الترشح مرة أخرى عام 2024 لولاية أخرى مدتها ست سنوات. وتمنحه هذه التعديلات صلاحيات في تعيين القضاة وتمكّنه من زيادة نفوذ الجيش، الذي كان السيسي قائده يوماً، والذي لا يزال أقوى الهيئات المصرية في الساحة السياسية.
وفي بيان على حسابه الرسمي على تويتر، أشاد السيسي بالإقبال على التصويت ودعم تمديد حكمه، بقوله: "تحية تقدير واعتزاز للشعب المصري العظيم، الذي أبهر العالم بوعيه القومي بالتحديات التي تواجه مصرنا العزيزة".
لكن بعض القوى المعارضة رفضت هذا الاستفتاء ونتائجه.
إذ قالت مجموعة من الشخصيات البارزة في المعارضة المصرية، التي يعيش معظمها في المنفى، في بيان صدر أمس الثلاثاء: "نعلن عدم الإقرار بأية نتائج مترتبة على الاستفتاء الباطل، موضوعاً وشكلاً. واعتبار مصر في حالة أزمة دستورية، بعد أن أسقطت السلطة كل معنى للشرعية"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
استفتاء خاطف!
قال منتقدون إن التصويت الخاطف، الذي جاء بعد ثلاثة أيام من تصويت النواب لطرح التعديلات للاستفتاء الشعبي لم يوفر وقتاً كافياً لتوعية المصريين بإجراءات التعديلات الدستورية أو السماح للمعارضة بالاستعداد. وشابت الأيام الثلاثة التي أُجري خلالها التصويت، والتي كان آخرها يوم الإثنين 22 أبريل/نيسان، بعض المخالفات أيضاً، ومنها توزيع كراتين الغذاء مقابل الأصوات.
وأبدى الكثير من المصريين، ومنتقدو السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي اعتراضهم على نسبة إقبال الناخبين التي بلغت 44%.
وغرّد تيموثي كالداس، المحلل بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط الكائن بواشنطن، قائلاً: "نسبة الإقبال التي أعلنوا عنها، والتي بلغت 44% سخيفة. وللعلم، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في عام 2012 عندما كان الناس مدركين للخيارات المختلفة، ومؤمنين بأن أصواتهم ستحدث فرقاً، كانت نسبة الإقبال 46%، أما في هذا التصويت فلا يفهم الكثيرون طبيعة هذه التعديلات، ولا يعتقدون أن أصواتهم ستحدث فرقاً".
وقال أنصار السيسي إن السيسي هو أفضل فرصة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، حتى في الوقت الذي طبق فيه تدابير التقشف التي أدت إلى رفع الأسعار وخفض الدعم. وقال ناخبون آخرون، إنه يؤدي مهمته في مكافحة الإرهاب على الوجه الأمثل، وخاصة الجماعة الشرسة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شمال سيناء في البلاد.
وقال محمد أحمد بهجت (69 عاماً)، وهو عقيد جيش متقاعد ويمتلك مكتبة صغيرة: "لقد زرع الرئيس شجرة طيبة، وحان الوقت للتحلي بالصبر وانتظار ثمارها. لسنا بحاجة إلى رجل آخر ليتولى الرئاسة ويبدأ من جديد، أو لا يفعل شيئاً سوى إلقاء اللوم على من سبقه. لذا من الضروري أن يستمر هذا الرجل"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وكان من النادر أن تجد شخصاً صوت ضد التعديلات. أو أولئك الذين يقرون بأن تصويتهم عديم الجدوى.
وقال ياسر محمد (49 عاماً)، وهو موظف حكومي قال إنه صوت بـ "لا": "لقد اتخذت الحكومة قرارها بالفعل، بصرف النظر عمّا أعتقده أنا".