استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء 16 أبريل/نيسان، حق الفيتو ضد قرارٍ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذي كان سيجبر إدارته على إنهاء الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية في حربها باليمن.
وتُعَدُّ هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الكونغرس إلى قرار سلطات الحرب الذي صدر عام 1973 (ويشار إليه في كثير من الأحيان باسم "قانون سلطات الحرب")، والذي يحد من قدرة الرئيس على تكليف القوات الأمريكية بمهام في الخارج دون موافقة الكونغرس.
قرار ترامب قد يؤدي إلى صدور حكم من المحكمة العليا
تقرير لشبكة CNN الأمريكية أشار إلى أن قرار ترامب قد يؤدي إلى صدور حكم من المحكمة العليا بشأن دستورية قرار سلطات الحرب، وهو الحُكم الذي من شأنه أن يوسِّع سلطة الرئيس في استخدام القوة العسكرية في الخارج أو يحد منها بدرجةٍ كبيرة.
يُذكَر أنَّ قرار سلطات الحرب صدر في عام 1973 -رداً على ما اعتبره البعض تكليفاً أحادياً من السلطة التنفيذية للجيش الأمريكي بمهام طويلة الأجل في كوريا وفيتنام. وتُعَد الأحكام الأساسية للقرار سهلة الفهم، إذ يجب على الرئيس إبلاغ الكونغرس في غضون 48 ساعة عن "مشاركة القوات المسلحة للولايات المتحدة في أعمالٍ قتالية خارج أراضي الولايات المتحدة". ويمتلك الرئيس حرية التصرف لمدة 60 يوماً. وفي حال عدم موافقة الكونغرس على إجراءاته في تلك المدة الزمنية، يُصبح أمامه 30 يوماً إضافية لسحب القوات بأمان.
ولم يلجأ الكونغرس إلى سلطته المفروضة بموجب قرار سلطات الحرب على مدار أكثر من 40 عاماً. لماذا؟ لأن الرؤساء كانوا يسعون للحصول على إذنٍ من الكونغرس بإجراءاتهم ويُبلغون الكونغرس في غضون 48 ساعة. وفي الحقيقة، فعل الرؤساء ذلك أكثر من 165 مرة منذ صدور القرار.
ولكنْ ثمة سببٌ آخر وراء عدم لجوء الكونغرس إلى هذا القرار
فلدى الكونغرس مخاوف بشأن عدم دستوريه القرار، إذ ينص القسم الثاني من المادة رقم 2 في دستور الولايات المتحدة على أنَّ "الرئيس يُصبح القائد الأعلى للجيش والبحرية في الولايات المتحدة". بينما يمنح الدستور الكونغرس سلطة إعلان الحرب والسيطرة على التمويل العسكري و "وضع قواعد للحكومة وتنظيم القوات البرية والبحرية". ولا توجد أي مادة في الدستور تمنح الكونغرس سلطة نشر قواتٍ في الخارج أو الأمر بانسحابها.
ومن ثَمَّ، يمكن القول إنَّ قرار سلطات الحرب يُشكِّل قيداً غير دستوري على السلطة التنفيذية. لكننا لا نعلم، لأنَّه لم يكن هناك داعٍ لأن تُصدِر المحكمة العُليا قراراً يفصل في ذلك – حتى الآن.
وجاء قرار الحزبين بإنهاء الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية في حربها باليمن إثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي بأمرٍ من محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي (الذي ينفي تورُّطه تماماً في تلك الجريمة). إذ أسفر مقتل خاشقجي عن تسليط الضوء مُجدَّداً على بن سلمان، والكارثة الإنسانية في اليمن، ودعم إدارة ترامب للمملكة العربية السعودية بشكلٍ يبدو مُطلقاً -نتيجة العلاقة القوية بين جاريد كوشنر، مستشار ترامب، وولي العهد السعودي.
وهذا بالإضافة إلى أنَّ منظمة هيومن رايتس ووتش ذكرت أنَّ أكثر من 6800 مدني قُتِلوا في اليمن منذ بداية الحرب حتى نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي 2018. وعلى حد تعبير قرار الكونغرس، فالولايات المتحدة لها دورٌ في هذه الوفيات، إذ وفرت للسعوديين إمكانية "التزود بالوقود جواً والمساعدة في تحديد الأهداف".
