لم يقتصر دور الأجهزة السيادية المصرية على الترويج للتعديلات الدستورية بل وصل إلى الضغط على أصحاب المتاجر في القاهرة وغيرها من المحافظات من أجل دعم الحملة المؤيدة لدعم هذه التعديلات، بحسب تقرير لموقع موقع Middle East Eye البريطاني.
ويملك أحمد كشكاً لبيع السجائر والوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية في حي عين شمس بالقاهرة الذي تسكنه الطبقة العاملة، وكان يُعلِّق منذ سبع سنوات صورةً لابنه محمد على واجهة محله. ففي يناير/كانون الثاني 2011، أطلقت الشرطة النار على الابن صاحب البضع والعشرين عاماً أثناء الاحتجاجات، وأردته قتيلاً.
دعم الحملة بالقوة
لكن في وقتٍ سابق من هذا الشهر أبريل/نيسان، تلقَّى أحمد مكالمةً من قسم الشرطة تخبره بأنَّه سيكون عليه وضع لافتة أخرى محل صورة ابنه، لافتة قال إنَّها تدعم التعديلات الدستورية المقترحة.
وقال أحمد: "لا نعرف أي شيء عن التعديلات أو الدستور. جاءت الشرطة إلى الكشك وأمروني بمنحهم 1500 جنيه مصري (87 دولاراً) حتى يُعلِّقوا لافتةً كبيرة".
هذه التعديلات المقترحة، التي يجري العمل عليها منذ أشهر، من شأنها مدُّ حكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حتى عام 2030.
وأعلنت هيئة الانتخابات في البلاد هذا الأسبوع، بعد يومٍ واحد فقط من موافقة البرلمان الساحقة على التعديلات، أنَّ التصويت في الاستفتاء سيبدأ اليوم الجمعة 20 أبريل/نيسان ويتواصل حتى الإثنين 22 أبريل/نيسان.
في هذه الأثناء، حجبت الدولة أكثر من 34 ألف موقع على شبكة الإنترنت، في محاولةٍ لتقييد حملة تقودها المعارضة أُطلِقَت في محاولةٍ لحشد المصريين ضد التعديلات، التي يقول النشطاء والمجموعات الحقوقية إنَّها لن تُسهِم إلا في تكريس الحكم العسكري في البلاد.
رشوة وترهيب المصوتين
لكن بالإضافة إلى إغلاق المواقع والمضي قدماً في الاستفتاء بسرعة، قال أكثر من 12 مصرياً لموقع Middle East Eye البريطاني إنَّ الدولة حشدت كذلك الموارد والأفراد لرشوة وترهيب المصوتين، ودفعهم لدعم التعديلات.
فكما هو الحال مع أحمد، مالِك الكشك في عين شمس، يُصرِّح أصحاب متاجر وشركات ومطاعم وأفراد من عائلات النخبة من مناطق مختلفة في البلاد للموقع بأنَّ المسؤولين الأمنيين يجبرونهم على تعليق لافتات داعمة للتعديلات، وفوق هذا يجبرونهم على دفع أموالها.
ويقول البعض إنَّ الشرطة هدَّدت بإعادة فتح تحقيقاٍت مغلقة أو إلغاء تصاريح أعمالهم التجارية إن لم يُعلِّقوا اللافتات، التي تبلغ تكلفة كلٍ منها أقل بقليل من 30 دولاراً. وتطلب الشرطة تعليق أعداد مختلفة من اللافتات بحسب نوع كل شركة أو مشروع. فبحسب المقابلات التي أجراها الموقع، يدفع مالِك الكشك مقابل لافتتين، في حين تعين على أحد مطاعم المأكولات البحرية تعليق خمس لافتات.
ووفقاً لمصادر متعددة، فإنَّ اللافتات جزءٌ من حملة يُنظِّمها حزب "مستقبل وطن"، وهو حزب سياسي يُعتَقَد على نطاقٍ واسع أنَّه تابع للمخابرات المصرية، وتشكَّل عقب انقلاب 2013. ويسيطر الحزب الآن على ثاني أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
يُنظِّم الحزب منذ عام 2018 قوافل طبية، ويفتح منافذ لبيع المواد الغذائية والملابس المدرسية المُدعَّمة في قرى البلاد الأكثر فقراً.
