رغم مرور ساعات على الحريق الكبير الذي دمَّر سقف كاتدرائية نوتردام بالعاصمة الفرنسية باريس، فإن السبب الحقيقي وراء هذا الحريق لم تُعرف بعد، لكن ثمة تكهنات حول الكارثة ترجّح أن السبب وراء اندلاع الحريق هو الشرار الناتج عن المناجم القريبة، وأيضا عمليات الترميم التي تخضع لها الكنيسة.
وبحسب صحيفة The Independent البريطانية، انهار أمس الإثنين 15 أبريل/نيسان جزء من سقف كاتدرائية نوتردام، بينما واصلت النيران انتشارها، مما أدى إلى إتلاف الكاتدرائية بسبب الدخان المتصاعد.
وفي الوقت الذي لم يتحدد فيه السبب، بدأ مكتب النائب العام في باريس تحقيقاً حول سبب الحادث.
قد تكون أعمال الترميم
تشير تقارير موقع Bloomberg إلى أن فريق الإطفاء في باريس يقول، إن الحريق الذي تعرضت له الكاتدرائية قد يكون مرتبطاً بأعمال الترميم التي خضعت لها قبة الكاتدرائية، حيث شوهدت سقالات فوق البناية التاريخية.
بدأت مؤخراً أعمال ترميم الكاتدرائية، التي بُنيت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ضمن جهود إصلاح الأضرار التي تعرضت لها نتيجة لعوامل الزمن والتلوث والطقس، حسب موقع The Local، الذي قال إن عمليات الترميم التي تتكلف 5.1 مليون جنيه إسترليني (6.8 مليون دولار) موَّلتها الدولة الفرنسية.
وقالت وكالة The Associated Press إن إزالة تماثيل الكاتدرائية قبل أيام كانت ضمن عمليات الترميم، التي شهدت إزالة تماثيل برونزية من أعلى الكنيسة لأول مرة منذ أكثر من قرن.
أُنزلت تماثيل الـ12 رسولاً والإنجيليين الأربعة عن طريق رافعة، ثم وُضعت في شاحنة قبل نقلها إلى جنوب غرب فرنسا.
وتعتبر أعمال الترميم الحديثة هي أول الترميمات الكبيرة التي يخضع لها هذا المَعْلم التاريخي منذ عمليات الترميم التي استمرت بين عامَي 1844 و1864، عندما أُعيد ترميم القبة.
نشرت صحيفة The New York Times في عام 2017 تقريراً قالت فيه إن كاتدرائية نوتردام، التي تستقبل 13 مليون زائر سنوياً، كانت في حاجة ماسَّة إلى تحديثات هيكلية.
الارتفاع حال دون عملية الإطفاء
وفي هذا الوقت، أشار المتحدث باسم الكاتدرائية أندريه فينوت، إلى أن "الحجارة تتآكل في كل مكان"، وفي كل مرة تضرب الرياح يسقط مزيد من الحجارة من سقف الكاتدرائية.
غير أن قرار الترميم لعله السبب في الحريق الذي تسبب في "أضرار هائلة" لحقت بهيكل البناية.
في حديثه إلى صحيفة The New York Times، قال فنسنت دان، وهو خبير حرائق ورئيس إدارة الإطفاء السابق لمدينة نيويورك، إن مياه خراطيم الإطفاء لم تستطِع الوصول إلى الجزء العلوي من الكاتدرائية، وإن البنايات التي تكون بهذا الارتفاع "يكون مقدراً لها أن تحترق".
وأضاف: "هذه الكاتدرائيات وأماكن العبادة يُقدَّر لها أن تحترق عندما تُبنى (بهذا الارتفاع). وإذا لم تكن أماكن عبادة، لتعرضت لإدانات (بسبب طريقة بنائها)".
وأوضح غلين كوربيت، الأستاذ المشارك المتخصص في علوم الحرائق بكلية جوني جاي في جامعة مدينة نيويورك: "ثمة تاريخ من الكنائس والكُنس وبيوت العبادة الأخرى التي تسقط نتيجة لحرائق عمليات البناء"، مشيراً إلى احتمالية أن يكون السبب في الحريق هو الشرر والنيران المكشوفة من المشاعل وماكينات اللحام.
تكهّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ظهوره في مينيسوتا بسبب الحريق.
رسمياً.. السبب مجهول
قال ترامب: "يعتقدون إن عمليات الترميم كانت السبب فيه. أتمنى أن يكون ذلك هو السبب. وأن تكون عمليات الترميم هي التي تتعلق بكل ذلك".
بالرغم من المزاعم، قال وزير الداخلية الفرنسي، أمس الإثنين، إن السبب وراء حريق كاتدرائية نوتردام لا يزال مجهولاً.
وبينما أُنقذت التماثيل الـ 16 التي نُقلت في الأسبوع الماضي من الحريق، ربما تكون النيران قد التهمت قطعاً فنية أخرى، من بينها زجاج الكاتدرائية الملون.
قال متحدث الكاتدرائية: "كل شيء يحترق، لن يبقى شيء من الهيكل".
ستحمل الكارثة آثاراً كبيرة على قطاع السياحة في باريس.
إذ إن كاتدرائية نوتردام هي أكثر معالم الجذب السياحي في فرنسا، التي تجذب بدورها سُياحاً من حول العالم أكثر من أي دولة أخرى.
السياحة تتضرَّر
وحتى الآن، تفتح الكاتدرائية أبوابها أمام الزوار لوقت أطول من أي مَعْلم آخر في باريس؛ إذ تفتح أبوابها من الثامنة صباحاً حتى السادسة وخمس وأربعين دقيقة مساء في جميع أيام العام، بل وتضيف نصف ساعة إلى هذه المدة في عطلات نهاية الأسبوع، فضلاً عن أنها تفتح أبوابها أمام الزوار مجاناً، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في عدد زوار العاصمة الفرنسية.
سوف تتأثر السياحة في المدينة نتيجة لتبدُّل أنماط الزيارات. يقضي 36 ألف زائر في المتوسط ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً في هذا المَعْلَم السياحي. وفي ظل ما تعرضت له الكاتدرائية، سوف يرغب هؤلاء في الذهاب إلى مواقع أخرى خلال إقامتهم.
الأرجح أن أكبر أماكن الجذب السياحي الأخرى، وهما متحف اللوفر وبرج إيفل، سوف يشهدان زيادة في عدد الزوار. لكن الأثر سيكون أكبر خلال أيام الأسبوع؛ نظراً إلى أن أغلب المعالم السياحية في باريس تُغلق يومَي الإثنين والثلاثاء، وخلالهما كانت كاتدرائية نوتردام تحظى بشهرة خاصة لتعويض إغلاق هذه الأماكن.