نُشِرَ تقرير المُحقِّق الخاص روبرت مولر، الخميس 18 أبريل/نيسان، وقدَّم تفاصيل طال انتظارها حول التحقيق في العلاقات المُحتملة بين حملة الرئيس ترامب والتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أُقيمت عام 2016.
وبحسب صحيفة New York Times الأمريكية، احتوى التقرير، الذي لم يعثر على أدلةٍ تُثبِتُ تعاون الحملة مع روسيا بما يكفي لتوجيه تُهَمٍ جنائية، على الكثير من التنقيحات. لكن التقرير المُكوَّن من أكثر من 400 صفحة كشف عدداً من الحقائق أيضاً.
وفي خضم البحث عن الحقائق والتبريرات القانونية، وصف التقرير أيضاً الخسائر التي تكبدَّها ترامب نتيجة التحقيق وتطرَّق إلى المحادثات الخاصة بين الرئيس ومساعديه بالتفصيل. وكانت الأحداث تجري على على صفيحٍ ساخن داخل البيت الأبيض أحياناً.
وإليكم أكثر اللحظات دراماتيكية من تقرير مولر.
"هذه هي نهايتي في الرئاسة"
أصدر ترامب بياناً مُهذباً أمام العامة في أعقاب قرار رود روزنشتاين، نائب وزير العدل الأمريكي، بتعيين مُحققٍ خاص في مايو/أيار عام 2017. وتضمَّن البيان الجملة التي تردَّدت كثيراً طوال فترة التحقيق: "لم يكُن هناك تواطؤ".
لكن رد فعل ترامب كان أكثر عمقاً داخل الغُرف المُغلقة.
إذ انهار الرئيس على مقعده حين نقل إليه جيف سيشنز، وزير العدل آنذاك، تلك الأخبار داخل المكتب البيضاوي. وذكر التقرير أن ترامب قال: "يا إلهي. هذا أمرٌ مُريع. هذه هي نهايتي في الرئاسة"، وختم جملته بلفظة سُباب.
وانتابت ترامب موجة غضبٍ إثر ذلك، ليُلقي باللوم على سيشنز؛ لأنه أعفى نفسه من التحقيق الروسي، وهو الأمر الذي لن يُسامحه عليه أبداً.
وتُشير التقارير إلى أن ترامب قال: "الجميع يُخبرني أن تعيين مُحقِّق مُستقل سيُجهز على فترة رئاستي. وسيستغرق الأمر سنواتٍ طويلة، ولن أتمكن من فعل شيءٍ حياله. هذا أسوأ شيءٍ حدث لي على الإطلاق".
وخلص روبرت مولر، المُحقِّق الخاص، في نهاية المطاف إلى عدم وجود أدلةٍ تكفي لإثبات أن ترامب ومُساعديه تورَّطوا في مُؤامرٍ جنائيةٍ مع روسيا بهدف التأثير على انتخابات عام 2016. لكن مولر ليس على نفس الدرجة من الثقة في ما يتعلَّق بنقطة عرقلة سير العدالة.
واعتبر ويليام بار، وزير العدل الأمريكي، الرئيس بريئاً من تُهمة عرقلة سير العدالة في مؤتمرٍ صحفي أُقيم الخميس؛ إذ قال: "هُناك أدلةٌ قويةٌ تُثبِتُ أن الرئيس كان مُحبطاً وغاضباً نتيجة اعتقاده بأن التحقيق يُقوِّض أساسات رئاسته".
الرئيس يحتفظ بخطاب استقالة سيشنز في جيبه
وطلب ترامب من سيشنز أن يتقدَّم باستقالته غاضباً، في نفس يوم تعيين المُحقِّق الخاص. ولكن مزاج ترامب تغيَّر في اليوم التالي حين قدَّم إليه سيشنز خطاب الاستقالة.
واحتفظ ترامب بالخطاب في جيبه، قبل أن يسأل سيشنز عدَّة مرات عن ما إذا كان يرغب في الاحتفاظ بوظيفته، وصافحه حين أجاب بنعم. لكن التقرير أشار إلى أن ترامب لم يُعِد خطاب الاستقالة إلى سيشنز، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وأعرب رينس بريبوس، كبير مُوظفي البيت الأبيض السابق، وستيف بانون، المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس، عن قلقهما بشأن احتفاظ ترامب بخطاب الاستقالة؛ إذ قال بريبوس لسيشنز إن ذلك الخطاب سيكون أشبه بـ "طوقٍ مُحكم" في يد الرئيس، بحسب التقرير، وإنه سيُمكِّنه من "الإمساك بتلابيب" وزارة العدل.
