أسبوع حافل يشهده السودان منذ الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير على يد وزير دفاعه ونائبه عوض بن عوف الذي أعلن خارطة الطريق للبلاد لمدة عامين التي رفضها المتظاهرون وبعدها تنازل عن منصبه للفريق عبدالفتاح البرهان وأخيراً استقالة صلاح قوش، مدير الأمن والاستخبارات السوداني، من منصبه الأمني.
فخلال يومين فقط تنحى 3 قادة عسكريين في المجلس الحاكم بالسودان عن مناصبهم ما يزيد الأمر تعقيداً في السودان لفهم ما يجري من الأحداث بشكل كبير، في ظل المطالبات بتنحي العسكريين بالكامل عن المشهد السياسي، في الوقت الذي أظهر من يقود نظام الحكم في البلاد مرونة مع مطالب الشارع.
التطورات السريعة التي يمر بها السودان تثير التساؤلات عن مستقبل الحياة السياسية وهل عملية الإطاحة بالبشير ستمكن قادة المجلس العسكري من الحكم لفترة طويلة أو يلتزموا بالعامين الذي أعلن عنهما أم أن الأمر سيكون مختلفاً تماماً عن هذا وتسليم الحكم للمدنيين كما فعل الجنرال عبدالرحمن سوار الذهب عام 1986 عند سلم البلاد إلى حكومة الصادق المهدي.
سنحاول في الأسطر القادمة الإجابة عن سؤال هام وهو: هل سيفعل عبدالفتاح برهان ما فعله الجنرال سوار الذهب أم أن هذا النموذج الفريد عربياً لن يتكرر مرة أخرى؟
الكثير من الشواهد يشير إلى أن الأمر قد يصل في النهاية إلى تحقق نموذج سوار الذهب ربما ليس زهداً في السلطة، ولكن بسبب الوعي الذي بات عليه المتظاهرون السودانيون وأيضاً التجارب التي شهدتها المنطقة العربية في الموجة الأولى للربيع العربي قبل 8 سنوات.
ومن هذه الشواهد:
الاستقالات تتوالى
التظاهرات التي لم تتوقف منذ الإطاحة بالبشير أجبرت عدداً من القادة العسكريين على الإسراع في الهروب من المسؤولية، فالقائد القوي محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، اعتذر عن عدم المشاركة في المجلس العسكري وطالب بتقليص الفترة الانتقالية إلى 6 أشهر، ثم أجبرت قائد المجلس عوض بن عوف على الاستقالة هو ونائبه، وأخيراً صلاح قوش رئيس الاستخبارات والراجل القوي في جهاز الأمن، وهذا يعني قلق العسكريين من الضغط الشعبي.
هذه الاستقالات تشير إلى صراع مكتوم بين الأطراف التي تقود المشهد في البلاد، في ظل الرغبة على ما يبدو فيه تكرار نموذج سوار الذهب أو البقاء على النهج القديم الذي يدعم بقاء العسكريين في السلطة مع تغيير الوجوه، لكن في كل الأحوال الأمر لا زال في بدايته، خاصة أن قيادات هامة مثل برهان الذي ترأس المجلس لا زال على الطرح السابق الخاص بفترة انتقالية قد تصل إلى عامين رغم تلميحاته بتقليلها، وأيضاً بقاء حميدتي على الحياد حتى الآن، لكن قد يقول كلمته في النهاية خاصة في ظل السيطرة الكبيرة لقواته على الأرض.
ضغوط الشارع
الشارع السوداني لم يهدأ منذ الإطاحة بالبشير كما أن التغيرات التي تحدث الآن في المشهد العسكري السوداني توحي بأن الشارع بات رقماً صعباً في الأزمة الحالية ولا يمكن تجاهله، خاصة في ظل الحديث عن وعي كبير لدى المحتجين بما حدث في الجار الشمالي مصر عقب الإطاحة بمبارك عام 2011، وتكليفه للمجلس العسكري وقبول المتظاهرين بهذا الخيار الذي مكّن لعودة العسكريين إلى سدة الحكم عقب انقلاب 2013.
