أبرمت الولايات المتحدة صفقات لا تقل قيمتها عن 68.2 مليار دولار لتوريد أسلحة نارية وقنابل وأنظمة أسلحة وتقديم التدريب العسكري مع السعودية والإمارات منذ بداية حربهما في اليمن، وهو ما تزيد قيمته بمليارات الدولارات عما أعلن عنه سابقاً، وفقاً لبيانات مؤسسة بحثية أمريكية.
وبحسب موقع Middle East Eye البريطاني يشمل هذا المبلغ الهائل، للمرة الأولى، صفقات أسلحة تجارية وحكومية ويشير إلى أنَّ تورط الولايات المتحدة في هذه الحرب الكارثية قد يكون أكبر من المتوقع. في الواقع، فإنَّ نفقات الأسلحة هذه كان من الممكن لها أن تمول النداء الإنساني للأمم المتحدة عام 2019 من أجل اليمن، الذي بلغ 4 مليارات دولار لأكثر من 17 مرة.
وبحسب البيانات التي جمعتها مؤسسة Security Assistance Monitor البحثية (SAM) التي تراقب تجارة الأسلحة، والمذكورة هنا للمرة الأولى، فقد أبرمت الشركات الأمريكية صفقات بقيمة 14 مليار دولار مع الإماراتيين والسعوديين منذ شهر مارس/آذار 2015، عندما تدخل التحالف في الصراع في اليمن.
وبحسب الموقع البريطاني، تميل المبيعات الحكومية إلى أن تكون لأنظمة رئيسية، مثل الطائرات المقاتلة والدبابات والقنابل والسفن، التي يرجح استخدام بعضها في اليمن بنسب متفاوتة، يرجع هذا جزئياً إلى أنَّ إنهاء مثل هذه الصفقات قد يستغرق سنوات، وكثيراً ما تستحوذ على العناوين الرئيسية.
لكنَّ الأسلحة الأصغر مثل الأسلحة النارية والقنابل المباعة في الصفقات التجارية هي ما يقول الخبراء إنَّ من المرجح استخدامها بصورة لا يمكن إثباتها في الصراع وتسبب أضراراً كبيرة.
قال ويليام هارتونغ مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية، وهو مؤسسة بحثية في واشنطن العاصمة تستضيف مؤسسة SAM، إنَّ البيانات التجارية تُظهر أنَّ بصمة الولايات المتحدة في اليمن "مذكورة على نحو أقل من الحقيقة إلى حد كبير" لأنَّ المبيعات التجارية "نادراً ما تجري مناقشتها مقارنة بالصفقات البراقة الكبيرة مثل صفقات الطائرات المقاتلة".
مبيعات وصلت إلى 67.4 مليار دولار
وأكد مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، تقديرات مؤسسة SAM، وقال إنَّ القيمة الإجمالية لمبيعات الأسلحة الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ شهر مارس/آذار 2015 بلغت حوالي 67.4 مليار دولار.
تأتي هذه التفاصيل الجديدة حول صفقات الأسلحة في خضم استمرار الضغط في الكونغرس الأمريكي لإنهاء مشاركة واشنطن في حرب اليمن، التي أدت إلى تشريد الملايين وانتشار الأمراض وسوء التغذية على نطاق واسع.
كان مجلس الشيوخ قد مرر مشروع قانون في شهر فبراير/شباط لسحب الدعم العسكري الأمريكي للتحالف، والخميس 4 أبريل/نيسان صوت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون لتصالح القانون بعدد أصوات 247 مقابل 175، لكنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هدد باستخدام حق الفيتو ضد هذه الجهود.
وقال السيناتور كريس ميرفي، أحد المشرعين الثلاثة وراء هذا القانون الذي يحظى بتأييد الحزبين متحدثاً إلى موقع Middle East Eye البريطاني: "سوف يتعين على الرئيس ترامب أن يقرر إذا ما كنا سنستمر في مساعدة الجيش السعودي على قتل آلاف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية (من الوصول) لليمن".
وقد أبرمت بعض هذه الصفقات بعد أيام فحسب من ظهور استخدام الأسلحة الأمريكية الصنع في غارات جوية أسفرت عن مقتل مدنيين، بما في ذلك أطفال مدارس في رحلة مدرسية، وضيوف في حفل زفاف، وعائلة بأكملها باستثناء فتاة تبلغ من العمر 5 سنوات، بمنزلهم في صنعاء، بحسب الموقع البريطاني.
