حجتهم الرغبة في إصلاح وتحديث المملكة.. عودة الشركات العالمية بهدوء إلى السعودية بعد مقتل خاشقجي

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/19 الساعة 12:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/19 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء الهند يستقبل ولي العهد السعودي/ رويترز


بعد ستة أشهر من قتل عملاء سعوديين للصحفي المرموق جمال خاشقجي وتقطيع جسده، لم تعد الشركات تتجنب السعودية مثلما كان الوضع عقب ارتكاب الجريمة داخل القنصليه السعودية بإسطنبول.

إذ تقول الشركة العملاقة في مجال دور السينما، AMC، إنها سوف تمضي قدماً في خطط توسع طموحة لبناء العشرات من قاعات السينما هناك. واحتشد عشرات المستثمرين الأسبوع الماضي لتقديم طلبات شراء قيمتها 100 مليار دولار لأول طرح لسندات دولية مرتبط بشركة النفط المملوكة للسعودية، كما تجهز شركة جوجل لإنشاء مركز بيانات كبير هناك.

صحيفة The New York Times الأمريكي أشارت في تقرير لها أن شركات كثيرة تزعم أنها تواجدت هناك، للمساعدة على انفتاح المجتمع المحافظ للغاية. إذ أدى عرض فيلم "Black Panther"، من إنتاج Marvel، في قاعة حفلات موسيقية مُعدلة في أوائل عام 2018، لرفع حظر استمر 35 عاماً على قاعات السينما، حضر فيه الرجال والنساء سوياً.

لكنَّ الأمر واضح: ثمة أموال هائلة يمكن جنيها من العمل مع المملكة

تعتقد الشركات الدولية أنه يمكن جني الكثير من الأموال من السعودية التي تعيش على عائدات إحدى أكثر الشركات ربحية في العالم: شركة أرامكو. إذ كشفت أرامكو أنها حققت صافي أرباح بقيمة 111.1 مليار دولار العام الماضي. وهذا الرقم أكبر من صافي أرباح شركات Apple، وRoyal Dutch Shell، وExxon Mobil مجتمعة.

وقال جيه روبنسون وست، المدير الإداري BCG Center for Energy Impact، وهي وحدة استشارية مقرها واشنطن، متحدثاً عن سبب توافد المستثمرين والبنوك على طرح السندات: "ليس الأمر شخصياً".

ترى تلك الشركات أن مقتل خاشقجي أثار جدلاً يجب تجنبه الآن

كان مقتل خاشقجي في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وهو كاتب مقالات رأي لدى صحيفة The Washington Post، تعرض للخنق عند دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، بالنسبة للشركات في جميع أنحاء العالم، جدلاً ينبغي تجنبه، فانسحب قادة الأعمال من مؤتمر رفيع المستوى برعاية الحكومة في الرياض، ومنذ ذلك الحين ظلوا صامتين إلى حد كبير بشأن روابط شركاتهم بالمملكة.

لكنَّ الشركات العالمية والحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد محمد بن سلمان، يعترفون بحاجتهم لبعضهم بعضاً.

ذلك أنَّ ثروات السعودية تنخفض وترتفع مع أسعار النفط. وكذا، فهي تريد على نحو متزايد استثمارات وشركات جديدة لدعم سكانها الآخذين في الزيادة، والبالغ تعدادهم 33 مليون نسمة معظمهم دون الثلاثين عاماً، ولتقليل معدل البطالة الذي يقارب 13٪.

وقد أطلق ولي العهد حملة ترويجية كبيرة عام 2016 لجذب المستثمرين، لكنَّ النتائج كانت ضئيلة، إذ انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2017 إلى أدنى مستوياته في عقد، مسجلاً نحو 1.4 مليار دولار، وذلك بحسب معهد التمويل الدولي وهي منظمة بحثية في واشنطن.

وانخفض الاستثمار جزئياً بسبب المخاوف من طريقة إدارة ولي العهد

إذ احتجز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مئات من رجال الأعمال والأمراء السعوديين في خريف عام 2017، تحت الإقامة الجبرية في فندق ريتز كارلتون في الرياض ومواقع أخرى وسط مزاعم بالفساد.

