احتجّوا طيلة 4 أسابيع وتعرَّضوا للتعنيف.. الحكومة المغربية تطرد أساتذة مضربين وتقتطع من أجورهم
"الموت ولا المذلة"، بهذه الكلمات بعث آلاف الأساتذة المغاربة المحتجين في العاصمة الرباط، رسائل مباشرة للحكومة المغربية، معلنين عن رفضهم التام لسياسة التوظيف الجديدة المعتمدة من قبل الدولة، التي تقضي باشتغال المدرسين وفق عقود مؤقتة، وهو الأمر الذي أدى لاندلاع أزمة الأستاذة المتعاقدين بالمغرب.
جذور أزمة الأستاذة المتعاقدين بالمغرب
منذ خريف عام 2016، اتبع المغرب نظام التوظيف بالعقد في قطاع التعليم، وهو الإجراء الذي كان بمثابة أمل لمعالجة أزمة البطالة بالبلاد.
إذ أتاح فرص عمل لما
يقرب من 55 ألف شاب وشابة خلال 3 مواسم دراسية، الأمر الذي مكّن كذلك من سدِّ
النقص الكبير في عدد المدرسين، خاصة بالقرى والمناطق النائية.
وإن كان الانطباع السائد يعتَبر أن الحصول على شهادات عليا يمكن صاحبها من دخول سوق العمل بطريقة أيسر، فإن تقارير اقتصادية مغربية تشير عكس ذلك تماماً، إذ تقدر نسبة بطالة الشباب المغاربة حاملي الشهادات بـ17.2%، (ما يقرب من 200 ألف عاطل وعاطلة).
متعاقدون أم فُرض عليهم التعاقد؟
وكان عشرات الآلاف من الشباب قد وفقوا على توقيع عقود عمل مع الأكاديميات التعليمية (مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وتخضع لوصاية وزارة التعليم)، التي تبقى سارية المفعول لمدة سنتين، يخضع خلالها الأستاذ المتعاقد لامتحان مهني تقييمي.
ولكن أضيفت بنود جديدة أُلحقت بالعقد، الأمر الذي جعل الكيل يفيض، وأخرج المحتجين ممن يطلقون على أنفسهم " تنسيقية الأساتذة إلى" شوارع الرباط منادين: "الإدماج أو البْلوكاج"، (الإدماج في الوظيفة العمومية أو الإضراب وتوقيف عجلة التدريس).
ولا يزال قرابة 25 ألفاً من الأساتذة الغاضبين يجوبون شوارع العاصمة، ويخوضون إضرابات مستمرة للأسبوع الرابع على التوالي.
وهم يطالبون وزارة التربية الوطنية (التعليم)، بإدماجهم على غرار زملائهم المشتغلين بعقود دائمة، ومنحهم نفس الحقوق التي يستفيد منها الموظفون النظاميون، كاجتياز التفتيش والانتقال خارج الجهة (المحافظة)، والترشح للمناصب الإدارية، والإلحاق بقطاعات، واجتياز مباريات مهنية.
"من الظلم أن يعمل أساتذة في مدرسة واحدة بنظامين مختلفين"، هكذا يقول عمر لكاسمي، عضو "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد" لـ "عربي بوست".
وقال إن نظام التعاقد جعل عشرات الآلاف من الشباب "تحت طائلة إمكانية التخلي عنهم في أي وقت، وطردهم بطريقة تعسفية أو كيدية لأخطاء بسيطة، ما يجعلهم يعيشون دون استقرار مهني ونفسي".
وعاب على الحكومة المغربية لجوءها لما وصفه بالعنف للتعامل مع المحتجين، عوضاً عن الدخول في حوار مباشر معهم.
وحدث تدخل أمني ضد الأساتذة المتعاقدين، ليلة السبت 23 مارس/آذار 2019، حين لجأ أعضاء التنسيقية إلى الاحتجاج ليلاً أمام مقر البرلمان المغربي بالعاصمة الرباط، قوبل بلجوء السلطات إلى استخدام خراطيم المياه ومطاردات في الشوارع الجانبية، ما خلّف إصابة العديد منهم بجروح متفاوتة.
