اعتبرت صحيفة The Independent البريطانية أن سقوط نظامين عربيين في أقل من أسبوعين قد يعد رسالة قوية وصارمة لباقي الأنظمة المستبدة في المنطقة، وأن الشعوب قادرة على التغيير إذا ما أرادت.
وقالت الصحيفة البريطانية إن اثنين من الحكّام المُستبدّين الأكثر رسوخاً في العالم العربي أُطيح بهما في 9 أيام فقط، الأمر الذي تسبَّب في إحداث صدمة عبر جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبعث برسالة تحذير للطغاة في جميع أنحاء العالم.
نجاة مؤقتة من الربيع العربي
استطاع كلٌّ من عبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر وعمر البشير في السودان النجاة من الاضطرابات الناجمة عن انتفاضات الربيع العربي عام 2011. وقد بدأت احتجاجات الربيع العربي بمجرد دعوات من أجل الديمقراطية والعدالة، لكنَّها أسفرت بعد ذلك عن حربٍ أهلية كارثية أو تَجدُّد للحكم الاستبدادي في جميع أنحاء المنطقة باستثناء تونس.
وبحسب الصحيفة البريطانية، شعر الحكّام المستبدُّون في المنطقة بالثقة من أنَّ شبح الربيع العربي قد أعيد إلى القمقم بحلول أواخر عام 2013، بعد دعم عبدالفتاح السيسي في تنفيذ انقلاب دموي ضد أول حكومة منتخبة بحُرية في مصر. وقد ساهم صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سوريا والعراق وليبيا في تأكيد رسالة أولئك الاستبداديين بأنَّ الثورة، التي لطالما حلم الناس بها، لن تؤدي إلا إلى البؤس والعنف.
وزاد ابتهاج المستبدين بشدة مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بعد عدة سنوات. إذ أصبح لهم في الولايات المتحدة رفيق لم يغض الطرف عن انتهاكاتهم لحقوق الإنسان والحريات المدنية فحسب، بل بدا وكأنه يرتبط بصلة روحية حقيقية معهم.
تودد إلى دول الخليج
تودَّدت الجزائر والسودان إلى بعض دول الخليج والدول الغربية في السنوات الأخيرة، إذ روّجت كلا الدولتين لأنفسهما باعتبارهما أحد معاقل الاستقرار النسبي في المنطقة. ونجحت الجزائر والسودان في جذب استثمارات من شبه الجزيرة العربية وعقد صفقات مع شركات غربية، حتى أنَّ إدارة ترامب أزالت العقوبات المفروضة منذ فترة طويلة على السودان.
وأدَّى التَصَوُّر بأنَّ العالم العربي يواجه خيار الديكتاتورية أو الفوضى إلى خلق تحالف غريب بين "مناهضي الإمبريالية" اليساريين الغربيين و"المصابين بالإسلاموفوبيا" اليمينيين المُتطرّفين والأنظمة الاستبدادية ذاتها. لقد جادلوا جميعاً بأن نظام الحكم المطلق أمر ضروري لكبح جماح المُتطرّفين الإسلاميين، حتى مع تعرَّض الليبراليين ونشطاء حقوق المرأة والمدافعين عن حقوق الإنسان للقمع والاضطهاد. وقد سعت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بقوة على مدار العامين الماضيين إلى تجاوز أحداث الربيع العربي وإعادة تركيز اهتمام المنطقة على محاربة إيران.
ومع ذلك، كانت مشاعر الاستياء والسخط تتفاقم وتتّقد على نحوٍ متزايد تحت السطح. انتشرت سريعاً الاحتجاجات السودانية، التي اندلعت في المناطق الريفية نتيجة ارتفاع أسعار الخبز في شهر ديسمبر/كانون الأول في جميع أنحاء البلاد وتصاعدت لتصبح أكبر تحدٍّ محلي يواجه البشير طوال سنوات حكمه.
الجزائر أعادت الزخم للسودان
تلاشت الاحتجاجات تدريجياً في الأشهر التالية. لكن في فبراير/شباط، اندلعت الاحتجاجات في الجزائر على إثر قرار الرئيس المُعتل صحياً بوتفليقة بالترشح لولاية خامسة، ما يضمن بقاءه خمس سنوات أخرى في الحكم بدعم من عصبة غامضة من الجنرالات ورجال الأعمال في البلاد.
تصاعدت تلك الأسابيع من الاحتجاجات الجزائرية المتواصلة إلى مطالب بمزيد من التغيير الجوهري. وأكَّد أحد المحتجّين مراراً: "لسنا جائعين. الأمر لا يتعلق بالاقتصاد. هذه ليست انتفاضة جياع. نريد الكرامة"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وأجبر الجنرالات بوتفليقة على الاستقالة الأسبوع الماضي. وفي غضون أيام من إعلان استقالة بوتفليقة، بدأت الاحتجاجات تتصاعد مُجدَّداً في السودان وقادت إلى هذا السقوط الجَلّي للبشير.
أدارت المؤسسة العسكرية رحيل الزعيمين في كلٍّ من الجزائر والسودان، وذلك على الأرجح في محاولة للحفاظ على سلطتهم، كما كان الحال في مصر عام 2011.
لكنّ المحتجّين أصبحوا أكثر حكمة وتشكَّكا في الجنرالات. إذ ثمة دعوات من جماعات المعارضة والمجتمع المدني للمحتجين في الجزائر والسودان بعدم إخلاء الأماكن العامة الخاضعة لسيطرة الحشود ومواصلة الضغط من أجل التغيير.
متظاهرون يشعرون بالفخر
وبحسب الصحيفة البريطانية، أعطى المواطنون الجزائريون العاديون زجاجات المياه والوجبات الخفيفة لبعضهم البعض أثناء الاحتجاجات وجابوا الشوارع بإشارات على الفخر والاعتزاز. وفي السودان، أسند المتظاهرون مواقع قيادية داخل الحشود إلى النساء مع الحفاظ على السلمية. وشتَّان بين هذه الأخلاق واحتجاجات السترات الصفراء العنيفة، التي هزَّت باريس أسبوع تلو الآخر.
وقال ها هيلير، زميل رفيع المستوى مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة والمجلس الأطلسي: "فكرة أنَّ العرب بحاجة إلى مستبدّين ليحكموهم خرافة مؤاتية ومتوافقة مع المتعصبين وعلاقاتهم التكافلية مع الحكام المستبدين الذين لديهم وجهات نظر متدنية عن شعوبهم". وأضاف: "لقد ثَبُت خطأ ذلك مراراً. وتُبيّن الجزائر والسودان ضحالة تلك الأسطورة رغم التنوّع الكبير الموجود في تلك الدولتين باعتبارهما دولتين عربيتين وكذلك إفريقيتين إلى جانب التنوع في هوية شعبهما".
ويبعث سقوط نظامي بوتفليقة والبشير بإشارات مدوّية في جميع أنحاء العالم. يحذّر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني، الذي يحكم البلاد منذ 33 عاماً، والرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا وغيرهم من الحكام الأفارقة من أنَّ دورهم قادم.
ويبقى أن نرى ما إذا كان مصير بوتفليقة البشير سيؤدي في نهاية المطاف إلى إيقاظ الحكام المستبدين ومؤيديهم الغربيين من غفوتهم ويزعزع شعورهم بالرضا عن الوضع الراهن.