وقال هارتونغ: "من الصعب تخيل مثال أكثر مأسوية للعواقب السلبية لمبيعات الأسلحة الأمريكية، إنهم يدعمون أنظمة تقتل المدنيين وتتسبب في كارثة إنسانية.. هذه وصمة عار على الولايات المتحدة".
نوعيات هذه الأسلحة
تتراوح الأسلحة في هذه الصفقات من أنظمة دفاع صاروخية إلى قاذفات القنابل والأسلحة النارية، لكنَّ معظمها عرض في صفقات من قبل شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية إلى الحكومتين السعودية والإماراتية.
وقالت كريستينا أرابيا، مديرة مؤسسة SAM، التي جمعت البيانات المستخدمة في هذا التقرير وهي المنظمة الوحيدة التي تتعقب كلا النوعين من المبيعات، إنَّ هذا هو السبب في أنَّ الأرقام الإجمالية التي استخدمها الصحفيون والباحثون، حتى الآن، للصفقات الأمريكية المتحدة كانت منخفضة على نحو خادع، إذ أنَّ البيانات حول المبيعات التجارية يصعب الحصول عليها، بخلاف المبيعات الحكومية، إذ تنشر التفاصيل الإجمالية بعد وقت طويل من إخطار الكونغرس، يصل في بعض الأحيان إلى 18 شهراً، بحسب الموقع البريطاني.
ويقول الخبراء إنَّ التحالف الذي يقاتل في اليمن وتقوده السعودية ويضم على الإمارات، ما كان ليكون قادراً إلى حد كبير على شن حربه، دون الأسلحة الأمريكية. ذلك أنه بدءاً من عام 2017، كانت 3 أسلحة من أصل كل 5 أسلحة يستخدمها التحالف أمريكية الصنع، وذلك وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
واستخدمت بعض هذه الأسلحة في أكثر من 100 غارة جوية للتحالف وفي هجمات بالقنابل العنقودية أسفرت عن مقتل مدنيين أو استهداف مستشفيات وقرى منذ شهر مارس/آذار 2015، وفقاً لما أوردته المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام.
يتحمل التحالف الذي تقوده السعودية المسؤولية عن 4764 حالة وفاة مدنية منذ عام 2016، وذلك وفقاً لمشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة.
ومع ذلك فقد استمرت الصفقات على مدى السنوات الأربع الماضية بلا هوادة إلى حد كبير. وقال هارتونغ: "عادة ما تمر معظم المبيعات إلى السعودية أو الإمارات أو أي مكان آخر، عبر الكونغرس دون كلمة ثني ناهيك عن تصويت".
كابوس تتبع
وتقول أرابيا إنَّ السبب الرئيسي في أنَّ القيمة الإجمالية العلنية لصفقات الأسلحة الأمريكية إلى التحالف الذي تقوده السعودية كانت أقل من القيمة الحقيقية يرجع إلى الطريقة الملتوية والغامضة لتتبع الصفقات التجارية والإبلاغ عنها.
وتنشر الحكومة الأمريكية تفاصيل حول صفقات الأسلحة المبرمة مع الحكومات الأخرى من خلال برنامج "المبيعات العسكرية الأجنبية" كلما منحت الإدارة موافقتها. لكنَّ تتبع الصفقات بين الشركات الأمريكية التجارية لتصنيع الأسلحة والحكومات الأجنبية المعروف باسم "المبيعات التجارية المباشرة" هو أمر صعب، بحسب الموقع البريطاني.
إذ تسجَّل بعض الصفقات على أنها ذاهبة إلى بلدان متعددة، لتخفي بذلك المستلمين الحقيقيين للأسلحة أو قيمتها بالدولار. وبعض الاتفاقيات الأخرى لا تحدد أنواع الأسلحة، وإنما فئات تقريبية مثل "أسلحة نارية وذخائر".
وهناك أيضاً حدود دنيا، وهو ما يعني أنَّ بعض الصفقات ذات القيم المعينة المنخفضة لا يفصح عنها للكونغرس، على سبيل المثال، أي صفقة أسلحة تقل قيمتها عن مليون دولار، وبعض الصفقات تدرج فحسب وفقاً لمبلغ العتبة في حين تكون قيمتها أكبر من ذلك بكثير.
