لما كان فلسطينيو الداخل يشعرون بالإحباط من الخيارات المتاحة أمامهم في الانتخابات الإسرائيلية ومن الساسة العرب الذين وصفوهم بأنهم غير فاعلين، يحشد بعضهم دعماً شعبياً من أجل مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية المُنتظر عقدها الثلاثاء 9 أبريل/نيسان 2019.
لكن فنان هيب هوب فلسطينياً معروفاً نشر فيديو جديداً وقوياً الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2019، يعارض مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية ويستحث المواطنين العرب على عدم تضييع أصواتهم.
ويعبّر الفنان الفلسطيني، وفق ما نقلته صحيفة The New York Times الأمريكية، عن أمله في أن تساعد المشاركة القوية في انتخابات الثلاثاء، على التخلص من رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، بل ربما قد تودي به إلى "السجن".
أغنية حول الانتخابات الإسرائيلية تثير الجدل
وتوضح الصحيفة الأمريكية أنه في أغنية مصورة باللغة العربية، انتشرت على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت جدلاً كبيراً، يظهر مغني الراب تامر نفار، القادم من مدينة اللد الإسرائيلية، وهو يجادل نفسه بشأن اختيار الخروج للتصويت أو البقاء في المنزل، ثم يؤيد بقوة في نهاية المطاف الخروج للتصويت، وما يُضفي طابعاً درامياً على ما قاله نفار أنه كان حواره الداخلي خلال الأسابيع القليلة الماضية.
يقول صوت نفار المؤيد للمقاطعة، خلال الفيديو الذي حمل عنوان "تامر مجبور يصوّت": "الأرض أرضك. الدولة دولتهم. فالكنيست مش إلنا".
لكنَّ صوته المؤيد للتصويت في الانتخابات الإسرائيلية يردُّ بسرعة بأن حتى الشيكل أيضاً عملة إسرائيل. غير أنه يجادل بشأن ما ينبغي لهم أن يفعلوه إذاً، فيقول: "شو رأيك في هاد؟ نوقف مصارينا، ونوقّعلهم الاقتصاد"؛ نظراً إلى أن الضرائب التي يدفعها العرب تمول الجيش. ويتساءل مرة أخرى: "نبلّش نزرع شاي بالبيت، هيك منموّلش صواريخ ع غزة".
يردُّ الصوت الآخر المؤيد للمقاطعة بأنهم يستخدمونه ومن مثله كي يظهروا ليبراليين، ويردد جدالاً مستمراً بأن المواطنين الفلسطينيين الذين يقولون إن المشاركة في العملية الديمقراطية الإسرائيلية تضفي مظهراً خادعاً بوجود المساواة أمام أعين الغرب.
يُعوّل على العرب لحرمان اليمين المتطرف الإسرائيلي
فيرتضخ الصوت المؤيد للديمقراطية بسخرية، ويقول إن الديمقراطية صيحة تنتمي إلى الثمانينيات.
ثم يردُّ عليه الصوت المؤيد لمقاطعة الانتخابات الإسرائيلية قائلاً إنَّ صوته لن يغير شيئاً، ويتساءل متعجباً: "ليه أدخل حرب صواريخ وبإيدنا سكين؟!". فيردُّ الآخر: "ليه أدخل حرب دبابات وبإيدنا حجر؟!".
ثم حاجَّه المؤيد للتصويت، مؤكداً أنه لا يقول إننا سوف نحرر بهذا فلسطين، ويمسك الميكروفون المتدلي أمامه بقوة ويقول: "بس إذا صوتنا ممكن يحذف ليبرمان، يسجن بيبي؛ فإحنا جاهزين"، وذلك في إشارة إلى وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المُلقب بـ "بيبي".
من المؤكد أن إحدى أبرز المفارقات التي قد تحملها انتخابات الثلاثاء، أنه إذا رفعت المشاركة القوية في الانتخابات من جانب فلسطينيي الداخل الحدَ الأدني من الأصوات التي يجب أن تحصل عليها الأحزاب لدخول البرلمان، سيصير هذا الحد مرتفعاً للغاية بدرجة يفشل معها ليبرمان من دخول البرلمان؛ إذ يشق حزبه "إسرائيل بيتنا" طريقه بصعوبة في استطلاعات الرأي.
