نشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً حول توجُّه المملكة العربية السعودية لشراء أفدنة من الأراضي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية التي تعاني شحاً في المياه، وذلك من أجل زارعة البرسيم الحجازي، ليكون جاهزاً لمراعي الأبقار في السعودية.
وتناولت الغارديان تفاصيل زراعة البرسيم الحجازي في كاليفورنيا لصالح شركة "المراعي" الغذائية السعودية الضخمة، وكيف لذلك أن يعمل على زيادة شح وجفاف المياه في منطقة بلايث مجاورة لنهر كولورادو، النهر الرئيسي لجنوب غرب الولايات المتحدة وشمال غرب المكسيك؟
تقول الصحيفة: على بُعد أربع ساعات من لوس أنجلوس، وفي منطقة مصابة بالجفاف في ولاية تعاني من الجفاف، ثمة بلدة صغيرة تدعى "بلايث" تسود فيها زراعة "البرسيم الحجازي". فأكثر من نصف مساحة البلدة البالغة 94 ألف فدان عبارة عن حقول كثيفة خضراء ضاربة إلى الزرقة تزرع ذلك المحصول.
وتصطف المخازن الصناعية الضخمة على الطرف الجنوبي للبلدة، مكتظة بآلاف مؤلفة من أكوام رزم البرسيم الحجازي الجاهزة لتكون طعاماً للأبقار الحلوبة -لكنها لن تطعم أبقار سنترال فالي في كاليفورنيا، أو مراعي مونتانا. إذ سوف يغذي هذا البرسيم أبقاراً في المملكة العربية السعودية.
إذ تعود ملكية هذه المستودعات إلى شركة "Fondomonte Farms" وهي أحد فروع شركة "المراعي" السعودية -التي تعد واحدة من أكبر شركات الإنتاج الغذائي في العالم. تبيع هذه الشركة الحليب، والحليب المجفف، والمنتجات المعبأة مثل الكرواسون، والسترودل والكاب كيك في الأسواق الكبيرة والمتاجر في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي محلات البقالة المتخصصة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
الاستحواذ الكبير
كل شهر، تحمل شركة "Fondomonte Farms" البرسيم الحجازي إلى حاويات شحن معدنية ضخمة تصل بعد 24 يوماً إلى ميناء ضخم في البحر الأحمر، خارج مدينة الملك عبد الله في السعودية.
ونظراً لأنَّ الطبيعة السعودية صحراوية في معظمها، ولأنَّ البرسيم الحجازي من المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، فإنَّ زراعته هناك لطالما كانت أمراً مكلفاً ومستنزفاً لموارد المياه الشحيحة، إلى درجة أنَّ الحكومة السعودية حظرت هذه الممارسة أخيراً عام 2016. وفي أعقاب هذا الحظر، قررت شركة "المراعي" شراء أراضٍ في أي مكان يكون رخيصاً وذا ظروف مائية مواتية لإنتاج ما يكفي من العلف لتغذية أبقارها البالغ عددها 93 ألف بقرة.
وكذا، في عام 2012، استحوذت الشركة على 30 ألف فدان من الأرض في الأرجنتين، وفي عام 2014 اشترت أول قطعة أرض في أريزونا. ثم في عام 2015 اشترت الشركة 1700 فدان في "بلايث" -وهي مدينة زراعية شاسعة ذات تربة طفالية مجاورة لنهر كولورادو، حيث يبدو كل شيء -باستثناء البرسيم الحجازي- مصطبغاً بصبغة رملية. بعد ذلك بأربع سنوات، أصبحت الشركة تملك 15 ألف فدان -وهو ما يشكل نسبة 16٪ من كامل مساحة الوادي المروي.
لكن كيف يمكن لشركة أجنبية أن تسحب الموارد النفيسة من صحراء أمريكية لتعويض النقص في الموارد في مكان يقع على بُعد نصف الكرة الأرضية؟
إنَّ ما تفعله شركة Fondomonte Farms هو مجرد فصل من فصول تاريخ طويل من إدارة المياه في الغرب، وهو فصل يميط اللثام عن "سخافة سلسلة التوريد العالمية" -فما أسهل نقل سلعة مثل البرسيم الحجازي، أو الخس أو الكلمنتينا أو هواتف الآيفون، عبر أكثر من 13 ألف ميل من البر والبحر، وما أكثر اعتمادنا على خطوط التوريد المتقاطعة هذه، وما أشد كلفة ذلك على مواردنا الطبيعية!