إذ أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً صفقة لتصدير الأسلحة إلى السعودية، تتعلق بأعمال متصلة بنظام الدفاع الجوي باتريوت، بقيمة "50 مليون دولار أو أكثر"، لكنَّ بيانات مؤسسة SAM تظهر أنَّ قيمتها تزيد في الواقع عن 195.5 مليون دولار.
وقالت أرابيا إنَّ نتيجة هذه التقارير الغامضة أنَّ الجمهور يجهلون مكان بيع الأسلحة الأمريكية وعدد الأسلحة وإلى من تباع.
وقالت أرابيا: "يكون هناك بعض المعلومات حول نوع السلاح في تقرير إحدى اللجان. ثم يذكر تقرير لجنة أخرى اسم البلد، ثم يتعين عليّ التواصل مع لجنة أخرى للحصول على مبلغ البيع بالدولار".
وأضافت أنها في بعض الأحيان تحصل على الأرقام لأنها أقامت روابط مع أعضاء معينين في اللجنة. وقالت إنه منذ انتخابات نصف المدة الأمريكية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، عندما سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، وهي غير قادرة على الحصول على تدفق المعلومات المعتاد، بحسب الموقع البريطاني.
ومع ذلك، فقد جمعت أرابيا، شيئاً فشيئاً، قاعدة بيانات للصفقات التجارية إلى السعودية والإمارات.
ومن خلال جمع الأرقام من الصفقات الحكومية والتجارية التي تتبعتها أرابيا، فإنَّ الأرقام الإجمالية تظهر أنَّ الولايات المتحدة قد وافقت على أسلحة وتدريب إلى السعودية تزيد قيمتها عن 54.1 مليار دولار، وما تفوق قيمته 14 مليار دولار إلى الإمارات منذ تدخل التحالف في الحرب.
وتعود هذه البيانات إلى عام 2015 فحسب، ما يجعل من المحال معرفة عدد الأسلحة التي باعتها الولايات المتحدة على نحو تجاري إلى التحالف قبل الحرب. وكانت برامج المبيعات التجارية والحكومية قد بدأت عام 1976.
وفي حين تقر وزارة الخارجية بدقة هذه الأرقام، فإنَّ أرابيا تشك في أنها ربما تكون أقل بمليارات الدولارات من القيمة الحقيقية.
هجمات تعقبها صفقات
وبحسب الموقع البريطاني، من الواضح الآن، باستخدام بيانات مؤسسة SAM، أنَّ الولايات المتحدة قد وافقت على صفقات أسلحة مع السعودية والإمارات بعد أيام فحسب من ظهور استخدام التحالف لقنابل أمريكية لقتل مدنيين في اليمن وأيضاً بعد القتل الوحشي لجمال خاشقجي.
وفي الآونة الأخيرة، في 6 ديسمبر/كانون الأول، بعد شهرين من تقطيع جثة خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وافقت إدارة ترامب على صفقة تجارية بأكثر من 195.5 مليون دولار من التحديثات لنظام باتريوت للدفاع الصاروخي الذي تملكه السعودية.
وكان السعوديون قد استخدموا نظام باتريوت لصد هجمات صاروخية للحوثيين.
وتشمل الصفقات التي أبرمت بعد وقت قصير من هجمات التحالف باستخدام أسلحة أمريكية ما يلي:
- في 9 أغسطس/آب 2018، ضربت قنبلة تابعة للتحالف حافلة مدرسية شمالي اليمن تحمل أطفالاً في رحلة مدرسية. قتل 54 شخصاً، من بينهم 44 طفلاً. بعد ذلك بأسبوع، جرى إخطار الكونغرس بصفقة تجارية مع الإمارات بقيمة 344.8 مليون دولار مقابل قطع غيار نظام الدفاع الصاروخي باتريوت.
- أوردت شبكة CNN الأمريكية بتاريخ 17 أغسطس/آب أنَّ القنبلة المستخدمة في الهجوم على الحافلة المدرسية من صنع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، أكبر صانع للأسلحة في العالم. وبعد 3 أيام من بث تقرير CNN، أبرمت إدارة ترامب صفقة مع الإمارات بقيمة 14.4 مليون دولار مقابل قطع غيار البنادق.
