"إنهم يتلاعبون بنا دوماً بدلاً من الالتزام بنواياهم المعلنة لوقف الإرهاب ودعم حقوق الإنسان الأساسية"، بهذه الكلمات وصف سياسي أمريكي طريقة تعامل السعودية مع بلاده ، معتبرا أن مهمة الأميرة ريما بنت بندر بعد تعيينها سفيرة للسعودية بواشنطن هي تجميل وجه المملكة.
إذ يقول ساول أنوزيس، مستشار سياسي والرئيس الأسبق للحزب الجمهوري بولاية ميشيغان، والعضو السابق في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، في مقال نشره بمجلة The American Conservative الأمريكية، إنه كان من الصعب عدم إبداء التفاؤل عندما عينت المملكة العربية السعودية الأميرة ريما بنت بندر، التي شغلت منصب مديرة تنفيذية سابقة في إحدى الشركات التجارية ورائدة من رائدات العمل الخيري، التي عاشت عقوداً في الولايات المتحدة الأمريكية، في منصب السفير التالي لبلادها في واشنطن.
فهل تعيين الأميرة ريما بنت بمندر هدفه تجميل وجه المملكة أم يعبر عن تغيير حقيقي على الأرض.
مهمة الأميرة ريما بنت بندر شاقة رغم سيرتها الذاتية المبهرة
وُلِدت ريما في أسرة ذات نسب عريق. فوالدها الأمير بندر بن سلطان كان سفير السعودية في أمريكا لأطول فترة في التاريخ، فقد تقلَّد المنصب لمدة 22 عاماً حتى عام 2005.
ومثل والدها، تلقت ريما تعليمها في أمريكا، وتخرجت في جامعة جورج واشنطن عام 1999. وإليك المزيد من سيرتها الذاتية: بعد العودة إلى السعودية عام 2005 وقضاء فترة في منصب المديرة التنفيذية لفرع شركة هارفي نيكلز في الرياض، أطلقت الأميرة علامة تجارية لحقائب اليد عام 2013 قبل تأسيس صندوق أسهم خاصة ونادٍ صحي للسيدات.
وهي عضوة في المجلس الاستشاري للبنك الدولي لمبادرتها لتمويل سيدات الأعمال، وهي أيضاً نائبة رئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي، وعضو مؤسس لجمعية زهرة لسرطان الثدي في الرياض. وفي أغسطس/آب 2018، عُينت عضوة في اللجنة الأولمبية الدولية.
حقَّقت النساء في السعودية بالطبع بعضَ الانتصارات الرمزية، ولا أدلّ على ذلك من تعيين الأميرة ريما بنت بندر سفيرة بالولايات المتحدة.
وتم غض الطرف عن نقص خبرتها
وطبقاً لملفها الشخصي عام 2014 في شركة Fast Company عندما كانت تدير سلسلة متاجر البضائع الفاخرة هارفي نيكلز البريطانية في الرياض، فقد أنهت خدمة موظفي المبيعات الذكور لإفساح المجال أمام الموظفات.
وقالت ريما في هذا الملف الشخصي: "مجتمعنا يميل للتغيير على نحو أبطأ قليلاً من الآخرين. وعلينا أن نوضح للناس أن ذلك تطور وليس محاكاة للغرب".
ومع ذلك، لم تخدم ريما في أي منصب أو وظيفة دبلوماسية، بحسب ما ذكر المقال المنشور في المجلة الأمريكية. ويُشترط دائماً أن يتوفر لدى السفراء السعوديين خبرة في بعض المناصب الدبلوماسية. ولكن لأن ريما مخلصة لعائلة آل سعود فقد غُض الطرف عن هذا الشرط.
ولكن تعيينها جاء في وقت حساس بعد سلسلة طويلة من المشكلات
وكما نعلم فإن السعوديين، وخصوصاً الأسرة الملكية يبذلون أقصى جهدهم حالياً لتحسين صورتهم.
فمن القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي إلى الحملة العسكرية الدموية التي تقودها السعودية في اليمن، وتمويل متطرفين إسلاميين واكتشاف أن ثلاثة أرباع منفذي هجمات 11/9 هم سعوديون، تحولت السعودية من حليف قوي للولايات المتحدة إلى مصدر مشاكل دولية.
وتحظى الولايات المتحدة بشراكة استراتيجية مهمة وثمينة مع السعودية. ولكن صورة المملكة تضررت بشدة في الولايات المتحدة بسبب مقتل خاشقجي في القتصلية السعودية بإسطنبول.
وهم يتلاعبون بالولايات المتحدة.. والدليل ما يفعلونه مع هؤلاء النساء
تقول المجلة الأمريكية "إن السعوديين يشترون من الولايات المتحدة الأسلحة والطائرات التجارية ويبيعون لهم النفط، ويستضيفون إحدى القواعد العسكرية الأمريكية في مملكتهم".
ولكن في الوقت ذاته يتلاعبون بالولايات المتحدة دوماً، بدلاً من الالتزام بنواياهم المعلنة لوقف الإرهاب ودعم حقوق الإنسان الأساسية.
ورغم أن مقتل خاشقجي كان أحدث قضية بارزة مرتبطة بالسعوديين، إلا أن اعتقال وسجن الناشطات في مجال حقوق المرأة في جميع أنحاء السعودية (في الوقت الذي كان فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعد بإصلاحات غير مسبوقة) أحدث ضجة دولية أيضاً. فقد سُجنت 11 ناشطة على الأقل وقيل إنهن تعرضن للتعذيب.
