مفترق طرق وصلت إليه الأمور في السودان على ما يبدو عقب الاطاحة بالبشير، الذي كان يحاول أن يبقي علاقته مع جميع دول المنطقة على مسافة واحدة، لكن المجلس العسكري الحاكم الآن يجد نفسه في مأزق، في ظل سعي أطراف إقليمية هامة جذبه إلى صفها، وخاصة السعودية والإمارات.
ولعل التطورات الأخيرة التي يشهدها السودان تدفع في اتجاه ممارسة الأطراف الخليجية ضغوطاً على النظام الجديد للبقاء في محوره، وكان أخر هذه التطورات ما ذكرته وكالة أسوشيتد برسس الأمريكية والتي نقلت عن مصادر عسكرية سودانية بأن الإمارات عرضت علي المجلس العسكري نقل الرئيس السابق عمر البشير إلى أراضيها
ويقول موقع Lobe Log الأمريكي كانت إطاحة عمر حسن البشير في انقلابٍ عسكري يوم الخميس الماضي، 11 أبريل/نيسان، بمثابة نقطة تحول في تاريخ السودان. وقد كان رحيله عن السلطة إنجازاً كبيراً لأولئك الذين أمضوا شهوراً في إقامة مظاهرات كبيرة في جميع أنحاء السودان، تدعو إلى إنهاء رئاسته التي استمرت ثلاثة عقود. ولكن حتى يتوصل الجيش السوداني، الذي يحكم البلاد حالياً من خلال مجلس انتقالي، إلى اتفاق مع المحتجين الذين يطالبون بحكومةٍ ذات قيادة مدنية منتخبة ديمقراطياً بشأن المرحلة الانتقالية بعد البشير، أو إذا لم يحدث ذلك، ستكون هناك تساؤلات أكثر من الإجابات بشأن المشهد السياسي لمستقبل السودان.
وقد وعد الحاكم الفعلي الحالي في السودان، الفريق عبدالفتاح عبدالرحمن برهان، بـ "اقتلاع النظام"، وإزالة الرقابة في وسائل الإعلام في البلاد، وإنهاء حظر التجول الليلي، والإفراج عن السجناء السياسيين وضباط الشرطة الذين قُبض عليهم سابقاً لوقوفهم مع المتظاهرين.
إلى مَن ستميل الخرطوم؟
وبحسب الموقع الأمريكي، صحيحٌ أنَّ هذه التأكيدات والوعود تعطي أملاً أن يستمع الجيش السوداني، المسؤول عن البلد، إلى مطالب المواطنين المحتجين المطالبين بالإصلاحات الديمقراطية، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان الجيش سيقدم تنازلات للمتظاهرين تُلبِّي مطالبهم تلبيةً كافية، وما إذا كانت الدولة ستحافظ على استقرارها النسبي إذا لم يجرِ التوصُّل بسرعة إلى مثل هذا الاتفاق الضروري.
وجديرٌ بالذكر كذلك أنَّ العملية الانتقالية في السودان ستشهد سعي أطرافٍ فاعلة خارجية -سواءٌ حلفاء الخرطوم العرب أو تركيا أو بعض القوى الغربية- إلى التأثير فيها بطريقةٍ تدعم مصالح تلك الأطراف. ومع أنَّ الحكومات الغربية دعت السودان إلى التحول إلى الديمقراطية وتسليم السلطة إلى المدنيين بعد إقالة البشير، لم يكن مفاجئاً أنَّ مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة سرعان ما أعربت عن دعمها للجيش السوداني، وليس التطلعات الديمقراطية للمواطنين السودانيين.
السعودية تريده في صفها
ففي الرياض وأبوظبي، كان المسؤولون قلقين بشأن العلاقات المتنامية بين الخرطوم وتركيا وقطر في السنوات الأخيرة. إذ فشل ما يُسمَّى برباعي مكافحة الإرهاب -الذي يضم البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- في استمالة السودان إليه ضد قطر، منذ اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي في منتصف عام 2017، وهو ما أوضح حرص الخرطوم على الحفاظ على علاقاتٍ دافئة مع جميع دول شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك قطر.
بيد أنَّ مجموعة الحكومات العربية المناهضة للثورات بقيادة السعودية والإمارات، التي تخشى اندلاع حراكٍ على غرار الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي في المنطقة، قد تزيد الآن من الضغط على السودان ليبتعد عن الدوحة وأنقرة. فعلى سبيل المثال، قد يمارس رباعي مكافحة الإرهاب نفوذه على المجلس العسكري الحاكم في السودان، لإنهاء استخدام تركيا لجزيرة سواكن موطئَ قدمٍ عسكرياً في البحر الأحمر، بحسب الموقع الأمريكي.
وكذلك اعتمدت الرياض وأبوظبي على السودان بصفته حليفاً رئيسياً في حربهما في اليمن، إذ انضمت الخرطوم إلى التحالف في بداية عملية عاصفة الحزم، حيث نشرت الآلاف من قواتها لمحاربة الحوثيين على الأرض، مما أسفر عن مقتل مئات السودانيين في هذا الصراع منذ عام 2015. ومع سعي السعوديين والإماراتيين إلى تقليل عدد مواطنيهم الذين يفقدون حياتهم أو يتعرضون لإصاباتٍ في تلك الحرب، تتمسَّك كلتا الدولتين ببقاء السودان في التحالف. بيد أنَّ سخط المواطنين السودانيين على مشاركة السودان في هذه الحرب أجَّج الغضب الذي ظهر في الاحتجاجات اليومية ضد البشير، التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي 2018.
مناهضو الربيع العربي يشعرون بالقلق
وتشعر الرياض وأبوظبي والقاهرة كذلك بقلقٍ بالغ من أنَّ الأحداث في السودان قد تشعل نسخةً ثانية من الربيع العربي في أنحاء المنطقة، مثلما تسببت ثورات الربيع العربي في شمال إفريقيا في اضطرابات واسعة النطاق في عام 2011، أدت إلى سقوط زعماء كانوا حلفاء للسعوديين والإماراتيين في مصر وتونس واليمن، وأسفرت عن ظهور تحدياتٍ كبيرة أمام عائلة آل خليفة المالكة في البحرين. ويُعد اندلاع ربيعٍ عربي آخر هو الاحتمال الأرجح بالنظر إلى الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في الجزائر والأردن والعراق والمغرب، بحسب الموقع الأمريكي.
ومن ثَمَّ، فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر مصممة على منع المرحلة الانتقالية في السودان من التحرُّك في اتجاه من شأنه أن يقوض مصالحها. لذا تهتم دول رباعي مكافحة الإرهاب اهتماماً أكبر بدعم الشخصيات العسكرية التي نأت بنفسها عن الإسلاميين في الساحة السياسية في السودان، مثل صلاح غوش، رئيس المخابرات السوداني الذي استقال مؤخراً من منصبه، وكان متعاوناً سابقاً مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. بيد أنَّ القادة السعوديين والإماراتيين والمصريين يفعلون ذلك تحت خطر مواجهة رد فعل عكسي؛ إذ إنَّ العديد من السودانيين شاركوا الاحتجاجات ودعموها باعتبارها ثورة ديمقراطية لتمكين مواطني البلاد بعد عقود من الاستبداد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لذا فالغضب الذي حشد الناشطين المناهضين للنظام طوال الأشهر القليلة الماضية يمكن أن ينقلب بسهولة على الحكومات الأجنبية ذات الأجندات المضادة للثورة في السودان.