- قصف طيارو التحالف الذي تقوده السعودية حفل زفاف شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء بتاريخ 22 إبريل/نيسان 2018، ما أسفر عن مقتل 33 شخصاً، بما في ذلك العروس. بعد ذلك بأيام أثبتت Bellingcat أنَّ شركة رايثيون صنعت جزءاً من قنبلة عثر عليها في موقع الهجوم. ووافقت إدارة ترامب على صفقة تجارية مع السعوديين بتاريخ 21 يونيو/حزيران لبيع بنادق وقاذفات مقابل 2.1 مليون دولار.
- وفي 25 أغسطس/آب، انفجرت قنبلة موجهة بالليزر في منطقة سكنية في صنعاء وقتلت زوجين و5 من أطفالهم الستة. وانتشرت صورة لبثينة البالغة من العمر 5 سنوات والناجية الوحيدة من الأسرة، التقطت بعد وقت قليل من الهجوم. في هذه الصورة تشد بثينة، المتورمة والمكدومة، جفونها بعيداً لكي ترى. وأثبتت منظمة العفو الدولية بعد شهر من ذلك أنَّ قطعة من القنبلة التي وجدت وسط الحطام صنعتها شركة رايثيون. بعد ذلك بأسابيع، في 6 أكتوبر/تشرين الأول، وافقت الولايات المتحدة على صفقة لإرسال نظام صواريخ ثاد الدفاعي بقيمة 15 مليار دولار إلى الرياض.
صفقات من عهد أوباما
وقد وقعت هجمات مماثلة من التحالف الذي تقوده السعودية وأُبرمت صفقات أسلحة أمريكية خلال عامي 2015 و2016، عندما كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ما زال في البيت الأبيض.
وكان السعوديون والإماراتيون قد قادوا تحالفاً من الدول العربية إلى الحرب الأهلية اليمنية في شهر مارس/آذار 2015، لقمع الحوثيين. يقول السعوديون إنَّ الحوثيين وكلاء لإيران، في حين يقول المحللون إنَّ الإمارات يبدو أنها تحاول سحق جماعات المعارضة وكسب أراضي في اليمن، ولا سيما على طول البحر الأحمر.
وقبل أن يغادر أوباما منصبه مباشرة، أوقفت إدارته، التي صدقت على مبيعات للأسلحة بقيمة 117 مليار دولار للسعوديين على مدار 8 سنوات، بيع الذخائر الموجهة بدقة بسبب مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان بعد هجمات نفذها التحالف الذي تقوده السعودية.
لكن في شهر مايو/أيار 2017، أعلن الرئيس ترامب، بينما كان في زيارته الخارجية الأولى إلى السعودية أنه سوف يلغي هذا التعليق.
نتيجة للصراع المستمر، فإنَّ اليمن التي يُعتبر بالفعل من أفقر البلدان في الشرق الأوسط "لم يعد له وجود"، وذلك بحسب الأمم المتحدة، التي قالت إنَّ البلاد تواجه الآن "أسوأ كارثة إنسانية من صنع الإنسان في وقتنا الحاضر".
قنوات غير رسمية
لكن في حين أنَّ صفقات الأسلحة الأمريكية الحكومية والتجارية إلى بلدان في التحالف الذي تقوده السعودية تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، فإنَّ الكثير من الأسلحة الأمريكية الصنع تشق طريقها أيضاً إلى أيدي الأطراف المتحاربة في اليمن عبر قنوات غير رسمية، بحسب الموقع البريطاني.
إذ عرض تاجر أسلحة في الشمال اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون بيع بندقية من طراز M4 لصحفي من مؤسسة أريج (إعلاميون من أجل صحافة مستقلة) تظاهر بأنه مشتر أوائل العام الجاري مقابل 4500 دولار.
وقال الصحفي، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، إنَّ من الشائع رؤية أسلحة نارية وقنابل يدوية أمريكية في أسواق السلاح اليمنية، وإنَّ من الممكن العثور عليها في الشمال والجنوب على حد سواء.
وأضاف الصحفي أنَّ المقاتلين الحوثيين عندما يهاجمون مواقع التحالف فإنهم عادة ما يستولون على أسلحتهم. وهناك أيضاً سوق سوداء، حيث تقوم شبكة من التجار ببيع الأسلحة وشرائها.
