أبرزت الهجمات المميتة التي وقعت في سريلانكا الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، مدى سهولة تمزيق التعايش الديني في منطقة تَضعُف فيها "العلمانية"، وسط تزايد جاذبية السياسات القائمة على الهوية العرقية والطائفية.
ففي الهند، يستغل الحزب الهندوسي اليميني الحاكم في البلاد الدين من أجل حصد الأصوات؛ وهو ما أدى إلى تعزيز فلسفة "إما نحن وإما هم"، التي تركت المسلمين يخشون القتل إذا ساروا وحدهم.
أما في ميانمار، دبَّر القادة العسكريون البوذيون بالبلاد حملة مرعبة من التطهير العرقي استهدفت مسلمي الروهينغا في البلاد.
وفي إندونيسيا وبنغلاديش، يتبنى السياسيون المسلمون المعتدلون تقليدياً مواقف أكثر تشدداً، من أجل جذب ناخبين محافظين أكثر.
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن تفجيرات الكنائس الثلاث في سريلانكا، يوم عيد الفصح، الأحد 21 أبريل/نيسان 2019، سلطت الضوء على ضعف المسيحيين في آسيا، حيث ضَعفت الأقليات الدينية من عدة أديان، من جراء هذه الموجة من القومية والسياسات الطائفية.
الهجمات الأكثر دموية في جنوب آسيا
جدير بالذكر أن التفجيرات تُعتبر الهجمات الأكثر دموية على المسيحيين بجنوب آسيا في الذاكرة الحديثة. وقال البابا فرانسيس بعد الاحتفال بالقداس في ميدان القديس بطرس في الفاتيكان إن التفجيرات التي وقعت في سريلانكا وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص "جلبت حداداً وحزناً" في أهم أيام العطل المسيحية.
يشكِّل المسيحيون 6% فقط من سكان سريلانكا، الذين بالكاد خرجوا من تبعات حرب أهلية مروعة بين الأغلبية البوذية السنهالية والتاميل.
لم يتضح بعدُ مَن نفَّذ تفجيرات يوم الأحد، التي شملت أيضاً هجمات استهدفت ثلاثة فنادق راقية في كولومبو، عاصمة سريلانكا. لكن المسيحيين كانوا هدفاً رئيسياً، وتعرضت عقيدتهم لهجمات متزايدة من المسلحين والسياسيين في جنوب وجنوب شرقي آسيا.
على مدار العام الماضي (2018)، تعرضت الكنائس في الفلبين وإندونيسيا لتفجيرات مميتة على أيدي مسلحين يدَّعون ولاءهم لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
"بقايا حقبة استعمارية بريطانية"
في الهند، استهدف اليمين الهندوسي، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الأقليات المسلمة والمسيحية، والأخيرة على وجه الخصوص، بسبب "ارتباطها الرمزي بالاستعمار البريطاني".
وبحسب الصحيفة الأمريكية، أسس الحزب الحاكم في بنغلاديش، حزب "رابطة عوامي" ذو الميول العلمانية، شراكة مع رجال دين مسلمين محافظين يدعون باستمرار إلى اضطهاد الأقليات الدينية، وضمن ذلك المسيحيون.
في ميانمار، تخشى الأقليات المسيحية من أن تكون الأهدافَ التالية للحكومة التي يهيمن عليها البوذيون.
وفي سريلانكا، أثارت قوة سياسية قومية بوذية سيئةٌ الغضب ضد الأقليات المسيحية والمسلمة، واصفةً إياهم بأنهم بقايا حقبة استعمارية بريطانية جرى خلالها قمع الغالبية البوذية.
وقال جالاجودا ناناسارا، وهو راهب بوذي متشدد بسريلانكا، في مقابلة قبل أن يُسجن بتهمة ازدراء المحكمة العام الماضي (2018): "نرى كيف تأتي هذه الجماعات المسيحية المتطرفة من الغرب إلى هنا وتحاول تحويل البوذيين (إلى ديانتها). لا يمكننا السماح بحدوث ذلك بعد الآن".
