على الطرف الجنوبيّ من الكوكب تقع واحدة من أكثر الكتل الأرضية غموضاً في العالم؛ القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا المتجمدة.
تمتدُّ هذه المساحة الجليدية لتشمل أكثر من 14 مليون كيلومتر مربع، ما يجعلها خامس أكبر قارة في العالم. تقع بالكامل تقريباً داخل الدائرة القطبية الجنوبية، ما يعني أن درجات الحرارة تقل دائماً عن الصفر غالبية السنة.
يتفاوت حجمها خلال الفصول، إذ يتوسّع الجليد البحري على طول الساحل فيضاعف حجم القارة في الشتاء تقريباً. فجليد القارة القطبية الجنوبية يتغير باستمرار بسبب تزحزح الأنهار الجليدية في جميع أنحاء القارة.
كل القارة القطبية الجنوبية تقريباً مغطاة بالجليد، وأقل من نصف في المئة من البرية الشاسعة خالية من الجليد.
وهنا بعض الحقائق المثيرة عن القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا.
كيف اكتشفنا القارة القطبية الجنوبية؟
كان الصياد الأمريكي جون ديفيس أول من ادعى أنه هبط على القارة القطبية الجنوبية في عام 1821، على الرغم من أن بعض المؤرخين يعارضون ادعاءه.
في بداية القرن العشرين، انطلقت مجموعتان من المستكشفين في أنتاركتيكا في سباق للمشي حيث لم يسر أيُّ رجلٍ من قبل. ترأس أحد الفريقين المستكشف النرويجي روالد أموندسن، بينما ترأس الفريق الآخر ضابط البحرية الإنجليزية روبرت سكوت.
أمضت المجموعات 99 يوماً في سباق بعضها البعض مع القطب الجنوبي، قبل أن تعلن مجموعة أموندسن النصر في 14 ديسمبر/كانون الأول 1912.
وصل سكوت وطاقمه إلى القطب بعد أربعة أسابيع في 17 يناير/كانون الثاني 1913، لكنهم لم يعودوا على قيد الحياة. عثر فريق البحث على سكوت ورفيقيه المتبقيين داخل أكياس النوم الخاصة بهم في خيمةٍ صغيرة على الجليد، على بعد 17 كيلومتراً من أقرب مخبأ للطعام والإمدادات.
ما هي معاهدة أنتاركتيكا؟
لا توجد بلدان في أنتاركتيكا؛ فالقارة تحكمها معاهدة دولية (معاهدة أنتاركتيكا).
في عام 1959، وقَّعت 12 دولة يتمركز علماؤها في القارة اتفاقاً ينص على بقاء القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا تستخدم للأغراض السلمية للأبد، ولن تصبح مشهداً أو محلاً للخلاف الدولي. ومنذ ذلك الحين وقعت 38 دولة على هذه المعاهدة.
ماذا عن طقس القطب الجنوبي؟
لأنها تقع في نصف الكرة الجنوبي، فالفصول في أنتاركتيكا هي عكس الفصول في الشمال. يمتد الصيف من شهر أكتوبر/تشرين الأول إلى فبراير/شباط ويغطِّي الشتاء ما تبقى من السنة.
بسبب ميل الأرض، لا تشرق الشمس في القارة القطبية الجنوبية من الاعتدال الربيعي إلى الاعتدال الخريفي، ما يعني أن القارة تظل مظلمة طوال موسم الشتاء بأكمله. ومن الممكن أن تنخفض درجات الحرارة في الشتاء إلى ما دون -73 درجة مئوية.
وكانت أدنى درجة حرارة سجلت على الأرض في محطة فوستوك Vostok الروسية في القارة القطبية الجنوبية -89.9 درجة مئوية في 21 يوليو/تموز 1983.
على العكس من ذلك، خلال أشهر الصيف (من أكتوبر/تشرين الأول إلى فبراير/شباط) لا تغرب الشمس في القارة القطبية الجنوبية، ما يعني أنها تتلقى بالفعل أشعة الشمس أكثر من خط الاستواء خلال هذا الإطار الزمني.