وقال مصدر في المخابرات العامة للموقع إنَّ الحزب الآن يقوم بالحشد لدعم حملة الاستفتاء بسبب وجود مخاوف جدية من أنَّ المصريين سيُصوِّتون بـ"لا".
"اعمل الصح"
للمُلصقات التي عُلِّقَت في أنحاء البلاد هذا الأسبوع نفس الإطار والألوان، وتحمل شعارات وطنية مثل "المشاركة مسؤولية" و"اعمل الصح" (افعل الصواب)، والذي يعني أيضاً "وضع علامة صح داخل مربع الاختيار" في ورقة الاستفتاء، بحسب الموقع البريطاني.
ظهر الشعار نفسه في العديد من الأغاني المُحفِّزة التي أصدرها عددٌ من المطربين الشعبيين هذا الشهر، بما في ذلك أغنية "اعمل الصح" للمطرب مصطفى حجاج، و"عايزين دستور جديد" (نريد دستوراً جديداً) للمطرب شعبان عبد الرحيم. وتُبَثُّ الأغاني على التلفزيون المصري والقنوات الفضائية السعودية بصورة منتظمة بين الفقرات الإعلانية.
وتحمل الكثير من لافتات الحملة التي عُلِّقَت اسم المتجر أو الشخص الذي تكفَّل بالملصقات، الأمر الذي يمنح الانطباع بأنَّ هناك دعماً شعبياً متنامياً للتعديلات، وأنَّ اللافتات والمُلصقَات عُلِّقَت تطوعاً.
وفي حين من المفهوم بصفة عامة بين المصريين أنَّ الحزب هو القوة التي تقف خلف الحملة، فشعار الحزب مطبوع على بعض اللافتات، وقام برعاية بعض الحفلات في الشوارع دعماً للتعديلات، فإنَّ هذه هي المرة الأولى التي تفيد فيها التقارير بأنَّ الحزب هو القوة التي تقف خلف اللافتات.
وصرَّح مصدرٌ يعمل في محافظة القاهرة، طلب عدم الكشف عن هويته وأكَّد أنَّ الحزب يقف خلف الحملة، بأنَّ الشرطة تأخذ المال من أصحاب المتاجر والمحلات وتمنحها للمحافظات والمحليات، التي تعمل بعد ذلك مع الحزب لتعليق الملصقات، بحسب الموقع البريطاني.
وفي القاهرة، صرَّح تسعةٌ من أصحاب المحال في أحياء عدة مختلفة للموقع بأنَّ أشخاصاً من أقسام الشرطة القريبة أمروهم بتقديم المال بغرض تعليق الملصقات.
فقال محمد، الذي يملك مقهى في حي هليوبوليس، لموقع Middle East Eye إنَّه أُجبِر على دفع ألف جنيه مصري (58 دولاراً) لتعليق لافتتين.
وأضاف: "جاء شرطيان بلباسٍ مدني، وهدَّدا بأنّي يجب أن أُجهِّز المال وإلا سيُلفِّقا اتهاماتٍ بحقي ويُغلقا المقهى".
وتابع: "نحن مقهى صغير، لكن هناك شركات ومطاعم فخمة دفعت ما يصل إلى 9 آلاف جنيه (523 دولاراً) لتجنُّب المشكلات ومضايقات الحكومة".
وفي حين اضطر محمد لتعليق لافتتين، اضطر حسن، مالِك أحد المطاعم في مدينة نصر، لتعليق خمس لافتات.
فتح الملفات القديمة
وصرَّح حسن للموقع: "اتصل بي مكتب التحقيقات في قسم الشرطة، وطلب مني 5000 جنيه (290 دولاراً) من أجل 10 لافتات كبيرة، وإلا سيعيد فتح قضيةٍ ضدي".
