بعد أن هدأت عاصفة التصريحات وتغريدات الفرح والشماتة من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تقرير مولر، حان الوقت لنسمع رأي خبراء القانون فيما انتهى إليه التحقيق، وهل النتيجة القاطعة التي أعلنها المدعي العام ويليام بار بأنه لا يوجد تواطؤ مع روسيا من جانب حملة ترامب الانتخابية، ولا يوجد عرقلة للعدالة من جانب ترامب شخصياً هي بالفعل ما يقوله التقرير؟
الواقع أن النسخة المنقحة من التقرير البالغ 458 صفحة تقول شيئاً مختلفاً تماماً، حيث يوضح وجود صلات متكررة بين حملة ترامب وروسيا كما يحتوي التقرير على 10 مواقف على الأقل تمثل عرقلة للعدالة حاول فيها ترامب بشتى الطرق تعطيل تحقيقات مولر، وذلك بحسب رأي خبراء قانون قرأوا التقرير وأجابوا عن أسئلة موقع فوكس الأمريكي الجمعة 19 إبريل/نيسان 2019.
التقرير يدينك سيدي الرئيس
"لو كان السيد دونالد ترامب وليس الرئيس دونالد ترامب هو المعنيّ بتحقيق كهذا لكان الآن خلف القضبان بتهمة عرقلة العدالة، لكن المدعي العام بار وضع متاريس لحماية الرئيس، فاليوم بعد أن رأينا التقرير نرى أن مولر توصل إلى أخطاء جوهرية كان من شأنها أن تسبب طاعوناً، وربما تنهي أي رئيس آخر في تاريخ أمريكا. اليوم نعرف أن عدم توجيه تهمة عرقلة العدالة لترامب يرجع لسببين، الأول عدم تمكن مولر من استجواب ترامب، لأنه تمترس خلف حصانة منصبه، والثاني قيام موظفي ترامب بحمايته من التعرض للمساءلة القانونية سواء كانوا مجبرين أو برضاهم"، بحسب جيسيكا ليفنسون، أستاذة القانون في كلية الحقوق ليولا.
"عنوان التقرير (كما وضعه بار) يساعد ترامب لكن التقرير نفسه يدينه بلا شك"، أضافت جيسيكا.
الرأي نفسه أكدته ميريام باير، أستاذة القانون في كلية حقوق بركلين، مضيفة أن التقرير ينقسم لجزأين، الأول يتناول تهمة التواطؤ والتنقيحات التي طالت النسخة المنشورة ليست كثيرة، والثاني يتعلق بعرقلة العدالة والتنقيحات به أقل "والسؤال الآن: لماذا تأخر بار في نشر التقرير من الأساس؟ خصوصاً في ضوء طبيعة المعلومات به وهي مدعاة لتوجيه الاتهام دون أدنى شك".
"حتى لو كانت كل حادثة حقق فيها التقرير ليست لا تمثل بمفردها دليل إدانة (وهذا أمر جدلي من الناحية القانونية)، فإن تلك الحوادث المرصودة مجتمعة تمثل رغبة صارخة في تجاهل القانون وعدم الاعتداد به من جانب ترامب.
"يمكن لأنصار ترامب أن يسموها تبرئة كما يشاؤون، لكن معارضيه لديهم الآن خارطة طريق للبدء في إجراءات عزله".
الكونغرس لديه الآن سلاح العزل
ستيفن لوجمسكي، أستاذ القانون بجامعة واشنطن، يرى أن ملخص التقرير الذي أعده بار بعناية وتناوله الإعلام بعناوين تبرئة ترامب اتضح الآن بعد نشر التقرير أنه لا يمثل الحقيقة على أقل تقدير.
"لقد بدا أن بار (وليس مولر) قد منح ترامب صك براءة لا يستحقه، فالعكس تماماً هو ما يظهره التقرير. القسم الذي يحمل عنوان "حملة ترامب وتفصيل المواد التي تم اختراقها" تعرض لتنقيح مبالغ فيه، ولكن حتى النسخة المنقحة تظهر أدلة واضحة على وجود مؤامرة وإلا ما هو تفسير مشاركة بول مانافورت لبيانات التصويت الداخلية وتحديثات أخرى من الحملة مع الروس؟ وترويج الحملة لتغريدات ومحتوى سياسي كثيف قامت بإعداده عملية القرصنة الروسية ودعوة ترامب العلنية لروسيا للبحث عن إيميلات هيلاري كلينتون المفقودة.. هذه التفاصيل وغيرها تؤكد وجود التواطؤ ولا ينفيها غياب الدليل المادي الذي يرقى للإدانة".