ووصف بيان ترامب الذي أعلن فيه استخدامه حق الفيتو هذا القرار بأنَّه "محاولة غير ضرورية وخطرة لإضعاف سلطاتي الدستورية". ولا توجد أصوات كافية لإبطال الفيتو، بافتراض عدم حدوث تغيير كبير في الأصوات المؤيدة للقرار والرافضة له.
يحق للكونغرس استدعاء الرئيس امام المحكمة العليا
لكنَّ ذلك لا يعني بالضرورة أنَّ ترامب فاز بهذه المعركة؛ إذ يحق للكونغرس استدعاء الرئيس أمام المحكمة بسبب انتهاكه قرار سلطات الحرب، وقد تُصدر المحكمة قراراً يسفر عن تداعيات مهمة على صعيد السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
إذ من المفترض أن تصل القضية إلى المحكمة العليا، وإذا قررت المحكمة أنَّ القانون غير دستوري، فسيؤدي ذلك إلى إزالة أحد القيود القليلة للغاية المفروضة على قدرة الرئيس على المشاركة "في أعمال قتالية خارج أراضي الولايات المتحدة".
صحيحٌ أنَّ الكونغرس لديه بعض القيود على سلطة الرئيس في هذا الصدد، لكنَّ تلك القيود محدودة عملياً. إذ يتمتع الكونغرس بسلطة إعلان الحرب، لكنَّ الولايات المتحدة خاضت خمس حروب معلنة فقط، ولم تخض أي حربٍ مُعلنة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويسيطر الكونغرس كذلك على "طريقة إنفاق الأموال"، ولا يُريد غالبية أعضاء الكونغرس أن يُتَّهموا "بالتقاعس عن دعم قواتنا" برفض التمويل العسكري، حتى في حال موافقة بعض التقدميين والليبراليين على قطع التمويل عن القوات الأمريكية.
بإمكان الكونغرس إصدار قرار بسحب القوات الأمريكية من أي بلد
أمَّا في حال قررت المحكمة أنَّ القانون دستوري، فقد تكون النتيجة أكثر دراماتيكية. صحيحٌ أنَّ حروب العراق وأفغانستان مُرخَّص بها صراحةً من جانب الكونغرس، لكنَّ الإدارات الحديثة برَّرت العمليات العسكرية في الخارج، بداية من الصومال ووصولاً إلى سوريا وباكستان، بأنَّها تندرج تحت ترخيص استخدام القوة العسكرية الذي صدر عام 2001. ويمنح هذا الترخيص للرئيس صلاحيةً مباشرة لاستخدام القوة العسكرية من أجل محاربة تنظيم القاعدة ومنعه من الانخراط في "أعمال إرهاب دولي ضد الولايات المتحدة مُستقبلاً"، لكنَّه ترخيص يحتمل العديد من التفسيرات. وبالتالي يستطيع الكونغرس أن يفرض قراراً بسحب القوات الأمريكية من أي بلدٍ أو صراع غير مُصرَّح بمشاركتها فيه صراحةً بموجب ترخيص استخدام القوة العسكرية، أو أي تشريع آخر، في حال أصدرت المحكمة قراراً بدستورية قانون سلطات الحرب.
وبالطبع، لا يجب الطعن في قرار سلطات الحرب أمام المحكمة. ومن الممكن بالتأكيد أن يتوصل الرئيس والكونغرس إلى حلٍ وسط بشأن دعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية. ويجب أن يُظهِر الكونغرس أنَّ ترامب حاول بالفعل تقديم تنازلات والتوصل إلى حلٍّ وسط، لكي يحظى بإمكانية مقاضاة الرئيس.
إذ يُؤكِّد البنتاغون أنَّ "الجيش الأمريكي لا يشارك في الأعمال القتالية التي تجري في اليمن أو تؤثر فيها"، لكنَّه يُقرِّ بأنَّه ما زال يقدم "دعماً محدوداً غير قتالي للتحالف الذي تقوده السعودية"، رغم التوقف عن تزويد الطائرات بالوقود جواً. ومن ثَمَّ، يبدو الحل الوسط قابلاً للتطبيق، إذ يمكن أن يوافق ترامب على عدم استئناف أي مساعدة عسكرية هجومية إضافية، مُقابل موافقة الكونغرس على سحب قراره المشترك.
لكنَّ الحقيقة هي أنَّ الكونغرس يريد أن يبعث برسالةٍ أكبر إلى البيت الأبيض بشأن دعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية ومبيعات الأسلحة إليها. ويبدو أنَّ ترامب غير مستعد لاتخاذ أي إجراءات قد "تضر بالعلاقات الثنائية" مع المملكة.