بها أكثر الأماكن جفافاً على الأرض
على الرغم من كل الجليد، فإنَّ القارة القطبية الجنوبية تصنَّف على أنها صحراء لأن الرطوبة قليلة جداً، وكمية الأمطار التي تسقط عليها منخفضة جداً. تحصل المناطق الداخلية من القارة على معدل 2 بوصة (50 ملم) من الأمطار -بشكل أساسي على شكل ثلج- كل عام.
ولتعلم ضآلة تلك الكمية، لابد أن تعلم أن نصيب الصحراء الكبرى الموجودة في شمال إفريقيا حوالي ضعف تلك الكمية سنوياً.
تحصل المناطق الساحلية في أنتاركتيكا على مزيدٍ من الأمطار المتساقطة، ولكن لا يزال متوسطها 8 بوصات فقط (200 ملم) سنوياً. على عكس معظم المناطق الصحراوية، فإن الرطوبة لا تتسرب إلى الأرض، بدلاً من ذلك، تتراكم الثلوج فوق نفسها.
أكثر الأماكن نشاطاً للرياح
أنتاركتيكا، في المتوسط، هي أكثر الأماكن التي سجلت نشاط للرياح على الأرض. أبلغ العلماء الذين يستكشفون هذه الكتلة الأرضية جنوباً عن سرعات الرياح التي تصل إلى 200 ميل في الساعة.
مظاهر الحياة في القارة القطبية الجنوبية
يقتصر النبات في أنتاركتيكا على انتشار الطحالب والأشنات. ازدادت التغطية الموسمية للطحالب في أنتاركتيكا بشكلٍ مطّرد على مدار الخمسين عاماً الماضية بسبب ارتفاع درجات الحرارة. ويتوقع العلماء أن تصبح القارة الباردة أكثر خضرة مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في العالم.
على الرغم من عدم وجود المساحات الخضراء المورقة، والغياب الكامل للبرمائيات والزواحف والثدييات الأرضية، لا تزال هناك وفرة من الحياة البرية في أنتاركتيكا وحولها.
حيث يزدهر عدد كبير من البطريق والحيتان والأسماك واللافقاريات على طول سواحل أنتاركتيكا والبحار القاحلة، خاصة في فصل الصيف.
أما بالنسبة للبشر، فلا يوجد شعب أصلي يعيش في القارة القطبية الجنوبية، ولكن هناك الباحثون في المنشآت العلمية والبحثية.
القليل جداً من البشر والعديد من المنشآت البحثية
هناك حوالي 30 دولة مختلفة مثل الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وروسيا، واليابان تدير أكثر من 70 محطة بحثية تقع في أنحاء القارة.
يبلغ عدد السكان الذين يشغلون هذه المنشآت حوالي 4000 خلال أشهر الصيف و1000 فقط خلال فصل الشتاء الطويل القاسي.
وعلى الرغم من أنَّ القارة القطبية الجنوبية تعدُّ إلى حدٍ كبير مركزاً لعلماء المناخ وعلماء المحيطات وعلماء الأحياء البحرية، فإنّ الصحراء المتجمدة تجتذب أيضاً علماء الفلك من جميع أنحاء العالم.
فبفضل مناخها الجاف وغياب التلوث الضوئي، تعد أنتاركتيكا واحدة من أفضل الأماكن على الأرض لمراقبة الفضاء. كما يجعلها الطقس المتجمد أيضاً موقعاً مثالياً لدراسة كيفية تكيف النباتات والحيوانات مع الظروف البيئية القاسية.
أكبر كتلة جليدية في العالم
الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية هو أكبر كتلة جليدية في العالم، ويمكن أن يصل سمكها أحياناً حوالي أربع كيلومترات في بعض الأماكن. تحتوي القارة ككل على حوالي 90٪ من جليد الماء العذب على الكوكب وحوالي 70٪ من إجمالي المياه العذبة على الأرض.
ويدعي العلماء أنه في حالة ذوبان الصفيحة الجليدية في غرب القارة القطبية الجنوبية، فسترتفع مستويات المحيطات في العالم من 200 إلى 210 أقدام أي ما يبلغ 60 إلى 65 متراً.
