يخرج سكان برلين إلى الشوارع السبت 6 أبريل/نيسان 2019؛ احتجاجاً على ارتفاع الإيجارات في العاصمة الألمانية ، ولتشجيع الأشخاص على التوقيع لإحداث ثورة إسكان، من خلال استفتاء للتصويت على منع كبار مُلاك الأراضي من العمل في المدينة ومصادرة أملاكهم وإضافتها إلى عقارات الإسكان الاجتماعي.
وأوضحت صحيفة The Guardian البريطانية أن الاستفتاء المقترَح، الذي قد يُنظَم في منتصف العام المقبل (2020) إذا استطاع النشطاء جمع 20 ألف توقيع خلال الأشهر الستة المقبلة و170 ألف توقيع أخرى بحلول شهر فبراير/شباط 2020، سوف يطلق سابقة قانونية في ترسيخ اعتبار السكن حقاً إنسانياً، والتأثير على شركات العقارات على نطاق ممتد قد يصل إلى لندن.
وإذا نجحوا في الوصول إلى مرحلة الاستفتاء، فبإمكان منظمي الحملة من سكان برلين أن يحلموا بتحقيق الانتصار، إذ يشير استطلاع رأي أجراه معهد Forsa، يعود إلى شهر فبراير/شباط 2018، إلى أن 44% من سكان برلين يعتقدون أن تأميم ممتلكات مالكي الأراضي سيكون إجراءً مقبولاً، في حين يرفض الفكرة 39% فقط.
أثارت الحملة التي تؤيد المصادرة (والتي سميت Expropriate Deutsche Wohnen & Co على اسم أكبر مُلاك الأراضي في المدينة وهي شركة Deutsche Wohnen)، حالة جدل في الصحافة حول ما إذا كانت الاشتراكية تعاود أدراجها إلى العاصمة السابقة لألمانيا الشرقية.
صراع سكان برلين مع كبار وسطاء العقارات
يفسر تحوُّل سكان برلين المتقاعدين من الرزانة والاتزان إلى الأفكار الراديكالية أسباب الزخم المتنامي وراء حملة Expropriate Deutsche Wohnen & Co.
ففي عام 2005، أعلن تكتل عقاري -استحوذ على العقارات المصممة على طراز المدرسة الفنية "باوهاوس" والكائنة في جادة Argentinische Allee، حيث عاش المتقاعدون فيها منذ عام 1959- زيادة شهرية بقيمة 100 يورو في الإيجار، مقابل تجديدات ارتأت غالبية المستأجرين من سكان برلين أنها غير ضرورية.
فقد ساعدت الإصلاحات التدريجية التي طرأت على قانون الإيجارات الألماني في تمكين مُلاك العقارات من فرض "تجديدات فعالة" على عقاراتهم، وتحميل المستأجرين 11 % من تكاليفها.
ويزعم النقاد أن القانون يسمح لمُلاك العقارات في العاصمة الألمانية بطرد المستأجرين القدامى وعرض الشقق في السوق فوراً بأسعار أعلى، من دون إجراء أي تحسينات كبيرة.
نظراً إلى أن القانون الألماني يحظر إمكانية رفع دعاوى قضائية جماعية، اضطرت باربرا و170 من جيرانها إلى مقاضاة المالك الحالي للعقارات التي يسكنون فيها، وهي شركة Deutsche Wohnen، استناداً إلى دعاوى فردية. وتقول: "مثل جميع المواطنين الألمان الصالحين، اصطحبنا قضيتنا من محكمة إلى أخرى"، ولكن دون نتيجة.
خسر كثير من المستأجرين الدعاوى، وكان على الجيران تنظيم حملة تبرعات، لمساعدتهم في الخسارة التي لحقت بهم. تنفق باربرا الآن 60% من معاشها على الإيجار.
وينظرون إلى "الاستفتاء" على أنه المنقذ من التشرد
بعد أن كانت ملاذاً آمناً للفنانين والمتسربين من المدارس بسبب إيجاراتها المنخفضة بدرجة استثنائية، ارتفعت أسعار العقارات في برلين بنسبة 20.5% في عام 2017، أي أسرع من أي مدينة أخرى بالعالم.
