انهمكت واشنطن خلال الأشهر الستة الماضية في قضية قتل الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، الذي كان يقيم في الولايات المتحدة بصورة قانونية، على يد عملاء سعوديين. أدى هذا إلى نقاش غير مسبوق حول العلاقات الأمريكية – السعودية وقيمة المملكة العربية السعودية باعتبارها حليفاً استراتيجياً لها.
وفي الوقت الذي تشكلت فيه حالة غضب عالمية على إثر عملية القتل التي افتضح أمرها بصورة كبيرة وعملية التستر الهزيلة على الجريمة، كانت مواطنة أمريكية تعاني في سرية وصمتٍ من جروح جسيمة لحقت بها على يد حليف مهم آخر للولايات المتحدة: مصر.
أبريل كورلي.. إحدى ضحايا السيسي
يقول ستيفن كوك، وهو باحث أمريكي حول إفريقيا والشرق الأوسط بتقرير نشر له في مجلة Foreign Policy الأمريكية، "تُدعى هذه المواطنة أبريل كورلي. وقد قضيت معها في الأسبوع الماضي ساعة موجعة نفسياً وذهنياً في واشنطن، ولا أزال في الأيام اللاحقة أجد صعوبة في المقاربة بين المرأة التي قابلتها والمرأة الباسمة التي تظهر في الصور مع حبيبها في 13 سبتمبر/أيلول 2015″.
يضيف كوك، "مات رافائيل بيخارانو، حبيب أبريل، وهي تعاني من ألم جسدي لا يبرأ بسبب هجوم ملأ جسدها بالجروح التي سببتها الشظايا والرصاص. تتحدث أبريل وتسير بصعوبة، وبالكاد تستطيع رفع يدها لإلقاء التحية علي. ويمكن أيضاً اكتشاف الصعوبة التي تواجهها للجلوس. وتعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. صدمني اللقاء لدرجة لم اعهدها من قبل. ففي بدايات زواجي، حظيت أنا وزوجتي ببعض المرح في الصحراء الغربية في مصر وليس بعيداً عن الموقع الذي قُتل فيه رافائيل و11 آخرين، وحيث جُرحت أبريل. وتزين صور تلك الرحلة جداراً في غرفة نومنا".
في ذلك اليوم من شهر سبتمبر/أيلول، نفذت مروحية أباتشي مصرية بعد أن أمدتها بها الولايات المتحدة ضمن المساعدات العسكرية، هجوماً لسبب غير مفهوم ضد مجموعة من السائحين المكسيكيين. ووفقاً لنتائج تحقيق أجرته مجلة Foreign Policy الأمريكية، عادت المروحية بعد الهجوم الأول وواصلت هجومها ضد القتلى والجرحى لساعات عديدة.
يقول كوك، يصعب استيعاب سبب ذلك. لم يكن هناك شيء يجعل قوات الجيش ترى أنهم ليسوا مجموعة عادية من السياح خرجوا في رحلة صحراوية. حملت السيارات التي كان يسافر بها السياح شعار شركة السياحة التي نظمت لهم الرحلة، وكانوا في رفقة شرطة السياحة.
وحتى بعد أن نجح سائق وأحد أفراد شرطة السياحة المصرية المرافقة في النجاة والفرار من الجحيم الذي كان يمطر عليهم من السماء من أجل طلب المساعدة من أقرب نقطة تفتيش عسكرية، استغرق الأمر ساعات حتى أرسلت السلطات المصرية جنوداً للمساعدة. وفي نهاية المطاف، أجلى سكان محليون من القرى المجاورة أبريل، التي انتهى بها الحال في مستشفى بالقرب من القاهرة. ونُقلت جواً إلى الولايات المتحدة بعد أيام قليلة.
أبريل خسرت وظيفتها وحلمها وما زالت تعاني جسدياً
ضيف كوك، لن تستطيع أبريل العمل مرة أخرى. فقد كانت راقصة ناجحة، ومصممة رقصات، ومتزلجة بالعجلات، ودوبلير عملت مع فنانات مثل مادونا وكايتي بيري، إضافة إلى ظهورها في عدد كبير من الفيديوهات الموسيقية والإعلانات.
ربما لن تتعافى أبداً من جراحها وصدمتها النفسية. عرضت الحكومة المصرية دفع تعويض إلى أبريل بقيمة 150 ألف دولار، بعد أن ألقت اللوم على الفوج السياحي لعدم حصولهم على تصريح (لكنهم حصلوا عليه في الحقيقة) ووجودهم في المكان الخطأ (لم يكونوا كذلك). ويعتقد محاموها أنها قد تحصل على 100 أضعاف هذا المبلغ حسب تحليل يستند إلى المبالغ التي كانت ستحصل عليها من عملها واحتياجاتها الطبية خلال حياتها.