تحرش وتعذيب
وكشفت مصادر مطلعة أن ناشطات سعوديات بارزات أبلغن المحكمة الجزائية في الرياض، الأربعاء 27 مارس/آذار، أنهن تعرضن للتعذيب خلال احتجازهن المستمر منذ أكثر من تسعة أشهر، في قضية زادت من حدة الانتقادات الغربية للمملكة، وفقاً لوكالة رويترز.
من بين المتهمات، الناشطة الحقوقية لجين الهذلول، والأستاذة الجامعية هتون الفاسي، والمدونة إيمان النجفان، والأكاديمية عزيزة اليوسف، وهي في الستينيات من عمرها.
وتقول جماعات حقوقية إن ثلاث نساء على الأقل، بينهن الهذلول، وُضعن في الحبس الانفرادي لشهور، وتعرضن للتعذيب الذي شمل الصعق الكهربائي والجَلد والتحرش الجنسي، ووجهنَ الاتهامات لمستشار ولي العهد السعودي، سعود القحطاني بالمسؤولية المباشرة عن تعذيبهن.
في حين ردَّ النائب العام على هذه المزاعم، وقال إن مكتبه حقق في هذه المزاعم وخلص إلى أنها كاذبة. ولم يتسنّ لرويترز الوصول إلى القحطاني منذ فصله من عمله، في أكتوبر/تشرين الأول، بعد مقتل خاشقجي.
رجال سكارى وإجبار على الإفطار في رمضان
وحسبما نشرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، على لسان مصادر لم تسمها، فإن ما يقرب من عشر ناشطات سعوديات في مجال حقوق المرأة جلسن أمام لجنة مؤلفة من ثلاثة قضاة في قاعة محكمة بالرياض، الأربعاء 27 مارس/ آذار، وتحدثن عن الإيذاء البدني والجنسي الذي تعرضن له على يد ملثمين.
ووسط حالة من البكاء، وعناق بعض النساء لعائلاتهن في المحكمة، قالت إحداهن أمام لجنة من ثلاثة قضاة إن العديد من الرجال الذين بدوا في حالة سكر، ظهروا في وقت متأخر من ليلة واحدة، ونقلوها من مكان احتجازها في جدة إلى مكان سري قريب.
وأضافت السيدة التي لم تذكر "أسوشيتد برس" اسمها، أنها وباقي النساء تعرضن في هذا المكان السري للضرب بالعصيّ على ظهورهن وأفخاذهن، وصُعقن بالكهرباء، وغُطين بالمياه من قبل رجال ملثمين لم يكشفن عن هويتهم.
وتقول بعض النساء إنهن تعرضن للإمساك بالقوة، وملامسة أجسادهن، وأُجبرن على الإفطار في شهر رمضان، وهُددن بالاغتصاب والموت، فيما حاولت إحدى النساء الانتحار في السجن.
وقالت مصادر مطلعة إن السلطات السعودية أطلقت سراح بعض الناشطات المحتجزات بتهم تتعلق بالعمل في مجال حقوق الإنسان، والتواصل مع صحفيين ودبلوماسيين أجانب.
وقال مصدران، الخميس 28 مارس/آذار 2019، إن السلطات أطلقت سراح 3 ناشطات وستُطلق سراح الأخريات يوم الأحد 31 مارس/آذار 2019، ولم تتضح شروط الإفراج عنهن.
خطوة مهمة ولكن هل تعبر حقاً عن تغيّر وضع المرأة في السعودية؟
مع أن خطوة تعيين الأميرة ريما بنت بندر كسفيرة للسعودية في واشنطن ليست عادية بالنسبة لدولة إسلامية أصولية، إلا أنها لا ينبغي أن تعمي العالم عن النظرة الدونية التي لا تزال المرأة تعاني منها في السعودية، حسب السياسي الأمريكي.
وبينما يعطي تعيين ريما في منصب السفيرة صورة عن التمكين السعودي للنساء. إلا أن القانون السعودي لا يزال يعتبر المرأة تابعة للرجل، ولا يزال النساء بحاجة إلى موافقة أهلهن من الذكور على كل قرار مهم يتخذنه.
وينتظر السفيرة الجديدة بعض العمل الشاق. وبينما ينظر الكثيرون إلى تعيينها كمكسب خالص، لا ينبغي لذلك أن يُنسينا التحديات التي لا تزال تواجه الأغلبية الساحقة من النساء اللائي يعشن في السعودية والشرق الأوسط.
تقول المجلة الأمريكية "علينا أن نشجع على الانفتاح والمساواة وحقوق الإنسان الأساسية على كل مستوى، إلا أنه في الوقت ذاته علينا أن نحترم سيادة الثقافات الأخرى وتقاليدها ودياناتها".
وعلينا أن نعترف أيضاً أن الأجواء الآن بين السعودية والولايات المتحدة مشحونة بالتوتر، وخصوصاً على صعيد حرب اليمن، والإبقاء على ما يشبه التوازن بين مختلف الخصوم في الشرق الأوسط.
واختتم السياسي الأمريكي مقاله قائلاً "فيما تحاول السعودية إحراز النقاط إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت ريما هي الدبلوماسي الأنسب للمنصب أم لا".