وستعصف بنتنياهو الذي يقود حملة مناهِضة للعرب
أشارت بعض استطلاعات الرأي هذا العام (2019) إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات من جانب فلسطينيي الداخل ستكون أكبر، في ظل الغضب الكبير من نتنياهو، الذي يقود حملة مناهِضة للعرب غير مسبوقة.
لكن حركة مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية تحمل آثاراً عكسية، وتُغضب القادة العرب، إضافة إلى كثير من منافسي نتنياهو من الإسرائيليين اليهود الذين كانوا يأملون أن تؤدي أصوات العرب دوراً حاسماً في هزيمته.
قال نفار خلال مقابلة معه، إنه لا يزال يأمل أن تَحدث مثل هذه النتيجة، التي يقول عنها إنها ستكون "عدالة شاعرية".
وقال إنه ليس مُتيَّماً ببيني غانتس، رئيس هيئة الأركان العامة السابق بالجيش الإسرائيلي، الذي يتساوى مع نتنياهو في استطلاعات الرأي، لكنه أوضح أنه يُفضّل غانتس على نتنياهو.
ورغم أن نتنياهو يواجه اتهامات بالفساد فقط، قال نفار إنه يفضل أن يكون الاتهام من أجل "جرائم الحرب"، مضيفاً: "على الأقل يكون شيئاً ذا أهمية". وأوضح: "أظن أنني أشاهد مسلسل صراع العروش كثيراً".
وهي الأسباب التي دفعت نفار إلى إخراج الأغنية
بدأ نفار (39 عاماً)، مسيرته الفنية مع الهيب هوب في التسعينيات، واتخذت كلمات أغنياته منعطفاً سياسياً قوياً مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. وقد وُلد لأبوين من اللاجئين الفلسطينيين ولديه طفلان. كان نفار بطلاً لفيلم سيرة ذاتية مشهور أُنتج في 2016 بعنوان "مفرق 48". انسحبت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، في أثناء عرض الفيلم بحفل توزيع جوائز السينما في البلاد، وحاولت في ذلك العام إلغاء عرضه بدور السينما.
قال نفار مفسِّراً قراره التصويت في الانتخابات الإسرائيلية : "لا أقول إن الوجود في الكنيست أفضل دواء، ولكن إذا رغبت في التخلص منه فيجب أن أفعلها جرعة تلو جرعة"، وليس التخلص منه كله دفعة واحدة، من دون شيء يحل محله.
لا يجد صوت نفار المؤيد للمقاطعة فائدة من وراء الساسة العرب، إذ يسأل: "هل عالجوا فقراً؟ هل وسّعوا أُطراً؟ بس بالانتخابات بيبيّنوا في الأفق"، مضيفاً أنه صوَّت للقائمة المشتركة في المرة السابقة، لكن الصراع الداخلي مزَّقها. فيوضح: "بالنسبة إليَّ، هاي السفينة غرقت".
ويؤكد أن العكس سيزيد محنة عرب إسرائيل
لكنَّ صوت نفار المؤيد للتصويت يقول إنه لا يراها سفينة تايتانيك، بل "مافي مرمرة"، وهي السفينة الاحتجاجية التي حاولت كسر حصار غزة في 2010، وهو ما أكسَب القضية الفلسطينية اهتماماً دولياً. فيقول: "مش منطقي أتنازل عن هاي الأداة، لما ما عندناش أدوات غير، فبدّي أصوّت".
وأوضح في المقابلة أن البديل سيكون السماح للقادة الإسرائيليين بأن يفعلوا ما يريدون بالمواطنين الفلسطينيين، حتى لو كان ذلك يعني -حسبما يرغب بعض الساسة اليمينيين المتطرفين- إخراج المواطنين العرب من إسرائيل.
إذ إن التصويت في الانتخابات الإسرائيلية حسبما يقول صوت نفار المتقلب بين الحالتين في الفيديو، كان على الأقل الشيء الوحيد الذي لديه قدرة على القيام به، والسبب حسب كلماته: "عشان أغني للي بدّوش يصوّت، بدال ما أحكي معاه في شاحنات الترانسفير".