تصاعَد البخار من أطباق الأزر، ووقفت سيدات مصريات ينتظرن أن تهدأ حرارته، حتى يتذوقنه. لم تكن هؤلاء السيدات ربّات بيوت عاديات، بل إنهن ضمن فريق من العلماء المصريين يختبر الأرز الصيني.
إذ تعمل مجموعة من خبراء الأغذية بالقاهرة في معملهم، لتحديد مدى مناسبة الأرز المستورد للأذواق المصرية.
ويقوم العلماء بطهي عيّنات من الأرز المعروض في المناقصات التي تطرحها الحكومة وتذوُّقها قبل الموافقة عليه، حسبما ذكر تقرير لوكالة رويترز.
الأمر بدأ بمداهمات لمنازل مزارعي الأرز
ومع تأهب إثيوبيا العام الماضي (2018) لملء الخزان القابع خلف سد النهضة، أصدرت القاهرة قراراً يقضي بالسماح بزراعة 724 ألف فدان فقط من الأرز في 2018.
وهي مساحة تشير تقديرات التجار إلى أنها تقل عن النصف مقارنة مع 1.8 مليون فدان عام 2017، علماً أن المساحة المخصصة رسمياً لهذا الغرض كانت تبلغ 1.1 مليون فدان.
وتعني هذه الحالة أن مصر ستصبح على الأرجح بلداً مستورداً للأرز عام 2019، بعد أن ظلت على مدى عقود واحدة من كبار مُصدِّريه حول العالم، وفقاً لتقرير قناة الجزيرة.
وبدأت الشرطة المصرية مداهمة منازل المزارعين واحتجازهم حتى يسددوا غرامات متأخرة تعود إلى سنوات مضت.
وإزاء تلك الحملة، يقول مزارعو الأرز -الذين اعتادوا بدء زراعته بنهاية أبريل/نيسان 2019- إنهم قد يتركون أراضيهم بوراً في ظل صعوبة التحول السريع إلى محاصيل زراعية أخرى مثل القطن والذرة، والتي تحتاج إلى تقنيات وآلات مختلفة.
وبعد هزيمة "الهندي".. فريق من العلماء المصريين يختبر الأرز الصيني
وعملية اختبار الأرز المستورد تأتي في محاولة لتقديمه بديلاً للأرز المحلي الذي تريد الحكومة تقليل المساحات المزروعة به توفيراً للمياه.
وبدأت هذه العملية أواخر العام الماضي (2018)، وتمخضت حتى الآن عن رفض الأرز الهندي المنشأ وقبول عروض من الصين وفيتنام.
واشترت مصر أرزاً صينياً بقيمة 46.8 مليون دولار، في مناقصتين منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وهناك مناقصة ثالثة ما زالت جارية.
بعد أن كان المصريون يفاخرون العالَم بجودة محصولهم
والمصريون من كبار مستهلكي الأرز، ويتفاخرون بجودة محصولهم المحلي.
لكن بعد تقليص المساحة المزروعة بالأرز محلياً في 2018 لترشيد استهلاك المياه، طرقت مصر الأسواق العالمية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وطلبت عينات لإخضاعها لاختبار الطهي.
والأرز سلعة أساسية تباع بسعر مخفض في برنامج الدعم المصري، الذي تشتري الحكومة بموجبه السلع الغذائية وتُقدمها إلى حاملي البطاقات التموينية، البالغ عددهم حالياً نحو 60 مليون شخص.
وكانت أكبر دولة بإفريقيا من حيث إنتاج الأرز
وتخلَّت مصر عن صدارة إنتاج الأرز في القارة الإفريقية العام الماضي (2018)، واحتلت نيجيريا مكانها، حسب معطيات صادرة عن مركز الأرز الإفريقي.
وأنتجت نيجيريا، الغنية بالأراضي الزراعية، 4 ملايين طن من الأرز، من مجموع 14.5 مليون طن أنتجتها الدول الإفريقية مجتمعةً خلال 2018.
أما الآن، فالقاهرة تراهن على هؤلاء الخبراء لإقناع مواطنيها بالأرز الصيني
ويتمثل دور الخبراء في ضمان أن الأرز الذي تشتريه الحكومة يناسب طرق الطهي المألوفة لدى المصريين وأذواقهم.
وقالت ناهد لطفي مديرة وحدة بحوث المطبخ التجريبي في معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية: "نحن هنا كوحدة، كلنا دكاترة وأمهات في بيوتنا… نحن مُحكِّمون مدرَّبون، وحصلنا على دورات تدريبية في هذا المجال".
وقالت نصرة أحمد، وهي باحثة بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، تشارك في إجراء اختبار التذوق، إن العينات تخضع للاختبار دون أن تكون محدَّدة المَصدر.
وأضافت: "أي عينة لا نعرف أي معلومات عنها إطلاقاً. ولا… مكانها ولا أي شيء، لأنها تأتي إلينا بكود".
ويفحص الباحثون الأرز من حيث امتصاصه للمياه واللون والرائحة. وبعد الانتهاء من طهيه، يتم تقديم الأرز إلى المتذوقين.
وقالت ناهد لطفي: "نقيّم المنتَج من حيث اللون والطعم والرائحة والنكهة والقبول العام بالنسبة للمنتَج".
ولا يجوز للباحثين وضع أي عطور أو تدخين السجائر، ويتناولون شرائح التفاح والمياه، لتنظيف الفم بعد كل عملية تذوق والتفرقة بين كل مذاق وآخر.
ولكن هذه الاختبارات تُغضب التجار
يقول بعض التجار إن اختبار التذوق يرفع التكاليف، بإجبارهم على إبقاء عروضهم مفتوحة إلى أجل غير مسمى، في أثناء إجراء الاختبارات. كما يقولون إن هذه الاختبارات عملية فريدة من نوعها تنفرد بها مصر.
وقال مصطفى النجاري أحد كبار رجال الأعمال المصريين العاملين في استيراد وتصدير الأرز، لـ "رويترز": "هذا أمر لا يحدث في أي مكان بالعالم!".
وأضاف النجاري: "في البلاد الأخرى، يقتصر الأمر ببساطة على كتابة إرشادات الطهي على العبوة".
كما أنهم مستاءون من استبعاد الأرز الهندي من المنافسة
وفي السوق الخاصة، تعاقد مستوردون على شراء 150 ألف طن من الأرز الهندي من أكتوبر/تشرين الأول 2018 وحتى نهاية أبريل/نيسان 2019، مع عدم وجود شكاوى من المستهلكين المصريين.
وقال النجاري، الذي يشتري الأرز الهندي ليقوم بتوريده إلى السوق الخاصة في مصر، إن سبب فشل الأرز الهندي في الاختبار ليس واضحاً.
وأضاف: "تلك قواعد المناقصة وسنحترمها، لكنني سعيد ببيع الأرز في السوق الخاصة".
غير أن نعماني نصر نعماني، مستشار وزير التموين، قال إن اختبارات الطهي ضرورية، لتجنُّب تكدس الأرز في متاجر البقالة التموينية مثلما حدث قبل 3 سنوات، حين امتنع المصريون عن شرائه.
وقال لـ "رويترز": "بالطبع، إذا تم تقديم عينة من الأرز الهندي تناسب الذوق المصري فسنقبلها، لكن اختبار الطهي ضروري، لضمان أن الأرز الذي نستورده يناسب المستهلكين".