إذ قال المحتجون في السودان، السبت 13 أبريل/نيسان، إنهم سيواصلون الضغط في سبيل الحكم المدني بعد استقالة وزير الدفاع فجأة من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي.
وانطلقت احتفالات صاخبة في شوارع الخرطوم ولوح آلاف المحتجين بالأعلام وأطلق البعض أبواق السيارات. وقال شهود إن مواطنين رددوا هتاف "سقط التاني!"، في إشارة إلى بن عوف.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الاحتجاجات إلى مزيد من المظاهرات اليوم السبت.
وجاء في بيان له: "اليوم نواصل المشوار لاستكمال النصر لثورتنا الظافرة. نؤكد أن ثورتنا مستمرة ولن تتراجع أو تحيد عن طريقها الماضي للتحقيق الكامل وغير المنقوص لمطالب شعبنا المشروعة والجلية، بتسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية".
قال الرشيد سعيد، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، لرويترز: "ما حدث هو خطوة في الطريق الصحيح وهو رضوخ لرغبة الجماهير وقد اقتربنا من النصر"، مضيفاً أن التجمع يعتزم تنظيم المزيد من الاحتجاجات اليوم السبت.
فحالة الوعي هذه بالتأكيد قد تجبر العسكريين في السودان إلى التوصل إلى حل وسيط يفضي في النهاية إلى تسليم الحكم إلى المدنيين مع وجود ضمانات لعدم محاسبة القيادات المتورطة في قضايا فساد أو قضايا جنائية بسبب الحرب الأهلية التي وقعت منتصف العقد الماضي في دارفور، بحسب ما يرى معهد واشنطن.
مرونة عبدالفتاح البرهان
يُعتقد الكثيرون أن رئيس المجلس العسكري الجديد الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان عبدالرحمن أكثر استعداداً للحديث مع المتظاهرين إذا ظهر الرجل أكثر من مرة بين المتظاهرين المعتصمين أمام مبنى وزارة الدفاع خلال الأيام التي سبقت عزل البشير وبعدها، كما أن الرجل ليس متورطاً في قضايا جنائية مثلما هو الحال مع بن عوف والبشير، أيضاً لا يعرف عن الرجل أي انتماءات سياسية داخلية فربما هذا الأمر قد يسهم في ترجيح فرضية تسليم السلطة للمدنيين.
البرهان الذي يعد ثالث أكبر قائد عسكري في القوات المسلحة السودانية، لا يعرف عنه الكثير في الحياة العامة كان قد تولى منصب قائد القوات البرية ليشرف بذلك على القوات السودانية التي قاتلت في صفوف التحالف بقيادة السعودية في اليمن، كما أنه على صلات وثيقة بكبار القادة العسكريين في الخليج.
ومما يسهم كذلك في تعزيز فكرة تسليم الحكم للمدنيين في وقت قريب تلك التصريحات التي خرجت من المجلس العسكري في وقت سابق، إذ توقع من في السلطة أن تستمر الفترة الانتقالية عامين كحد أقصى لكنها قد تنتهي خلال فترة أقل بكثير إذا تمت إدارة الأمر دون فوضى.
وكان الفريق أول ركن عمر زين العابدين، رئيس اللجنة السياسية المكلفة من المجلس العسكري، قد قال إن المجلس سيعقد حواراً مع الكيانات السياسية.
وهذا الإعلان على ما يبدو طمأنة المتظاهرين الذين يرفضون أي دور عسكري في مستقبل البلاد.
أيضاً البرهان عقب توليه المنصب رسمياً أصدر قرار بالتحفظ على أموال عدد من رموز النظام السابق، وقد لاقت هذه الخطوة ترحيباً كبيراً بين عدد من المتظاهرين الذين يرون أن الرجل قد يقف بجوار المتظاهرين ولن يخذلهم في النهاية.
ورغم كل ما سبق يظل الوضع في البلاد معقداً بشكل كبير في الوقت الذي يسعى الكل فيه إلى لعب دور في مستقبل السودان، لكن تظل الغلبة في النهاية إلى المتظاهرين إذا استمر هذا الوعي بضرورة تنحي العسكريين عن المشهد والبقاء في السكنات.