المسلمون والمسيحيون يواجهون الاضطهاد في سريلانكا
منذ أسبوع، في يوم أحد الشعانين -بداية الأسبوع المقدس المسيحي الذي ينتهي بعيد الفصح- تجمَّع حشد من الغالبية البوذية السنهالية في سريلانكا بمبنى مسيحي تابع للطائفة الميثودية في مدينة أنورادابورا، وقصفوا المبنى بالحجارة والمفرقعات النارية والمصلين بالداخل .
في العام الماضي، شنت حشود من السنهاليين، مدفوعة بخطاب تحريضي من الرهبان البوذيين المتطرفين، هجمات مميتة على المسلمين بالقرب من مدينة كاندي، وهي الأحدث في سلسلة من أعمال الشغب المعادية للمسلمين بسريلانكا.
وقال روكي فرناندو، وهو ناشط روماني كاثوليكي بمجال حقوق الإنسان في كولومبو: "يواجه المسلمون والمسيحيون، خاصةً المسيحيين الإنجيليين، الاضطهاد على مدار سنوات عديدة في سريلانكا، لكن نطاق الهجمات الحالية وطبيعتها غير مسبوقَين".
المسيحيون مضطهدون في الهند أيضاً
في الهند، يشكل المسيحيون 2% فقط من السكان. لكن منذ أن تولى حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، الذي يتزعمه مودي، السلطة في عام 2014، تعرض ما يقرب من 30 مليون مسيحي بالهند للمضايقات.
وفي إطار حملة أوسع نطاقاً على الآلاف من المنظمات التي تتلقى تمويلاً أجنبياً، جرى إغلاق مؤسسة خيرية مسيحية كبرى تدعى Compassion International، عام 2017، وسط اتهامات بأنها العقل المدبر لتحويل المعتقدات الدينية.
في وقت لاحق من ذلك العام، تعرض منشدو ترنيمات عيد الميلاد المرتبطين بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية للاعتداء على يد الهندوس في ولاية ماديا براديش. واحتجزت السلطات ثمانية قساوسة ذهبوا إلى مركز الشرطة لطلب المساعدة. إلى جانب ذلك، أُشعلت النيران في سياراتهم خارج القسم.
في إحدى المدن بشمال الهند، أرسلت مجموعة هندوسية يمينية متطرفة رسائل إلى المدارس تحذّر المسؤولين من تداعيات الاحتفال بعيد الميلاد في الفصول الدراسية.
وجدت المسيحية الإنجيلية أرضاً خصبة بجميع أنحاء آسيا، حيث تسبب معدل التحول الديني السريع في توترات من الهند إلى إندونيسيا. وفرَّ آلاف المتحولين الباكستانيين إلى تايلاند، حيث يخشون ترحيلهم في أي وقت.
وقبل ثلاث سنوات في عيد الفصح، استهدف مهاجم انتحاريٌّ المسيحيين في حديقة بمدينة لاهور الباكستانية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصاً.
وحتى في إندونيسيا ذات الغالبية المسلمة، التي أجرت انتخابات سلميةً الأربعاء 17 أبريل/نيسان 2019، أسهمت السياسة القائمة على العقيدة في تغيير المشهد السياسي، إذ يتصاعد اضطهاد الأقليات الدينية مع عدم سعي السياسيين المعتدلين لاحتواء ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن مئات الكنائس قد أُجبرت على الإغلاق في إندونيسيا، التي يمثل المسيحيون 10% من سكانها. كذلك، فـ "التبشير" محظور في البلاد، رغم أن حرية الدين مكفولة بموجب دستور البلاد.
وفشل الرئيس جوكو ويدودو، وهو مسلم معتدل، في الدفاع عن حاكم جاكرتا السابق باسوكي تجاهاجا بورناما، الذي كان يعيش في ظل حماية جوكو فترة طويلة. يبدو أن جوكو قد نجح في الحصول على فترة ولاية ثانية في انتخابات هذا الشهر (أبريل/نيسان 2019)، بعد أن نجا من حملة تشهير سياسية ضمنية، مفادها أنه مسلم غير متدين.