وحاول بريبوس استعادة الخطاب من ترامب على مدار أسبوعين، لكن الأخير اصطحب الخطاب في رحلةٍ إلى الشرق الأوسط. وعرض ترامب الخطاب على مُساعديه إبان سفرهم من المملكة العربية السعودية إلى إسرائيل، وطلب رأيهم حول التصرُّف الأمثل بشأنه، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وحين سأل بريبوس ترامب عن الخطاب في وقتٍ لاحقٍ من تلك الجولة، أجاب الرئيس قائلاً إن الخطاب لا يزال في البيت الأبيض. وسلَّم الرئيس الخطاب إلى سيشنز في الـ30 من مايو/أيار، بعد ثلاثة أيامٍ من عودته، مع المُلاحظ التالية: "استقالةٌ مرفوضة".
ماكغان، المُحامي الذي يُدوِّن الملاحظات
وذكر التقرير أن النقاش احتدم بين ترامب ودونالد ماكغان، مُحامي البيت الأبيض السابق، بسبب ميلٍ مُتعلِّقٍ بمهنة المُحاماة لدى الأخير؛ وهو تدوين المُلاحظات.
إذ حاول الرئيس إقناع مُحامي البيت الأبيض بإنكار التقارير التي أوردتها وسائل الإعلام، ومنها صحيفة New York Times، عن أن ترامب أمر بإقالة مولر أوائل عام 2018. لكن ماكغان رفض لأن المقالات التي نُشِرَت كانت دقيقةً في مُجملها، بحسب التقرير.
وأنكر الرئيس أنه قال كلمة "إقالة"، لكن ماكغان أجاب قائلاً إن تلك الكلمة هي تفسيره المنطقي للحديث الذي دار بينهما.
وذكر التقرير أن ترامب استفسر من ماكغان عن سبب تدوينه للملاحظات خلال الاجتماع، قائلاً: "لماذا تُدوِّن المُلاحظات؟ المُحامون لا يُدوِّنون المُلاحظات؟ لم أحظى بمُحامٍ يُدوِّن المُلاحظات من قبل"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
فأجاب ماكغان قائلاً إنه يُدوِّن المُلاحظات لأنه "مُحامٍ حقيقي"، وأوضح أن تلك المُلاحظات المُدوِّنة تُمثِّل محضراً رسمياً.
موعد عشاءٍ حَرِج
وبحسب الصحيفة الأمريكية، وجَّه ترامب دعوةً لتناول العشاء إلى جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، في يناير/كانون الثاني عام 2017. وذلك بعد يومٍ واحد من زيارة سالي ييتس، القائمة بأعمال وزير العدل، إلى البيت الأبيض لمُناقشة مخاوفها من أن مايكل فلين، مستشار الأمن القومي الأمريكي، كذب بشأن اتصالاته مع السفير الروسي في الولايات المُتحدة.
ويبدو أن الدعوة لفتت انتباه عددٍ من مُساعدي ترامب، بحسب التقرير. ونصح ماكغان الرئيس في السابق بعدم التواصل مُباشرة مع وزارة العدل. واقترح بانون، كبير مُستشاري ترامب آنذاك، أن يحضر هو أو بريبوس ذلك العشاء، حين عَلِم بأمر الدعوة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ورفض الرئيس العرض قائلاً إنه يرغب في قضاء ذلك الوقت بمفرده مع كومي. وذكر التقرير أن بريبوس قال له: "لا تتحدَّث عن روسيا، مهما كانت الأسباب".
وأجاب الرئيس قائلاً إنه لن يُناقش مسألة روسيا. وتحدَّث ترامب بدلاً من ذلك عن فلين، قائلاً إن "الرجل يُعاني مُشكلةً في إصدار الأحكام الصائبة". وطالب كومي أن يتعهَّد بالولاء له أيضاً.
وبعد أن عَلِم الجميع بأمر اللقاء؛ أنكر ترامب ومُساعدوه رواية كومي عن تفاصيله. ووصل الأمر بالرئيس ومُساعديه إلى الزعم بأن كومي هو مَن طلب اللقاء، وليس ترامب.
لكن التقرير أورد أن "هناك أدلة قاطعة تُؤكِّد رواية كومي لتفاصيل ذلك العشاء". وتشمل تلك الأدلة مُذكرات الرئيس اليومية، التي أوضحت أنه أرسل الدعوة إلى كومي، بالإضافة إلى ما رواه كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي من النقاط التي أخبرهم بها كومي في أعقاب المُحادثة.
ولم يبدُ أن الرئيس يُدرِك أسباب الجدل والضجة التي أُثيرت في أعقاب الكشف عن أنه طالب كومي بأن يتعهَّد بالولاء له. وذكر التقرير أن ترامب أنكر ذلك الأمر خلال مُحادثةٍ خاصة مع شون سبايسر، المُتحدِّث باسم البيت الأبيض آنذاك.
وأضاف ترامب خلال حديثه إلى سبايسر أنه حتى لو كان قد طلب ذلك بالفعل، "فمَن يكترث؟".