بعد مرور 15 يوماً على معركة طرابلس، بدأ هجوم قوات حفتر يفقد زخمه، بعدما كان يعد أنصاره بنصر سريع، فهل انقلبت الأوضاع وأوشكت قوات الحكومة المعترفة بها دولياً على إفشال الهجوم، أم أن حفتر سيفرض سيطرته على العاصمة في النهاية.
منذ إطلاق الهجوم قبل نحو أسبوعين، سقط في معركة طرابلس أكثر من 200 قتيل وأصيب 913 شخصاً ونزح أكثر من 18 ألف شخص من مساكنهم، بمناطق الاشتباكات جنوبي العاصمة الليبية طرابلس، حصيلة 15 يوماً منذ بداية القتال نشرتها منظمة الصحة العالمية.
ومازالت المعركة مستمرة، وسط أنباء عن تغيير كبير في مسار القتال.
تغييرات مؤسفة طرأت على معركة طرابلس مؤخراً
المعارك على تخوم العاصمة شهدت تطوراً نوعياً بعد ليلة من القصف العشوائي بصواريخ الغراد على مناطق سكنية بطريق المطار جنوبي طرابلس، أسفرت عن مقتل 7 مدنيين وجرح ما يقرب من 36 آخرين، بحسب وزارة الصحة الليبية.
وقال آمر غرفة العمليات العسكرية المشتركة، التابعة للوفاق، اللواء أسامة جويلي، إن قوات حفتر هي من استهدفت المدنيين بعد عجزها عن اقتحام طرابلس.
وأضاف: "ستكون لنا طريقة أخرى للقضاء على المجرم حفتر بعد ارتكابه جريمة قصف المدنيين في طرابلس".
وقوات الحكومة المعترف بها دولياً تنتقل من الدفاع إلى الهجوم
الـ48 ساعة الأخيرة كانت حافلة جداً بالأحداث التي غيَّرت مسار المعركة، حسبما قال لـ "عربي بوست" المختص في الشؤون الأمنية جهاد الباجقني.
ولخَّص هذه التطورات في عدة نقاط، أبرزها تحييد سلاح طيران حفتر بعد إسقاط طائرة سوخوي 22، مقابل فاعلية كبيرة لسلاح طيران الوفاق وضربات مؤثرة في الخطوط الخلفية للقوات المهاجمة، حسب قوله.
الباجقني يرى أن ثمة تناقصاً واضحاً في قدرة القوات البرية المهاجمة (التابعة لحفتر) على المناورة والالتفاف بالآليات العسكرية بسبب نقص الوقود.
وأشار إلى أن الغنائم التي حصلت عليها قوات الوفاق من قوات حفتر كانت الآليات فيها خالية من الوقود، مع زيادة ملحوظة في أعداد الأسرى والجرحى والمقتولين من طرف القوات المهاجمة.
خلايا نائمة لحفتر في كل مكان
إضافة إلى عمليات قبض في طرابلس على مجموعات من الخلايا النائمة الموالية لحفتر، ومصادرة أسلحة ومتفجرات وصواعق وآليات مموهة بعلامات قوات الوفاق، وزيادة أعداد المنشقين وارتفاع أصوات الأعيان والمقاتلين الرافضين للحرب من جبهة حفتر.
الباجقني رأى أن هناك توحيداً للصفوف ضد الهجوم على العاصمة على كافة المستويات، بداية من المجلس الرئاسي والوزراء والمجلس الأعلى للدولة والبلديات المنتخبة والأهالي ومنظمات المجتمع المدني، والأهم على المستوى العسكري (القوات النظامية والقوات المساندة).
توقعات بفشل هجوم حفتر
ويذهب المختص في الشوؤن الأمنية والخبير بشؤون الغرب الليبي جهاد الباجقني إلى أن كل ما سبق "يعطي مؤشرات قوية على ملامح فشل هجوم قوات المشير حفتر على طرابلس، وفقده لزمام المبادرة وتحوله إلى الدفاع".
وقال: "قد نشهد انهياراً مفاجئاً لقواته، وهذا ما ستوضحه الأيام القليلة القادمة".
وقال أرتورو فارفيلي، رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية في ميلانو: "أراد (حفتر) دخول طرابلس دون حمام دم باعتباره مُنقِذاً وطنياً من الميليشيات، لكنَّ الأمر لم يسر على هذا النحو".
وأضاف في تصريح نشرته مجلة Politico الأمريكية "لقد واجه الهجوم على طرابلس مقاومةً أقوى مما توقَّع حفتر. فلم تُبدِّل الميليشيات ولائها وتنضم إلى صفه".
وقُتِل العشرات ونزح الآلاف. وربما تواجه ليبيا جولة أخرى طويلة من القتال بدلاً من السيطرة السريعة على العاصمة.