سعر جيد إلى درجة مذهلة
مع أنَّ "بلايث" صحراء، فهي مجاورة لنهر كولورادو الأدنى، وهو نهر يزود حوالي 40 مليون شخص بالمياه ويروي 4 ملايين فدان من الأراضي.
ويقول بارت ميلر، مدير برنامج الأنهار الصحية التابع لمنظمة Western Resources Advocates، إنه على مدار الـ80 عاماً الأخيرة، ونظراً لنمو المدن القريبة مثل دنفر، ولوس أنجلوس وفينيكس، وتوسع المزارع واسعة النطاق، فإنَّ الطلب على النهر يتزايد باطراد، وينكمش النهر أيضاً بسبب التغير المناخي، وقد عانى من قرابة عقدين من الجفاف، مع تراجع الأمطار وطبقات الجليد التي من شأنها أن تزيد من تدفقه، ونتيجة لذلك فقد وصل النهر إلى مستويات قياسية من الانخفاض.
ويمكن عزو حالة نهر كولورادو، جزئياً، إلى الامتياز المائي الذي أقرته الحكومة الفيدرالية في القرن التاسع عشر، عندما وضع منقِّب بريطاني في عصر حمى الذهب، يدعى توماس بلايث، الصحراء المتاخمة لنهر كولورادو المندفع نصب عينيه، وتقدم بطلب امتياز مائي إلى الحكومة الفيدرالية.
ويضمن هذا الامتياز الذي يعود إلى العام 1877، والذي تملكه الآن دائرة بالو فيردي للري، أنَّ لبلايث "حقوق مياه غير محددة للاستخدام النافع". بعبارة أخرى، يضمن أي كمية من المياه يحتاجها من يعيشون ويزرعون ضمن هذه المنطقة الشحيحة في المياه، ودون مقابل.
وليس لدائرة ري بالو فيردي الحق في بيع المياه؛ فليس لها مثلاً أن تبيع المياه لشركة Calistoga، لتعبئها في زجاجات، ولا يمكنها بيع المياه لمزارعها أيضاً. وكذا، فإنَّ مزارعي بلايث يدفعون مقابل تغطية التكاليف الإضافية لمياه دائرة بالو فيردي – بقيمة 77 دولاراً للفدان في العام، وهو سعر منخفض على نحو مذهل.
وفي أماكن أخرى، يدفع الناس مقابل كمية المياه التي يستخدمونها، ومن ثم يُحفَّزون على استخدام مياه أقل. أما في بلايث، فبصرف النظر عن مقدار المياه التي يستخدمها المزارع، فإنه يحصل على المياه مقابل سعر رخيص وثابت.
وكذا، فليس من قبيل المفاجأة أنَّ شركة Fondomonte اختارت إنشاء مقر لها هنا. ففي حين سنت السعودية قوانين لإدارة مواردها المائية، لا نزال في الولايات المتحدة ندير مياهنا استناداً إلى الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها في القرن التاسع عشر – قبل ازدهار المدن الغربية، وقبل التوسع الحضري، وقبل الإنتاج الصناعي للحيوانات، وقبل سلسلة التوريدات العالمية، وقبل التغير المناخي بطبيعة الحال.
كيف تجلب المياه من النهر إلى بلايث؟
ربما تكون مياه نهر كولورادو محدودة، لكنها في بلايث، متاحة بلا قيد ولا شرط، إلى أن تنفد.
جلب المياه من النهر إلى بلايث عمل هندسي معقد. إذ يشرح جي آر إيتشارد، المدير المساعد لإدارة بالو فيردي للري، متتبعاً طريقة تحرك المياه عبر الوادي على خريطة على جدار مكتبه: "هذا نظام فريد من نوعه حقاً. نحن في الصحراء، لكننا نعيش بالقرب من نهر ضخم ولنا حقوق فيه". ربما يكون توماس بلايث قد بدا مجنوناً لرغبته في بناء إمبراطورية زراعية هنا في الصحراء، لكن بالنسبة لإيتشارد، فقد كان بلايث محقاً.