وبينما تحمل الولايات المتحدة مسؤولية تجاه حليفتها، فإنها أيضاً تحمل واجب التأكد من أن حلفاءها يستخدمون الأسلحة التي تمدهم بها واشنطن استخداماً مسؤولاً (وهي الأسلحة التي تُرسل بمساعدة دافعي الضرائب). وتحمل الولايات المتحدة أيضاً مسؤولية تضمن بموجبها أنه في |حال تعرض مواطنيها لأذى بسبب إهمال حلفائها أو ارتكابهم أعمال إجرامية، فإنها تُخضع هؤلاء الحلفاء للمساءلة".
وحتى هذه اللحظة، لم يحدث أي من ذلك. لم تكن الحكومة المصرية راغبة في التوصل إلى اتفاق مع أبريل، ولا يمكنها اللجوء إلى المحاكم الأمريكية؛ لأنها لا تستطيع مقاضاة مصر بسبب قانون الحصانات السيادية الأجنبية الصادر في 1976. ولا جدوى من محاولة رفع قضية أمام المحاكم المصرية، فقد تستغرق أعواماً وقد تُسيَّس على الفور.
هل يتدخل ترامب لأجلها أم أن "حذاء السيسي" أهم؟
يبقى لدينا الآن الكونغرس الأمريكي وإدارة ترامب. أدى الرئيس دونالد ترامب دوراً "فعالاً" في النجاح من إطلاق سراح آية حجازي، وهي مواطنة أمريكية اُحتجزت ظلماً في السجون المصرية منذ مايو/أيار 2014 حتى أبريل/نيسان 2017. وربما يمارس ترامب ضغوطاً على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أجل قضية أبريل مثلما فعل في قضية حجازي وذلك خلال لقائهما في البيت الأبيض الثلاثاء 9 أبريل/نيسان. غير أن المرء لا يمكنه التأكد على الإطلاق من هذا في ظل إدارة يعوزها الانضباط ونهج للسياسة، يقول كوك.
يعلم العاملون مجلس الأمن القومي بشأن إصاباتها، لكن ترامب قد يركز بكل بساطة على حذاء السيسي. ثمة إشكالية أخرى تتعلق بمساعي ترامب وإدارته تجاوز التوترات مع مصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، والتركيز بدلاً من ذلك على الشواغل المشتركة المتعلقة بتعافي الاقتصاد المصري ومكافحة التطرف. فإذا قرر ترامب أن هذه القضايا يجب أن تحظى بمكانة "رفيعة" ضمن العلاقة الثنائية بين البلدين، فسوف تكون أبريل في حاجة إذاً إلى الكونغرس.
يضيف الباحث كوك، جادلت في الماضي بأن وقف المساعدات العسكرية لن يجعل مصر مستقرة ولا ديمقراطية، لذا فليس هناك سبب لافتعال شجار حول المساعدات. وأؤيد هذا التقييم. غير أنه عندما يتعلق الأمر بأبريل، فهناك شيء نحتاج إلى فعله. وليس فقط لأن قضيتها مزعجة للغاية، بل لأن هؤلاء الطيارين الذين كانوا يحلقون بمروحيات الأباتشي لا يزالون في الخدمة، ولأن الوزارة الخارجية ما زالت ساكنة، والرئيس المصري يزور واشنطن اليوم ليحصل على عشر مروحيات إضافية من نفس النوع.
ويرى كوك، أنه ينبغي للكونغرس، الذي يتحكم في إنفاق الولايات المتحدة، أن يستقطع أكثر من 14 مليون دولار، وهو المبلغ الذي يقول محامو أبريل إنها تحتاج إلى الحصول عليها، من المساعدات العسكرية التي تُخصص لمصر سنوياً بقيمة 1.3 مليار دولار، ثم يُحوَّل المبلغ إلى حسابها. إذ أن الحكومة المصرية لا يمكنها في آنٍ واحد أن تعلن استعدادها لاستقبال السياح، وتطالب دافعو الضرائب بتمويل ترسانة سلاحها أمريكية الصنع، وتكاد تقتل مواطنة أمريكية بقطعة من هذه الترسانة، ثم تتجاهل بقسوة معاناة تلك الأمريكية.
يختتم الكاتب بالقول، "تستحق أبريل كورلي أفضل من هذا، وتستحق الولايات المتحدة حليفاً أفضل من هذا".