"إن وقف تصدير الأسلحة الألمانية للسعودية لا يطبق بشكل فعال، إنه مجرد خرافة" هكذا وصف برنامج تلفزيوني ألماني الثغرات الكبيرة الموجودة في قرار وقف تصدير الأسلحة الألمانية إلى الرياض.
وكان الائتلاف الحاكم في ألمانيا قد أنهى الشهر الماضي جدالاً بين سياسيه بشأن هذا القرار بالتوسط بحل وسط، يعلن فيه تمديد حظر بيع السلاح للسعودية حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول القادم.
إلا أن تقارير صحفية ألمانية، تشكك في هذا الحظر وتعتبره ظاهرياً، وتقول إنه يتضمن باباً خلفياً تستطيع الحكومة الألمانية به مواصلة بيع السلاح للرياض رغم ذلك.
بنود الاتفاق
وتضمَّن عقد الائتلاف بين الأحزاب الثلاثة الحاكمة نيتها وقف تصدير السلاح فوراً إلى الدول المشتركة بشكل مباشر في الحرب اليمنية بين التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات والمتمردين الحوثيين، المتواصلة منذ 4 أعوام.
ويشير العقد المذكور إلى أن الأحزاب المنضوية في الائتلاف تريد الاتفاق مع شركائها حول سياسة تصدير السلاح المقيدة هذه، بالنسبة لليمن، في قطاع المشاريع الأوروبية المشتركة.
وقف تصدير الأسلحة الألمانية للسعودية لا يطبق
وذكر برنامج مونيتور على قناة "في دي إر" الألمانية العامة يوم الخميس 4 أبريل/نيسان 2019، أنه رغم هذه الوعود فإن الحكومة الألمانية وافقت في الأشهر الـ12 الأخيرة على تصدير أسلحة ألمانية للسعودية والإمارات، بقيمة 311 مليون يورو.
وكانت الحكومة قد أعلنت نهاية العام الماضي عن وقف شامل لبيع السلاح للسعودية فقط، بعد قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، بما في ذلك الصفقات التي تمت الموافقة على تصديرها.
الحظر يشمل السعودية فقط
وشمل الحظر السعودية فحسب، وليس للإمارات ودول أخرى تشارك في الحرب اليمنية.
واعتبر أرنولد فالراف، الرئيس السابق للمكتب الاتحادي للرقابة الاقتصادية والتصدير، والمسؤول عن تصدير الأسلحة، في حديث للتلفزيون المذكور أن الأحزاب الحاكمة، المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي نقضت بشكل واضح وعودها في عقد الائتلاف.
وقال فالراف إن "تحالف الحرب يضم أيضاً الإمارات العربية المتحدة ودولاً أخرى كمصر والبحرين. حتى الأردن ينتمي لتحالف الحرب، ولا يتم الإشارة إلى أي أحد منها".
وأضاف: "هذا يعني أن طرفاً متحارباً رئيسياً، الإمارات على سبيل المثال، يستطيع مواصلة الهجوم على السكان المدنيين بأسلحة ألمانية، هذا ليس مقبولاً إطلاقاً".
ولكنه رغم ذلك أثار نقمة الشركات والشركاء الأوروبيين
وأثار وقف تصدير الأسلحة الألمانية للسعودية نقمة الشركات الألمانية، التي لم تعد تستطيع تنفيذ عقودها مع السعودية.
كما أثار اعتراضاً من قبل فرنسا وبريطانيا على القرار الألماني الفردي الذي أوقف تسليم منتجات المشاريع الأوروبية المشتركة التي تدخل فيها مكونات ألمانية.
وذكر برنامج "مونيتور" أنه على الرغم من أن الاتفاق يبدو جيداً لأنه يمنع تصدير زوارق دوريات للسعودية مثلاً، فإن الطلبات الكبيرة على الأسلحة من السعودية لم تعد مقتصرة منذ وقت طويل على الأسلحة الألمانية، بل من تلك التي يتم إنتاجها عبر مشاريع أوروبية مشتركة تضم مكونات أساسية ألمانية.
وأوضح نموذج لذلك هو طائرات يوروفايتر (وهي من إنتاج أوروبي مشترك تشارك به ألمانيا)، التي تريد السعودية طلب 48 طائرة جديدة منها، وكذلك صواريخ جو-جو ميتور، التي ينتجها كونسورتيوم أوروبي، إلى جانب منظومة رادار كوبرا.
الحكومة تكتفي بمناشدة شركائها عدم تسليم السعودية أسلحة تساهم ألمانيا بصنعها
وأشار البرنامج إلى أن ضغوطات قامت بها الشركات الضخمة على الحكومة الألمانية -كشأن انتقادها من قبل رئيس شركة إيرباص توم إندرز بأنها متصلبة في موقفها الأخلاقي- آتت أكلها فيما يبدو.