كان تأثير ما يُعرف بقانون "مراقبة الإيجارات" مخيباً للآمال، وهو قانون فُرض بمدن كبيرة على شاكلة برلين وهامبورغ وميونيخ في 2015 لكبح جماح ارتفاع أسعار الإيجارات. ويُعزى جزء من هذا إلى أنه يضع العبء على كاهل المستأجِر وليس مالك العقار، من أجل حساب السعر العادل للإيجار.
ولكن منذ بداية حملة Expropriate Deutsche Wohnen & Co في العام الماضي (2018)، استعادت باربرا الأمل في أن حالة الإحباط التي تنتاب المستأجرين حول المدينة يمكن حشدها لتشكّل حركة واحدة جامعة.
إذ تقول: "فجأة، تحركت الأمور. تجري مناقشة جميع التدابير التي أُخفيت وأُهملت".
ويبحثون عن "حق دستوري" لحملتهم
يعتبر الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني الشريك الأساسي في الائتلاف الحالي الحاكم في برلين والقوة الدافعة الرئيسية وراء خصخصة الرصيد السكني في العاصمة خلال أواخر التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة.
وقد نأى الحزب بنفسه بعيداً عن الحملة رغم أنه اقترح تجميد أسعار الإيجارات في المدينة 5 أعوام. زايد فرع الشباب التابع للحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني على مطالب حملة سكان برلين واقترح مصادرة أملاك أي مالك عقارات يملك أكثر من 20 شقة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، حاول مجلس شيوخ برلين إيقاف استحواذ Deutsche Wohnen على 316 شقة في ثلاث بنايات تقع بجادة Karl-Marx-Allee، وهو شارع فخم في شرق المدينة يعود تاريخه إلى عصر ستالين.
وإذا كان المستأجرون من سكان برلين يشعرون بالجرأة بسبب الحملة الشعبية الجديدة؛ فالسبب أنهم يعتقدون أنَّ مطلبها الأكثر راديكالية يمكن دعمه عن طريق دستور 1949 الألماني، وهو القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
تنص المادة 15 من الدستور، والتي صيغت قبل أن تتبنى البلاد كلياً اقتصاد السوق، على أن "الأرض، والموارد الطبيعية، ووسائل الإنتاج، يجوز، بغرض التأميم، نقلها إلى الملكية العامة أو أي صور أخرى من المؤسسات العامة بموجب قانون يحدد طبيعة ونطاق التعويضات".
لتجريد كبار المُلاك من عقاراتهم ونقلها إلى هيئة عامة
وفي أواخر 2017، اكتشف منظِّم حملة الإسكان، روزبه طاهري، أنه رغم عدم استخدام المادة 15 من قبلُ بالطريقة التي تقترحها الحملة، استخدم مجلس شيوخ برلين نفسه هذا البند لتهديد مُلاك العقارات بالمصادرة؛ من أجل إفساح الطريق أمام مشروعات البنى التحتية، مثل الطرق السريعة الجديدة.
يجادل طاهري، وهو المتحدث باسم الحملة في الوقت الراهن، بأن الدعاوى القضائية بين شركة Deutsche Wohnen، التي تملك أكثر من 100 ألف شقة في العاصمة الألمانية، والمستأجرين من سكان برلين ، سوف تثبت أن الشركة تسيء استغلال قوتها الاقتصادية في المدينة حالياً، ومن ثم سيشكل ذلك سبباً كافياً لاستحضار البند القانوني المُتغاضَى عنه قبل ذلك.
يقول المقترح الرئيسي لحملته: ينبغي لملاك الأراضي الذين يملكون أكثر من 3 آلاف شقة أن يُجرَّدوا من أملاكهم، وأن تُنقَل هذه الأملاك إلى هيئة عامة جديدة مسؤولة عن الإسكان الاجتماعي. وتشير حسابات منظِّمي الحملة إلى أنَّ مثل هذا التحرك يمكن أن يوفر نحو 200 ألف شقة.