وأُلقي القبض على نحو 12 ناشطة في شهر مايو/أيار بسبب حملتهن للمطالبة بحقوق أكبر، بما فيها قيادة السيارات، وما زالت بعضهن محتجزات "للاشتباه في إضرارهن بالمصالح السعودية" وأُجلت جلسات محاكمتهن عدة مرات، بما في ذلك الأسبوع الجاري.

وقالت كارين يونغ، وهي باحثة مقيمة لدى مركز American Enterprise Institute في واشنطن، مشيرة إلى مستويات الاستثمار: "لقد ساءت الأمور بدون شك بعد خريف 2017، ولم تتحسن بصورة كبيرة".

لكنَّ حظ  السعودية جعلها تتجاوز الشركات الكبيرة

لكن ارتفاع أسعار النفط بمقدار الثلث العام الجاري إلى حوالي 71 دولاراً للبرميل لخام برنت، جعل  حظ المملكة أفضل بكثير من أن تتجاوزها الشركات الكبيرة. فمن بين الشركات التي أبقت على الشراكة مع السعودية شركة جوجل، وجيه بي مورغان، وتيس، والشركة اليابانية العملاقة في مجال التكنولوجيا، سوفت بنك.

وقال آدم آرون، الرئيس التنفيذي لشركة AMC، في مقابلة صحفية واصفاً قرار شركته بفتح ما لا يقل عن 40 داراً جديدة للسينما بالمملكة خلال السنوات الخمس المقبلة: "لقد فكرناً طويلاً وملياً، وخلصنا إلى أنَّ المسار الأفضل هو المضي قدماً".

وأضاف آرون الشهر الجاري: "هذا هو التصرف السليم الذي ينبغي فعله من أجل الشعب السعودي الذي حُرم من الذهاب إلى السينما لعقود".

وتعمل جوجل، منذ أكثر من عام، على إنشاء مركز بيانات سعودي، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط ويعد مركزاً مهماً لخدماتها للحوسبة السحابية، ولم تؤد الاكتشافات حول مقتل خاشقجي إلى عرقلة خطط الشركة. وعند سؤالها عن عملها مع المملكة قالت إنها وقعت مذكرة تفاهم مع شركة أرامكو السعودية أوائل عام 2018 "لاستكشاف إمكانية إنشاء خدمات سحابية لخدمة عملائنا في الشرق الأوسط".

وأضافت الشركة: "ليس ثمة تحديثات أخرى لمشاركتها في الوقت الراهن".

وألغى الرئيس التنفيذي لشركة جيه بي مورغان، جيمي ديمون، مشاركته في مؤتمر الرياض في شهر أكتوبر/تشرين الأول، لكنه حضر ليدشن عرض صفقة سندات شركة أرامكو السعودية على مستثمرين في نيويورك منذ أسبوعين.

وما زالت مجموعة بلاكستون الاستثمارية تخطط لإنفاق أموال من صندوق للبنية التحتية قيمتها 40 مليار دولار، منها 20 مليار دولار من المفترض أن تأتي من الخزينة السعودية، وذلك بحسب شخص اُطلع على الأمر لكنه لم يُسمح له بالحديث علناً عن الخطط الاستثمارية للشركة.

ولم تواجه شركة سوفت بنك، التي يَعتبر صندوق الرؤية للاستثمار في التكنولوجيا التابع لها وقيمته تقارب 100 مليار دولار الحكومة السعودية أكبر داعميه، أي صعوبة في عقد صفقات باستخدام الأموال السعودية. إذ شاركت في 20 استثماراً منذ ظهور أخبار خاشقجي، وذلك وفقاً لبيانات S&P Global Market Intelligence.

وقال بعض المحللين إنَّ تعليق سندات أرامكو كانت خطوة بارعة من ولي العهد.