وقالت ندوى الدوسري، مديرة فرع اليمن لمركز المدنيين في الصراعات، وهي منظمة غير حكومية مقرها واشنطن العاصمة: "من العادي العثور على أسلحة أمريكية في اليمن".
في الواقع، فإنَّ وجود أسلحة أمريكية الصنع في جميع أنحاء البلاد "ليس مفاجأة لأي يمني".
وقالت ندوى إنَّ هذا الأمر يعزى جزئياً إلى حقيقة أنَّ الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح كان مدعوماً من الولايات المتحدة فيما يسمى بالحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. إذ قال سفير أمريكي سابق لدى اليمن عام 2018 إنَّ الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 115 مليون دولار لتجهيز قوات صالح بين عامي 2002 و2009، بحسب الموقع البريطاني.
وفي عام 2015، فقد البنتاغون أيضاً أثر ما قيمته 500 مليون دولار من الأسلحة النارية والطائرات وغيرها من المعدات العسكرية في اليمن.
والآن، فإنَّ التحالف الذي تقوده السعودية يبدو أنه يحول المركبات المدرعة أمريكية الصنع إلى الميليشيات المحلية، وهو ما يعد انتهاكاً لاتفاقيات الأسلحة، وفقاً لفيلم وثائقي نشرته أريج العام الماضي.
وقد أظهر الفيلم الوثائقي أنَّ كتائب أبو العباس، وهي مجموعة سلفية في تعز يدعمها الإماراتيون وقد وضع زعيمها الآن على قائمة الإرهاب الأمريكية، قد تلقت 3 عربات مصفحة من طراز Oshkosh M-ATV أمريكية الصنع في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
كما شوهد علم اليمن الجنوبي مرفرفاً على مركبة أخرى من هذه المركبات –من طراز BAE Caiman MRAP- والتي عادة ما تستخدمها الميليشيات اليمنية المدعومة من الإمارات. وتزعم أبو ظبي أنها دربت حوالي 25 ألف جندي يمني.
مشاركة لا تنتهي
وبخلاف الأسلحة والتدريب والمساعدة الفتية، يستحيل تقدير المدى الكامل للمشاركة الأمريكية في اليمن، سواء في الحرب وفي جهود مكافحة الإرهاب.
فوفقاً لتقرير أعدَّته وحدة أبحاث الكونغرس، أمدَّت الولايات المتحدة التحالف بدعمٍ استخباراتي ومشورة عسكرية. وفي حين ساعدت واشنطن من قبل الطائرات السعودية بعمليات تزويد بالوقود في الجو، قالت وزارة الدفاع إنَّها أوقفت هذا البرنامج في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب الموقع البريطاني.
لكن في خضم الضغط المستمر لإنهاء كل المساعدة المُقدَّمة للتحالف الذي تقوده السعودية، أصرَّت إدارة ترامب على أنَّ اليمنيين سيكونون أسوأ حالاً –وسترتفع حصيلة الضحايا المدنيين أكثر بكثير- دون المشاركة الأمريكية في الحرب.
وتجادل الإدارة كذلك بأنَّ تهديد إيران يُبرِّر استمرار مبيعات الأسلحة الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية، بحسب الموقع البريطاني.
فقال وزير الخارجية مايك بومبيو في مؤتمرٍ صحفي عُقِد مؤخراً: "إن كنتم تكترثون حقاً بشأن حياة اليمنيين، ستدعمون الجهود التي تقودها السعودية لمنع تحوُّل اليمن إلى دولة دمية في يد جمهورية إيران الإسلامية الفاسدة والوحشية".
وأصرَّ مسؤولون كبار بإدارة ترامب على أنَّ الإدارة تتأكَّد من عدم استخدام الأسلحة في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
فقالت تينا كايداناو، التي عملت على مبيعات الأسلحة بوزارة الخارجية الأمريكية، في مؤتمرٍ العام الماضي: "لن نُقدِّم الأسلحة إلى حيث نعتقد أنَّها ستُستخدَم لارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وقال مسؤول بالخارجية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إنَّ مبيعات الدفاع الأمريكية للخليج هي جزءٌ من التزامٍ بالاستقرار الإقليمي، وإنَّ الوفيات المدنية على الأرجح ستزيد لولا الضغط الأمريكي على السعوديين.