تعتقد شركة Deutsche Wohnen أن الفكرة غير قابلة للتنفيذ قانونياً، بل ترقى إلى أن تكون مثل قُبلة وداعٍ لاقتصاد السوق. غير أن ثلاثة استطلاعات رأي كلَّف إياها مجلس شيوخ برلين، تدعم المبدأ الأساسي لمنهج منظِّمي الحملة، حتى إن أحدها يشير إلى أن "تأميم الشركات الكبيرة قد يكون تبريره أسهل من تأميم الشركات الصغيرة".
غير أن هناك عقبات كثيرة أمام هذا المشروع
ومع ذلك، لا تزال كثير من العقبات في حاجة إلى تذليلها قبل أن تعلن برلين نفسها بطل أوروبا الجديد المدافع عن حقوق السكن. ولا يُعرف عدد دقيق لمُلاك الأراضي الذين قد يتأثرون بهذه المساعي الذي يقوده سكان برلين ، وما زال من الصعب معرفة ذلك في الوقت الذي تُقيِّد فيه حقوق الخصوصية في ألمانيا عملية الوصول المركزي إلى سجلات الأراضي.
لكن المؤكد أن برلين، التي كانت توصف بـ "فردوس المستأجرين"، جذبت على مدى السنوات عدداً كبيراً للغاية من أقطاب العقارات مقارنةً بالعواصم الأوروبية الأخرى، مثل لندن، حيث تملك شركة Grainger، كبرى الشركات المالكة للعقارات هناك، نحو 1500 وحدة فقط.
وفي الوقت الذي تدَّعي فيه تقديرات التكلفة الأولية بمجلس الشيوخ في برلين أن 10 شركات خاصة تملك كل شركة منها 3 آلاف شقة، رفعت دراسة أخرى الستار عن اثنين آخرين من مُلاك الأراضي، وكلاهما مرتبط بالمملكة المتحدة.
تقول شركة Pears Global Real Estate العقارية المسجلة في لندن، إنها تملك 6200 وحدة سكنية في ألمانيا "متمركزة بشكل رئيسي في برلين"، حسبما تذكر في موقعها الإلكتروني. وفي الوقت ذاته، يمكن القول إن ملكية أكثر من 4 آلاف شقة تعود إلى شركة إدارة صناديق عقارية مسجلة في جزيرة جيرسي، وتسمى Warwick Square Trust.
وعواقب على شركات الإسكان خاصةً الحكومية
الأكثر من هذا أن خبراء قانونيين يعتقدون أن نجاح أي استفتاء في مصادرة عقارات مُلاك الأراضي قد يعني اضطرار شركات إسكان حكومية كبيرة، مثل Degewo، إلى تسليم رصيدها السكني إلى هيئة الإسكان الاجتماعي الجديدة.
ويحذر هؤلاء بأن عواقب مرور الاستفتاء في مصلحة المصادرة قد لا تقتصر فقط على إخافة الشركات الخاصة التي على شاكلة Deutsche Wohnen، التي تملك 6.8% من العقارات المستأجرة في برلين، بل سوف يُثني مُلاك الأراضي الآخرين عن بناء وإدارة عقارات جديدة في المدينة.
وكلما زاد عدد الوحدات السكنية التي ستتأثر بالاستفتاء المقترح، تكون التكلفة أكبر على عاتق مجلس الشيوخ، الذي سيلجأ في نهاية المطاف -على الأرجح- إلى تكبيدها سكان برلين في صورة ضرائب.
تشير تقديرات مجلس الشيوخ في برلين إلى أن مصادرة 240 ألف شقة سوف تتطلب تعويضات تتراوح قيمتها بين 28.8 مليار يورو (32.31 مليار دولار) و36.6 مليار يورو (41.06 مليار دولار) للشركات المتضررة.
وتشكك حملة Expropriate Deutsche Wohnen & Co في هذه التقديرات، وتقول إن التكلفة تصل إلى 18.1 مليار يورو (20.31 مليار دولار).
يتجاهل بعض مستأجري الوحدات السكنية في برلين التحذيرات بكل سعادة، ويبدو أنهم يستمتعون للغاية بالجدل الذي تتسبب فيه، بل إنهم يقترحون حلولاً أكثر راديكالية.