لديها واحدة من أكبر سلاسل جبال في العالم
في حين أن القارة القطبية الجنوبية مغطاة بالجليد، إلا أنها تحتفظ في الواقع بواحدة من أكبر سلاسل الجبال في العالم ألا وهي جبال Gamburtsev التي تمتد أكثر من 1200 كيلومتر. تقدر أعلى قمة فيها بحوالي 2800 متر أي حوالي ثلث أطول جبل على الأرض وهو جبل إفرست.
بحيرة مياه عذبة تحت الجليد
هناك ميزة جغرافية أخرى مثيرة للاهتمام مخبأة تحت الغطاء الجليدي، فقد اكتشفت تكنولوجيا الرادار والأقمار الصناعية نظاماً من الأنهار والبحيرات أسفل الألواح الجليدية في أنتاركتيكا.
سوف تساعد دراسة هذه البحيرات تحت الجليدية العلماء في صقل توقعاتهم للتغيرات المستقبلية للجليد الجليدي على المدى الطويل.
بحيرة فوستوك Vostok، من أهم البحيرات المكتشفة في القطب الجنوبي، وهي بحيرة للمياه العذبة مدفونة تحت 4 كيلومترات من المياه المجمدة. تبلغ مساحة هذه البحيرة قدر مساحة بحيرة أونتاريو وهي واحدة من أكثر من 200 مسطحات مائية مختلفة تم اكتشافها تحت الجليد.
صدع عملاق في القارة القطبية الجنوبية
بينما يُعتبر جراند كانيون إلى حد كبير أكبر صدع طبيعي للكوكب، اكتشف العلماء صدعاً آخر على القارة القطبية الجنوبية يمكن أن ينافس أحد أقوى الميزات الطبيعية لأمريكا.
تم العثور على الوادي الذي لم يكشف عن اسمه خلال رحلة استكشافية عام 2010 ويمتد 100 كيلومتر، ويبلغ عرضه أكثر من 9 كيلومترات ويصل عمقه إلى أكثر من 1.6 كيلومتر. يتكهن العلماء أنه قد يكون أكبر، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الاستكشاف لمعرفة الحدود الحقيقية لهذا الصدع الهائل.
جبل بركاني وسط الجليد
تعد أنتاركتيكا موطناً لجبل إيرباص، وهو البركان الأكثر نشاطاً في الجنوب، وأقرب براكين الأرض للقطب الجنوبي. ومن أكثر الأشياء إثارة وجود بحيرات الحمم البركانية داخل فوهة البركان على الرغم من الظروف القاسية في القارة.
أول طفل يولد في القارة القطبية الجنوبية
في يناير/كانون الثاني 1979، أصبح إميل ماركو بالما أول طفل يولد في أنتاركتيكا.
وكانت الأرجنتين تبذل قصارى جهدها للمطالبة بجزء في القارة القطبية الجنوبية، ولذا أرسلت امرأة حامل إلى القارة، ووضعت هناك ابنها بالما. منذ ذلك الحدث التاريخي لم يولد سوى 10 أشخاص آخرين في القارة.
ولكن لم تكن هذه المرآة الحامل أول امرأة تزور القارة القطبية الجنوبية، فقد كانت كاثرين ميكيلسون صاحبة اللقب في عام 1935.
ما الفرق بين القطب الشمالي والقطب الجنوبي إذن؟
القطب الجنوبي يقع على كتلة أرضية، على عكس القطب الشمالي الذي يقع في بحرٍ واسع مغطى بالجليد العائم.
تعيش الدببة القطبية في مناطق القطب الشمالي، بينما توجد طيور البطريق من ناحية أخرى في مناطق القطب الجنوبي. لهذا السبب فإن الدببة القطبية وطيور البطريق لا تتقاطع طرقها أبداً.
يمكن أن تتفاوت درجات الحرارة في القطب الشمالي بشكل كبير، فالطقس في القطب الشمالي أكثر دفئاً من القطب الجنوبي، ومتوسط درجة حرارة القطب الشمالي خلال فصل الشتاء هو -34 درجة مئوية، ومتوسط درجة حرارة الصيف القطب الشمالي هو 0 درجة مئوية.
أما في القطب الجنوبي فمن الممكن أن تنخفض درجات الحرارة في الشتاء إلى ما دون -73 درجة مئوية.