يغذي نهر كولورادو نظاماً مُداراً بدقة من القنوات والسدود. إذ تقدّر إدارات المياه الجنوبية مثل بالو فيردي احتياجات قاطنيها من المياه وتقدم طلبات بهذه الاحتياجات إلى سدّي باركر وهوفر في مجرى النهر، اللذين يقومان بدورهما في إطلاق المياه المطلوبة كما لو أنهما يفتحان صنبوراً صناعياً كبيراً. وما إن تصل المياه إلى بلايث حتى تنتقل المياه المحركة نزولاً إلى أسفل الوادي بمساعدة الجاذبية وإلى نظام من القنوات يمتد عبر مسافة 250 ميلاً، لتبحر عبر 100 ألف فدان من الأراضي المزروعة.
هذه القنوات مجهزة ببوابات إلكترونية يمكن فتحها وإغلاقها بضغطة زر من مكاتب إدارة بالو فيردي للري.
في كاليفورنيا، يسعى الجميع وراء أية كمية من المياه يستطيعون الحصول عليها. وبسبب قلة المعروض، فإنَّ إدارة بالو فيردي للري دخلت في عامها الثالث من عقد لإراحة الأرض مدته 30 عاماً -وهو عقد يُدفع بموجبه للمزارعين لئلا يزرعوا جزءاً من حقولهم لكي يتأتى إرسال المياه بدلاً من ذلك إلى المدن- مع إدارة مياه متروبوليتان، التي توفر المياه إلى المدن الكبيرة مثل سان دييغو ولوس أنجلوس.
ولما كانت شركة Fondomonte داخلة في عقد إراحة الأرض هذا، فإنه يحظر عليها زراعة جزء من أرضها كل عام. وقد أخبرنا موظف يعمل في الشركة، سندعوه باسم جيم، بأنَّ هذا الأمر يغضب الشركة. وقد طلب جيم عدم الكشف عن اسمه خوفاً من انتقام الشركة. ذلك أنَّ شركة Fondomonte المتعطشة "للبرسيم الحجازي" تفضل أن تزرع كل شبر في أرضها.
23٪ من سكان بلايث يعيشون في الفقر
وعلى الرغم من القوة الزراعية لبلدة بلايث، فإنَّ 23٪ من سكانها يعيشون في الفقر (مقارنة بنسبة 12٪ على المستوى الوطني). ويقطن 21 ألف نسمة في المدينة، 6 آلاف منهم مسجونون في واحد من سجنين تابعين للولاية في البلدة. وأخبرنا إيتشارد في طريق عودتنا من السد بينما كنا نسرع إلى جانب إحدى القنوات الرئيسية: "كان من المفترض أن يجلب السجنان تنمية اقتصادية للمدينة. لكنهما لم يفعلا ذلك على الإطلاق".
أما شركة Fondomonte، من ناحية أخرى، فقد كانت بمثابة نعمة. إذ قال لنا جيم: "يريد الجميع العمل هنا. ولا تكتفي الشركة بتوظيف أكثر من 100 شخص من السكان المحليين بدوام كامل -مقارنة بمن يعملون بدوام جزئي أو في العمل الموسمي الموجود في معظم المزارع- بنظام تقاعد من فئة 401ks (نظام تقاعدي محدد الاشتراكات) وعطلات وتأمين صحي، لكنها أيضاً تدعم المزارعين المحليين من خلال شراء البرسيم الحجازي الذي يزرعونه لتضيفه إلى رزمها الضخمة وتشحنه إلى الخارج.
وقال جيم متحدثاً عن المزارعين الأمريكيين والشركات الزراعية التي تبيع محاصيلها للأسواق الخارجية: "ثمة الكثير من المصدرين هنا. لقد كانوا يصدرون من هنا منذ 30 أو 40 عاماً. ولا أرى أي وجه لاختلاف هذه المزرعة".
وقال إيتشارد: "السعوديون يشترون بسعر جيد. هم مثل غيرهم تماماً، يشترون المحاصيل المحلية، هذه دفعة للاقتصاد".