وما هي القضية؟ قال حسن إنَّه وضع قبل سنواتٍ طاولات في الخارج بالشارع، وهو أسلوب شائع بين مطاعم القاهرة، لكنَّه يُعَد توسُّعاً مخالفاً بموجب القانون. لم تُحال قضيته إلى أي محكمة قط، لكنَّه يخشى من إمكانية حدوث ذلك إن لم يُعلِّق اللافتات، بحسب الموقع البريطاني.
وقال: "الناس يفعلون ذلك لأنَّهم خائفون، لكنَّ الجميع يعرفون أنَّهم مُضطرون، وإلا سنكون بلا عمل. وحتى أثرى وأقوى الشركات ستلتزم بالأوامر. ولا يجرؤ أحد على التحدُّث".
وفي المناطق الأكثر فقراً بالعاصمة، قال السكان للموقع إنَّ المسؤولين الحكوميين قد تعاونوا مع أعضاء البرلمان عن حزب مستقبل وطن لحشد المدنيين. وفي حي السيدة زينب الذي تقطنه الطبقة العاملة، قال سعيد، الذي يملك محل عصير، إنَّ المسؤولين جاؤوا إلى محله وأمروه بـ"الاستعانة بمنسق موسيقى (DJ) واصطحاب 50 شخصاً إلى أقرب مركز اقتراع".
وأضاف سعيد: "قالوا إنَّ الخمسين يجب أن يحتفوا ويهتفوا للدستور لثلاثة أيام، وإنَّ عليهم البقاء هناك عند تصوير المحطات التلفزيونية"، مُضيفاً أنَّه سيُصوِّت ضد الدستور.
وأضاف: "في العلن، سأتصرف على اعتبار أنَّي سأصوت بنعم، لكن بيني وبين الله، سأقول لا لأنَّ هذا القمع يجب أن ينتهي".
"مَن نحن لنتدخَّل؟"
وفي مدينة الأقصر السياحية الواقعة على بُعد أكثر من ثلاثمائة ميل (483 كيلومتراً تقريباً) جنوباً، قال العاملون في السوق السياحي للموقع إنَّ مُلَّاك شركاتهم خضعوا لنفس المعاملة.
فصرَّح سعود، أحد العاملين في السوق، بأنَّ مالك المتجر الذي يعمل به سيتعين عليه تأجير سيارة أجرة مايكروباص وملأها بالناس للهتاف للتعديلات الدستورية والجيش والسيسي أمام مراكز الاقتراع وطواقم التصوير.
في هذه الأثناء بمحافظة شمال سيناء المضطربة، قالت قبائل وأصحاب أعمال للموقع إنَّهم تعهَّدوا بالولاء بصورة مماثلة، لكن بعكس الآخرين، لم يُجبروا على ذلك بالتهديدات.
فقال أحد شيوخ قبيلة الترابين، التي تقاتل متمردي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إلى جانب صفوف الجيش في المنطقة: "كل القبائل تُعلِّق لافتاتها في المدن الكبرى. لم يهددنا أحد. لكنَّنا فكرنا في الأمر باعتباره رشوةً حتى يعاملونا بصورة أفضل ويسمحوا لنا بمواصلة تجارتنا وإطلاق سراح أبناء القبائل المعتقلين".
لكن في المقابل، نفى ممثل عن مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية أن تكون الشرطة مشاركةً "بأي شكل" في تعليق اللافتات.
وعند سؤاله عما إن كانت المحال الحاصلة على تراخيص مُطالَبة قانوناً بتعليق اللافتات، قال الممثل: "شخصٌ يحب بلده ويريد إظهار ذلك. مَن نحن لنتدخَّل في ذلك؟".
اتصل موقع Middle East Eye كذلك بمقر حزب مستقبل وطن، وسأل عما إذا كان الحزب على علم بمشاركة الشرطة في الحملة. وأنهى مسؤول بأمانة إعلام الحزب المكالمة بعد سماع الأسئلة كاملةً.