لكنَّ وزارة الدفاع قالت إنَّها لا تتبَّع طائرات التحالف، أو أهدافها، أو نجاح مهماتها بعد عمليات إعادة التزويد بالوقود في الجو.
لكنَّ هناك اختلاف في الروايات بشأن هذا، إذ صرَّح مستشار سابق بوزارة الخارجية كان يعمل مع التحالف حتى عام 2017 لصحيفة The New York Times الأمريكية إنَّ المسؤولين الأمريكيين كانت لديهم إمكانية وصول إلى قاعدة بيانات تُوفِّر تفاصيل كل غارة جوية.
قال هارتونغ: "بخصوص مسألة الغارات الجوية، فإنَّ وزارة الدفاع تكذب بشأن قدر المعلومات الذي تعرفه"، بحسب الموقع البريطاني.
وفي الوقت نفسه، تهدف سياسة جديدة لبيع الأسلحة في عهد إدارة ترامب –وهي سياسة تُشجِّع شركات السلاح على أن تكون أكثر فعالية وتُخفِّف القيود على المُصنِّعين- إلى زيادة التنافسية الأمريكية في سوق السلاح العالمي وتوفير المزيد من فرص العمل.
قالت كايداناو: "في عهد هذه الإدارة، لن يكون هناك مُروِّج للمبيعات الأمريكية أنشط من الحكومة الأمريكية نفسها".
في غضون ذلك، قالت كريستينا أرابيا إنَّه يُرجَّح أن تتم صفقات الأسلحة المستقبلية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بصورة تجارية، في ظل تزايد الضغط على الولايات المتحدة لإنهاء دورها في الحرب.
وأضافت أنَّ آخر صفقة بقيمة 195.5 مليون دولار مع السعودية بشأن أعمال مرتبطة بمنظومة الدفاع الجوي باتريوت "ربما كانت لتتوقف في الكونغرس" لو كانت صفقة حكومية.
ورفضت شركة Raytheon الرد على أسئلة بخصوص اعتبارات حقوق الإنسان وأي مسؤولية ربما تتحملها عن الوفيات المدنية في اليمن. وقال متحدثٌ باسم الشركة في مكالمة هاتفية: "أعتقد أنَّنا لن يكون لدينا أي شيء نخبرك إيَّاه بهذا الخصوص"، بحسب الموقع البريطاني.
ولم ترد شركة Lockheed Martin على طلباتٍ عدة للتعليق على نفس الأسئلة.
"تحالف ضمني"
يعني مقدار الأسلحة الهائل والتدريب اللذين تُقدِّمهما الولايات المتحدة للتحالف أنَّ كلاً من السعودية والإمارات تعتمدان بقوة على الولايات المتحدة في مجهودهما الحربي باليمن. وهذا ينطبق بصورة خاصة على السعوديين.
كتب هارتونغ في تقريرٍ حديث: "سيستغرق الأمر عقوداً من جانب المملكة كي تستغني عن اعتمادها على العتاد والتدريب والدعم الأمريكي".
ووفقاً لنفس التقرير، يأتي ثلثا كامل أسطول الطائرات السعودية الجاهزة للقتال من الولايات المتحدة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أبرمت الولايات المتحدة صفقات قنابل ورؤوس حربية وقذائف موجهة بالليزر بقيمة 1.29 مليار دولار لأنَّ الإمدادات السعودية "استُنفِدَت".
تُوفِّر الولايات المتحدة أيضاً حصة الأسد من الأسلحة التي تستخدمها الإمارات، ودرَّبت الآلاف من جنودها. ووفقاً لهارتونغ، تأتي 78 مقاتلة من مقاتلات الإمارات البالغ عددها 138 من الولايات المتحدة.
وقال هارتونغ إنَّه يعتقد أنَّ سحب كافة قنوات الدعم العسكري للسعودية والغمارات "من شأنه شلّ قدرتيهما على شن الحرب في اليمن، وخصوصاً الحرب الجوية العشوائية".
وفي المقابل، اتهم هارتونغ الإدارة بـ"دمغ طابع الموافقة على ما تفعله هاتان الدولتان" في اليمن، حيث يحتاج الآن نحو 24 مليون شخص للمساعدة الإنسانية، ومات الآلاف بسبب سوء التغذية المرتبط بالحرب، وقُتِل أكثر من 67 ألف مدني ومقاتل.
وقال: "إنَّه بالفعل تحالفٌ ضمني".