لكن هل ثمة ما يدعو للغضب؟
مشكلة البرسيم الحجازي أنه محصول دائم، فيمكنك زراعته طوال العام ويمكنك أن تدرّج الزراعة في الحقول بحيث يكون هناك دائماً محصول جديد من البرسيم الحجازي جاهز للتقطيع والزراعة. ما إن يقطع البرسيم، فإنه يواصل النمو، ثم يقطع مرة أخرى. ويمكن للمحصول أن يستمر لمدة تصل إلى 5 سنوات، لكنَّ شركة Fondomonte تقتلع المحصول وتعيد زراعته بعد سنتين أو ثلاث سنوات، ذلك أنَّ المدة لو طالت عن ذلك فإنَّ البرسيم الحجازي ينمو ثقيل السيقان، ومن ثم تنخفض جودته.
كل يوم يأخذ موظفو الشركة، في مقرها الضخم المزود بالبوابات، نماذج من البرسيم ويختبرون جودته: كلما ارتفعت نسبة الأوراق إلى السيقان، كانت الجودة أعلى، ومن ثم كان اللبن الذي تدره الأبقار أفضل.
وقال جيم: "تريد شركة المراعي أعلى جودة فحسب". وفتح جيم رزمة ضخمة بيديه كما لو كان يفتح قطعة من الخبز. كان اللون الخارجي للبرسيم بنياً، أما في الداخل فقد كان لوناً أخضر حياً على نحو مدهش.
وتوظف الشركة بعضاً من أكثر الآليات تقدماً في مجال الزراعة واسعة النطاق -وهي برامج حاسوب تجمع بين صور الأقمار الصناعية وصور الطائرات من دون طيار لتحديد خصائص التربة لكل بقعة من الأرض، فتلتقط الطائرات من دون طيار مقاطع فيديو لتطور الإنتاج، وتحسن الشركة حالياً من نظامها للقنوات داخل المزارع والبوابات الإلكترونية لكي تستطيع ري كل حقل بلمسة زر واحدة من وراء شاشة حاسوب في المكتب. وكل ذلك جزء من جهود الشركة المستمرة لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة وجودة المحصول، ومن ثم زيادة أرباحها، ما يصب في مصلحة إمبراطوريتها في السعودية – وربما في نهاية المطاف، يصب في مصلحة هذا المكان أيضاً.
وقال لنا الموظف: "في حال أمطرت السماء، فإنَّ مدير المزرعة يستطيع الزراعة من وراء مكتبه فحسب". والشركة مكتفية ذاتياً بالكامل، ولديها خبرة في بناء إمبراطورية لزراعة البرسيم الحجازي بعد أن نفذت ذلك بالفعل في السعودية.
البرسيم الحجازي ثالث أكبر منتَج اقتصادي في الولايات المتحدة
وقال دان بوتنام، الخبير في زراعة البرسيم الحجازي والأستاذ بجامعة كاليفورنيا دافيس، إنَّ البرسيم الحجازي المزروع في الولايات المتحدة يشحن منذ وقت طويل إلى خارج البلاد، قبل شركة المراعي بوقت طويل. ويعد البرسيم الحجازي ثالث أكبر منتَج اقتصادي في الولايات المتحدة، لكنَّ 4٪ فحسب يجري تصديرها سنوياً. ومع ذلك، ففي الولايات الغربية، التي تعد من كبار المنتجين والقريبة من الموانئ التي تشحن إلى أسواق التصدير الكبيرة مثل الصين والسعودية واليابان، فإنَّ 15٪ من المحصول تصدر كل عام. هذه الولايات عالية التصدير هي أيضاً الولايات التي تصارع الجفاف، وهو ما يعني أنَّ معظم الولايات التي تعاني من الجفاف تشحن معظم مياهها إلى خارج البلاد، في صورة برسيم حجازي.
عندما بدأت شركة المراعي لأول مرة شراء الأراضي غربي الولايات المتحدة، شعر دعاة حماية البيئة، والكثير من المواطنين العاديين بالغضب العارم. وجاء في مقال في موقع NPR في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015: "مزرعة القش السعودي في أريزونا تختبر مخزون المياه الجوفية". وجاء في موقع Gizmodo: "السعودية تستعين بمصادر خارجية لجفافها في كاليفورنيا".