إذ جمعت أرامكو 12 مليار دولار من أول طرح لسنداتها على الإطلاق في السوق العالمية. ووضع المستثمرون طلبات شراء بعشرات المليارات من الدولارات في اليوم ذاته الذي منعت فيه وزارة الخارجية 16 سعودياً من دخول الولايات المتحدة للاشتباه في ضلوعهم في قتل خاشقجي.

وقال أيمن كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط بمجموعة أوراسيا، وهي شركة للمخاطر السياسية، متحدثاً عن صفقة السندات هذه: "سوف يحتفل الجميع في السعودية لإتمامهم هذا الأمر وجعله قصة نجاح".

وقد صمتت شركات غربية على الاستثمار في السعودية بعد اختفاء خاشقجي

وعلى الأرجح فالسعودية نشطة، ليس فقط بوصفها مكاناً للاستثمار لكن أيضاً بوصفها مقترضاً ومستثمراً. إذ جمع صندوق الثروة السيادية للبلاد، صندوق الاستثمارات العامة، محفظة من الأصول قيمتها حوالي 300 مليار دولار تشمل حصصاً في شركات التكنولوجيا مثل أوبر وشركة لوسيد لصناعة السيارات الكهربائية. وقال رئيس الصندوق ياسر الرميان في شهر فبراير/شباط إنَّ الصندوق يعتزم فتح مكاتب استثمار في نيويورك وسان فرانسيسكو في وقت يزيد فيه الصندوق من استثماراته.

ومع ذلك فقد قررت بعض الشركات التراجع

إذ أعادت شركة Endeavor، وهي وكالة للمواهب في هوليوود، استثماراً بقيمة 400 مليون دولار من السعوديين العام الجاري وقطعت علاقتها بقادة المملكة. وتراجع رائد الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، الذي عاد من زيارة عام 2017، منبهراً برؤية الأمير محمد، فعلق إدارته لمشروعات سياحية سعودية وقطع المحادثات مع صندوق الاستثمارات العامة، وذلك بعد مقتل خاشقجي.

وإذا ما وقع الأمر غير المحتمل وفعلت شركات غربية أخرى الأمر ذاته، فإنَّ لدى المملكة خطة طوارئ: العمل بشكل متزايد مع الحلفاء في آسيا.

ذلك أنًّ دولاً مثل الصين وكوريا الجنوبية وتايلند قد أصبحت من العملاء الأساسيين للسعوديين في الوقت الذي تقلص فيه الولايات المتحدة اعتمادها على النفط المستورد بسبب إنتاجها من النفط الصخري المحلي.

وكذا، فقد أصبحت الشركة النفطية الصينية العملاقة، Sinopec، من كبار المستثمرين في المملكة، من خلال مشروع تكرير للنفط مشترك مع أرامكو ومنشأة للبحث والتطوير في مجمع تكنولوجي يدعى وادي الظهران للتقنية، في شرق المملكة. ويمثل هذا المجمع التكنولوجي جهداً يبذله السعوديون لإنشاء مركز تكنولوجي حول أرامكو وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، القريبة منها.

وتشمل قائمة الشركات الأخرى المدرجة بوصفها من المستأجرين على موقع المجمع شركات Halliburn، وHoneywell، وSchlumberger، وEmerson Electric، وGeneral Electric، وBaker Hughes، وهي إحدى شركات جنرال إلكتريك.

وقالت شركة أرامكو، يوم الإثنين، إنها بصدد إنفاق 1.25 مليار دولار لشراء حصة في شركة، Hyundai Oil Bank، وهي شركة كورية جنوبية لتكرير النفط، لخلق ما سمته "منفذاً مخصصاً" للنفط الخام السعودي.

والسؤال الآن إذا ما كانت السعودية سوف تستخدم هذا الزخم من بيع سندات أرامكو وكيف يمكنها فعل ذلك. وقال روجر ديوان، نائب رئيس HIS Markit، وهي شركة أبحاث: "لكي يستثمر الناس في السعودية، فهم بحاجة إلى الاعتقاد بأنَّ هذا البلد يسير في الاتجاه الصحيح، لكنَّ الشهور الاثني عشر الماضية لم تكن نموذجية في هذا الصدد".

تحميل المزيد