لأن هناك قوة ضاربة تدعم حكومة التوافق
في المقابل فإن أبرز قوات مساندة لحكومة الوفاق، تعد كتائب مدينة مصراتة، الواقعة على بعد 200 كلم شرق طرابلس، التي تعد من أقوى الكتائب بامتلاكها فضلاً عن الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة لدبابات ومدرعات وتجهيزات حديثة.
وتضم قوات مصراتة بحسب تقديرات محلية أكثر من 20 ألف مقاتل موزعين على أكثر من 200، معظم أسلحة هذه الكتائب وتجهيزاتها كانت في صورة غنائم معسكرات وكتائب النظام السابق، وعلى رأسها اللواء 32 معزز، بقيادة خميس نجل القذافي.
إلى جانب قوات مصراتة تمثل قوات مدينة الزاوية وزوارة والجبل الغربي قوة كبيرة تحت إمرة حكومة الوفاق الوطني.
القادة السلفيون كانوا يريدون إدخال حفتر إلى طرابلس
إضافة إلى ذلك فإن هناك القوى العسكرية والأمنية داخل العاصمة، التي تحدَّث البعض عن ولاء بعض قادتها من ذوي التوجه السلفي لحفتر.
مصادر خاصة من قوة حماية طرابلس كشفت لـ "عربي بوست" حقيقة الانقسام داخل هذه القوات بشأن الانظمام إلى حفتر، في وقت سبق محاولة اقتحامه طرابلس.
وقالوا إن بعض القيادات "السلفية" كانت مع فكرة الانضمام لحفتر، بدخوله بشكل سلمي إلى طرابلس ضمن الترتيبات الأمنية التي أقرتها الأمم المتحدة.
ولكن قادة مصراتة وطرابلس رفضوا
ذات المصادر أكدت لـ "عربي بوست" أن قيادات من مصراتة، إضافة إلى قيادات عسكرية طرابلسية أبرزهم عبدالغني الككلي رفضوا الأمر جملة وتفصيلاً، مهددين بمواجهة حفتر بالقوة في حال قرَّر دخول طرابلس.
لكن المصادر رأت أنه لا أحد من المؤيدين لحفتر بين هذه القيادات من مصلحته تأييده الآن، لأن حماية طرابلس وتجنيبها الحرب يبقى القاسم المشترك بين جميع تلك القيادات، التي رفض بعضها بشكل صريح محاولة حفتر الدخول بقوة السلاح.
مَن يحسم معركة طرابلس؟
من جهته يرى الخبير العسكري سليمان بن صالح أن دور المنطقة العسکریة الوسطی أساسي (التي تضم مصراتة)، بوصفها القوة الأکبر في المنطقة الغربیة، وربما في لیبیا کلها.
وقال بن صالح لـ "عربي بوست"، إنه لولا تدخل هذه القوة في الوقت المناسب للدفاع عن طرابلس لتمکنت قوات حفتر من اقتحامها، والانتشار فیها خلال یومین.
بن صالح يؤكد أن هذه القوة (مصراتة) لها من الخبرات القتالیة التي اکتسبتها في حروبها السابقة ضد کتائب القذافي وضد تنظيم الدولة في سرت، وأیضاً معركة فجر لیبیا، ما یجعلها خصماً عنیداً ونداً قویاً لجیش حفتر.
القوة الجوية للتوافق أقوى من حفتر
ويذكر الخبير العسكري أنه إذا أضفنا عاملین أساسیین إلی عوامل قوة هذه القوات، وهما السلاح الجوي والدعم الشعبي الکبیر لها، فإنها بذلك ربما تکون هي القوة المرشحة لکسب هذه الحرب.
بن صالح يفند ما يشاع عن ضعف التنسيق بين القوات المدافعة عن طرابلس "التنسیق بین القوات لیس ضعیفاً وإنما هو مرتبك بعض الشيء، بسبب التدافع الکبیر باتجاه الجبهة للمشارکة في الدفاع عن العاصمة، حیث إن الوقت لا یسمح بالتأخیر لامتصاص قوة هجوم قوات حفتر".
ولكن قوات كبيرة ما زالت لم تحدد مواقفها.. مع حفتر أم ضده؟
بن صالح قال لـ "عربي بوست" إنه بعد صدور قرار تشکیل غرفة العملیات بدأت الأمور تنتظم، والأدوار تتوزع، وبدأت الخطط القتالیة تأخذ طریقها للتطبیق علی ساحة المعرکة، وظهرت نتائج ذلك في الانتصارات التي حققتها القوة المدافعة عن طرابلس خلال الأيام الأخيرة، حسب قوله.
تجدر الإشارة إلى أن قوات لا يستهان بها عسكرياً في المنطقة الغربية، وفي مدن قريبة من طرابلس، أبرزها الزنتان وترهونة، لم يخرج عنها موقف رسمي موحَّد يعلن موقفها من طرفي الصراع، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر محلية عسكرية من تلك المدن لـ "عربي بوست" وجود انقسام في الولاءات بين حفتر والسراج.