ومع ذلك، فإنَّ بوتنام يشعر بالإهانة إلى جانب الغضب العارم إزاء صادرات البرسيم الحجازي. ويتساءل عن السبب الذي يجعل الناس يغضبون هذا الغضب العارم من استخدام المياه هنا لري البرسيم الحجازي الذي يشحن للخارج، أكثر بكثير مما يغضبون بسبب اللوز، وهو محصول كثيف المياه، يُشحن 70٪ من إنتاج كاليفورنيا منه إلى خارج البلاد. ماذا عن البرتقال أو الخس؟
"من أجل بقاء السعودية، سوف ينظرون إلى أجزاء أخرى من العالم"
ربما يكون الأمر راجعاً إلى حقيقة أنَّ البرسيم الحجازي لا ينظر إليه بوصفه طعاماً – وإنما هو مجرد نبات، محصول ضخم مفصول عن قيمته الغذائية، في التصور العام. لكنَّ بوتنام يقول إنه لما كان البرسيم الحجازي هو العنصر الأساسي في سلسلة غذائية أكبر في صناعة الألبان واللحوم، فإنه بالغ الأهمية.
وقال لي بوتنام: "لديَّ قميص مكتوب عليه: البرسيم الحجازي: مثلجات طور الإعداد".
ويحض بوتنام، إلى جانب الكثير من المزارعين الذين تحدثت معهم، الناس على التفكير في كمية المياه التي تتقاطع في جميع أنحاء العالم في سلسلة الإمدادات الحالية. وليس الأمر مقصوراً على البرسيم الحجازي، ولا الزراعة. سوف يجد الناس بضائع بأرخص الأسعار، وسوف تنتقل الشركات في الأماكن ذات الموارد غير المستقرة إلى أماكن أخرى.
وفي حين أنَّ من الصعب إجراء حساب واضح لكمية المياه الأمريكية التي تضخ لزراعة البرسيم الحجازي الذي يشحن إلى خارج البلاد (فبعض هذه المياه يتبخر، وبعضها يترشح إلى التربة، وبعضها يعاد إيداعه إلى مجرى النهر)، فمن الواضح أنها ليست بالكمية الهينة. لكن من يدري إلى أي مدى سوف يستمر ذلك الأمر. إذ قال بوتنام عن السعودية: "من أجل بقاء هذا البلد، سوف ينظرون في أجزاء أخرى من العالم".
في طريق عودتنا من السد إلى مكاتب الإدارة، قادنا إيتشارد على طول طرق الوصول إلى المزارع لكي نحظى برؤية بانورامية للقنوات، ومررنا ببعض حقول البرسيم الحجازي اللامعة. بعد ذلك قدنا إلى جزء من الوادي حيث زرعت إدارة بالو فيردي للري، بالشراكة مع العديد من المنظمات البيئية، بستاناً كبيراً من الأشجار لإحياء بعض أماكن العيش الطبيعية التي كانت يوماً ممتدة بوفرة على طول هذا الجزء من نهر كولورادو. وقال لنا إيتشارد في شهر أغسطس/آب إنَّ درجة الحرارة قد تصل إلى 115 فهرنهايت (46 درجة مئوية) في الخارج، لكنها في ظل هذه الأشجار ربما تكون أقل بمقدار 20 درجة.
وقال إيتشارد بفخر: "هنا في وسط الصحراء، لدينا غابة صغيرة". وهذه الغابة بيئة من صنع الإنسان هي الأخرى، مثلها في ذلك مثل النهر. بصمات الإنسان في كل مكان.
وبينما كنا في الطريق إلى المكتب، أشرت إلى بعض الأشجار الكثيفة الجميلة على طول القناة. فقال إيتشارد: "أوه، تلك أشجار الأثل". وهي أحد الأنواع القادمة من آسيا، والتي تستنزف المياه الجوفية وتترك رواسب من الملح في التربة، وهو ما يدمر النباتات الأخرى. قال إيتشارد، وهو يغير سرعة الشاحنة للعودة مرة أخرى وسط البساط اللامع من البرسيم الحجازي الممتد في جميع الاتجاهات: "لا أحد يريد هذه الأشجار".