إذ ينص اتفاق تمديد حظر تصدير السلاح للسعودية الجديد على السماح للشركات الألمانية باستئناف تزويد شركائها الأوروبيين بقطع ومكونات تدخل في صناعة السلاح، الذي يباع للسعودية، مرفقة بمناشدة فحسب بألا تقوم الدول الشريكة بتسليم أسلحة مجمعة للسعودية أو الإمارات حتى 31 ديسمبر/كانون الأول، مناشدة فحسب لا أكثر.
ويؤكد ماكس موتشلر، من مركز بون الدولي للحوار، المتخصص في أبحاث السلام، أن الحكومة الألمانية تفقد التحكم في الأمر بمجرد موافقتها على تسليم الشركات للقطع الداخلة في صناعة السلاح، وسيكون بوسعها مناشدة شركائها بعدم تسليم السلاح للسعودية، دون أن تستطيع فعل شيء سوى ذلك.
وينقل برنامج "مونيتور" عن خبراء في هذا الشأن قولهم إن المناشدات وحدها نادراً ما تكون نافعة.
ولفت إلى أن الكنائس تطالب لذلك بحظر شامل لتصدير السلاح (بما في ذلك المكونات) غير محدود الوقت للسلاح، لدول التحالف العسكري المشتركة بشكل مباشر في الحرب في اليمن.
ميركل دافعت عن ضرورة التقارب في الموقف مع فرنسا وبريطانيا
وكانت الحكومة الألمانية قد أكدت نهاية شهر مارس الماضي، على لسان المتحدث باسمها شتيفن زايبرت، أنها ستعمل بالاستشارة مع شركائها الأوروبيين على ألا تستخدم الأسلحة المنتجة بشكل مشترك في الحرب اليمنية، وألا يتم توصيل أسلحة مجمعة ضمن البرامج الأوروبية المشتركة للسعودية والإمارات حتى نهاية العام الحالي.
وترغب الحكومة الألمانية أيضاً أن تضمن حصول دول شريكة كبريطانيا وفرنسا، التي تريد تصدير مثل هذه الأسلحة للسعودية، على ضمان من الرياض بعدم استخدام هذه الأسلحة في الحرب اليمنية بأي حال من الأحوال، بحسب موقع "شبيغل أونلاين".
وكانت المستشارة ميركل قد دافعت في الـ21 من مارس/آذار الماضي، خلال كلمة لها في البوندستاغ، عن محاولة إرضاء بريطانيا وفرنسا، اللتين كانتا تضغطان على ألمانيا لكي تسمح بايصال القطع التي تدخل في صناعة الأسلحة، ضمن المشاريع الأوروبية المشتركة.
من جانبه رفض الخضر، أحد الأحزاب المعارضة هذا المنهج الحكومي، وبينت رئيسته أنالينا بيربوك أنه تسود منذ العام 2008 قواعد أوروبية لتصدير السلاح، تنص على عدم تصدير السلاح إلى مناطق الحرب، داعية إلى أن يكون هذا أساساً للتعاون بين فرنسا وألمانيا.
واعتبر أن ما تفعله ألمانيا إشارة إلى أنها ستنظر إلى هذه القواعد بتراخ أكثر، متناقض مع القيم الأوروبية.
إذ إنها تتطلع لتنفيذ مشروع مستقبلي مهم للغاية مع فرنسا
وكانت المستشارة أنجيلا ميركل تحدثت خلال لقائها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، عن التزامهما بتطوير "ثقافة عسكرية مشتركة وصناعة دفاعية مشتركة ومسار مشترك فيما يتعلق بتصدير السلاح".
ويتعلق الأمر هنا مثلاً بالتعاون في صناعة مقاتلات جوية، ستحل مستقبلاً عوض مقاتلات "يوروفايتر"، يمكن أن يتم تصديرها.
وكشفت قناة "في دي إر" أن الميثاق السري الذي ينظم العمل الصناعي المشترك بين الدولتين فيما يتعلق بصناعة الأسلحة، ينص أن أياً من الطرفين سيعترض على النقل أو التصدير لدولة ثالثة في الحالات الاستثنائية فحسب، أي عندما تتعرض المصالح المباشرة والأمن القومي لخطورة.
وأشارت القناة إلى أنه سيتم قلب الاستثناء إلى قاعدة فيما يبدو، بحيث تُصدر السلاح حتى إلى مناطق الحروب دوماً، ورفض ذلك في حالات استثنائية فحسب.