ويضيف لوجمسكي أن الكونغرس لا يخضع لنفس القواعد القانونية التي طبقها بار في تفسيره لتقرير مولر، كما أنه لا تزال هناك فرصة أمام الكونغرس للوصول إلى الأجزاء التي نقحها بار، وبالتالي المعركة القانونية والسياسية بدأت الآن فقط وهو العكس تماماً مما يروج له ترامب وأنصاره.
إمكانية الإدانة قائمة
بيتر مارغوليس، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة روجر ويليام، يرى أن التقرير رسم صورة واضحة لرئيس (ترامب) يحاول جاهداً أن يقوض التحقيقات، وهذا السلوك المتكرر واضح ومرصود في التقرير، وهو ما يقدم خارطة طريق لمحاكمة ترامب بتهمة عرقلة العدالة، لكن امتناع مولر عن توجيه الاتهام بشكل صريح يرجع لإشكالية محاكمة الرئيس أثناء وجوده في المنصب، وبالتالي تظل إمكانية محاكمته بعد ترك المنصب قائمة.
وأضاف مارغوليس أن الكونغرس يمكنه البدء في إجراءات عزل ترامب بناء على ما ورد في التقرير، لكنها ستظل معركة سياسية غير مضمونة العواقب.
من جانبه، لخص كيث ويتنجتون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون، قصة تقرير مولر قائلاً: "لو أن هذا التقرير عنوانه البراءة الكاملة لترامب، فكيف يكون شكل التقرير الذي يدينه؟!".
"النقطة الجيدة لمعسكر ترامب هي عدم توصل مولر وفريقه لأدلة دامغة كي يوجه اتهاماً جنائياً في دعوى التواطؤ، لكن النقطة السيئة هي أن الحملة أظهرت رغبة لا تقبل الجدل في الاستفادة من التأثير الروسي في انتخابات 2016 كما أنه واضح جداً أن روسيا بذلت جهوداً كبيرة للتدخل في الانتخابات".
وفيما يخص عرقلة العدالة، يرى ويتنجتون أن التقرير أوضح رغبة ترامب في عرقلة التحقيق أكثر من مرة، ورغم أنه (ترامب) يمكنه تفسير بعض من تلك التصرفات، لكن المؤكد أن الشيء الوحيد الذي حماه من مواجهة تهمة عرقلة العدالة هي كونه رئيساً حالياً.
بوتين فاز بالرئاسة
فيكتوريا نوريس، أستاذة القانون بجامعة جورج تاون، لخصت قصة التدخل الروسي في الانتخابات بالقول إن تقرير مولر رصد رسالة تقول: "بوتين فاز بالرئاسة" أرسلها كيريل ديمتريف مواطن روسي مقرب من بوتين (الصفحة 149 من تقرير مولر).
"هذه الرسالة تقول كل شيء يجب أن يتذكره الشعب الأمريكي من تحقيق مولر، فالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية حدث دون شك، والأسوأ هو أن التحقيق أظهر أن حملة ترامب "توقعت أن تستفيد" من الأعمال الإجرامية التي قام بها الروس مستهدفين الانتخابات. ربما لا تكون جريمة لأي مواطن أن يتعاون مع جواسيس أو مجرمين، ولا أن يستفيد من خدماتهم لكنها بالتأكيد مستوى متدن بالنسبة للرئيس الأمريكي!".
وتضيف نوريس أن التعامل مع هذه القضية ببنود القانون الجنائي يعتبر خطيئة، فالرئيس يقسم على أن "يضمن تنفيذ القانون بكل إخلاص"، لكن تظل إشكالية محاكمة الرئيس قائمة، وبالتالي الأمر متروك للكونغرس.