استخدام العنف لتفريق الأساتذة المحتجين من أمام بناية البرلمان لقي تنديداً واسعاً من قِبل بعض المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم فنانون وأدباء.
وتساءل آخرون إن كان لا يزال بإمكان "معلمين معنَّفين أن يدرّسوا الأطفال قيم حقوق الإنسان وحب الوطن".
الأساتذة المحتجون.. نحو الطرد والاقتطاع من الرواتب
"مزايدات واهية تمنع الأساتذة المتعاقدين من العودة للفصول الدراسية"، هكذا وصف مسؤول بوزارة التربية الوطنية (التعليم)، موقف الأساتذة المضربين.
وقال المسؤول لـ "عربي بوست" إن الحكومة والوزارة الوصية عملتا على انتهاج جميع الحلول لإعادة الأساتذة إلى فصولهم الدراسية، واستئناف العمل والدراسة دون جدوى.
وأكد المصدر، غير الراغب في ذكر اسمه، أن النظام الأساسي الجديد المنظم لعمل أساتذة التعاقد يضمن تمتعهم بنفس الحقوق والامتيازات على غرار زملائهم، مؤكداً بذلك تصريحات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الذي سبق أن أشار أن حكومته عملت على إدخال جميع التعديلات التي ستُمكن من تقوية وضعية الأساتذة الشباب، لينعموا بـ "استقرار وظيفي في عملهم".
وعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة، فإن تشبّث "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد" باختيارها الشارع والاحتجاج بدلاً من العودة للفصول الدراسية طيلة شهر، دفع الحكومة إلى اتخاذ قرارٍ بطرد المحتجين من أعضاء التنسيقية، ممن "يحرضون الأساتذة ويعرقلون المرافق العامة ويضرون بحق التلاميذ المغاربة في التعليم" كما جاء على لسان وزير التربية الوطنية.
إجراء ثانٍ تعتزم الحكومة تطبيقه يتعلق بالأساتذة المضربين ممن لم يلتحقوا بعملهم، إذ ستُباشر في حقهم إجراءات ترك الوظيفة مع الاقتطاع من أجورهم، ليتم عزلهم في حال لم يعودوا للعمل.
وتعهّد الوزير، خلال ندوة صحفية، عقدها قبل يومين، بتوفير جميع الضمانات التي تصون حقوق الأساتذة المتعاقدين، وعدم تعرُّضهم لأي إجراء تأديبي بعد عودتهم للعمل، ما عدا الاقتطاع من الأجر بسبب الإضراب، وفق القانون المعمول به بالبلاد.
والتلاميذ هم الخاسر الأكبر
يومان فقط يفصلان التلاميذ بالمغرب عن العطلة الربيعية، التي تمتد طيلة أسبوعين، في وقت يُهدد فيه الأساتذة المُحتجون بسنة بيضاء (من دون تعليم)، ما يضع مصير مئات الآلاف من التلاميذ والتلميذات على المحك.
ولتعويض الحصص الدراسية المُهدَرة طيلة 4 أسابيع، وضعت الوزارة الوصية برنامجاً ضخماً لدعم التلاميذ بالمجان.
إذ وافق مئات الأساتذة على تقديم حصص لآلاف التلاميذ الراغبين في ذلك، والذين كانوا "الحلقة الأضعف في هذا النزاع بين الأساتذة والوزارة"، كما يقول محمد كشاني، رئيس الكونفدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ المغاربة لـ "عربي بوست".
وطالب المتحدث الحكومة المغربية وتنسيقية الأساتذة بـ "التعقل وتغليب مصلحة التلاميذ المغاربة"، مقترحاً على الأساتذة إرجاء الاحتجاجات إلى نهاية الأسبوع، وعدم الاعتماد على الإضرابات المفتوحة، فيما طالب الحكومة باعتماد الحوار كأسلوب وحيد لحلِّ المشاكل دون اللجوء للعنف.