الإنفلونزا.. ضيف خفيف، لكنه يقتل نصف مليون سنوياً، فماذا يحدث داخل أجسادنا عندما تهاجمنا؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/02 الساعة 14:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/02 الساعة 14:31 بتوقيت غرينتش
علامة تحذر من إغلاق ممر المشاة بعد تفشي مرض أنفلونزا الطيور في انجلترا/ رويترز

نزلات البرد أو الإنفلونزا تعد من أكثر الأمراض انتشاراً حيث يتعرض لها كل الناس في جميع المراحل العمرية، فمن منا لم يصب بنزلة برد خفيفة أو حادة؟

فهل هناك طرق وقاية تحمينا من نزلات البرد فعلاً أو طرق علاج فعالة تجعلنا نتمكن من حصارها فلا تتحول لحالات أكثر خطورة؟

وهل من الضروري ظهور أعراض لنزلات البرد أو الإنفلونزا؟ وما هي طبيعة فيروس الإنفلونزا التي مكنته من التغلب على كل لقاح يظهر؟

في البداية هناك معلومة يجب أن نعلمها وهي أن ثلث من يصابون بنزلات البرد تقريباً لا تظهر عليهم أية أعراض، رغم أنهم ينقلون الفيروس لغيرهم!

عائلة فيروسية "لعوب"

طفل ينظر إلى صديقه وهو يتلقى لقاح الإنفلونزا/ رويترز

يعرف فيروس الإنفلونزا في الأوساط الطبية والعلمية "بأستاذ التحول"، وهذا الوصف تدليل على قدرة ذلك الفيروس أحادي الخلية مخاطي الطبيعة على التحول لمقاومة كل لقاح يتم التوصل إليه للقضاء عليه، لذلك يتم تغيير اللقاح الخاص بفيروس الإنفلونزا سنوياً.

وهذه الصفة تحديداً (القدرة الفائقة على التحول) هي ما جعلت ذلك الفيروس مسؤولاً عن موت ملايين البشر خصوصاً في الحالات التي يتحول فيها إلى نوع من أنواع ما يعرف باسم إنفلونزا الطيور وهو ما حدث ثلاث مرات في القرن العشرين تحول فيها إلى وباء مميت، وكان آخرها عام 1997 مع ظهور حالة إتش5إن1 في هونغ كونغ والذي عرف إعلامياً فيما بعد بإنفلونزا الخنازير وسبب ذعراً حول العالم استمر حتى ما قبل عشر سنوات.

وهذا السبب يجعل من الوارد جداً ظهور أنواع أخرى متحولة من فيروس الإنفلونزا لا نكون مستعدين لها، وإن كان التطور العلمي وتحسن الخدمات الصحية بشكل عام حول العالم يمكن الأطباء من الاكتشاف المبكر وبالتالي اتخاذ اللازم لمنع الانتشار السريع الذي يتحول إلى وباء.

وبشكل عام هناك ثلاثة أنواع من فيروسات الإنفلونزا هي ألف وباء وجيم أو A وB وC، ولكل منها مواصفاته وقدراته على الأذى، وهذا ما نلحظه في تنوع أعراض نزلات البرد التي نصاب بها فبعضها يكون خفيفاً يحتاج إلى الراحة والسوائل الدافئة ونشفى منه خلال عدة أيام أو أسبوع على الأكثر، بينما البعض الآخر يكون مصحوباً بارتفاع في درجات الحرارة وآلام في البطن وغيرها من الأعراض المزعجة وهذه الحالات ربما تتطور إلى عدوى بكتيرية وتستدعي تناول مضادات حيوية تحت إشراف الطبيب.

أعراض الإنفلونزا

أعراض الإنفلونزا/ وكيبيديا

معظمنا يعرف الأعراض الشائعة للإنفلونزا أو نزلات البرد العادية والتي تبدأ عادة بقشعريرة باردة وإحساس بالإعياء والرشح الأنفي والعطس والصداع وارتفاع درجات الحرارة، وإن كانت الأعراض تختلف من شخص للثاني وأيضاً بشكل عام تختلف عند الأطفال منها عند الكبار.

من المهم هنا أن نعرف أنه في 33% من حالات الإصابة بنزلات البرد العادية لا يظهر على المصاب أية أعراض رغم أنه حامل للفيروس، وفترة حضانة فيروس الإنفلونزا تتراوح بين يوم واحد وثلاثة أيام وهي المدة التي يكون الفيروس فيها في حالة استعداد للتكاثر ومن ثم الظهور والاستعداد للانتقال لأشخاص آخرين.

أسباب الإصابة بالإنفلونزا

تنتقل عدوى الفيروس عن طريق الهواء وعن طريق اللمس، فعندما يعطس الشخص المصاب تخرج منه تلك الفيروسات وتنتشر في الهواء ومن ثم تنتقل لشخص آخر موجود في نفس محيط الهواء، لذلك دائماً ما ينصح المصاب بالبرد بتغطية أنفه وفمه عند العطس، وكذلك لا ينصح بلمسه أو لمس الأدوات أو الأسطح التي يستخدمها لأنها تكون ملوثة.

ويمكن التأكد من وجود عدوى فيروسية أم لا عن طريق اختبار الحلق، والبلغم، أو الأنف، وهناك عدد من الاختبارات السريعة المتاحة، وإن كانت النتيجة ليست حاسمة بنسبة قاطعة حيث يمكن أن يكون الشخص حاملاً لفيروس البرد ولكن لم تظهر بعد الأعراض عليه.

الأطفال الأكثر عرضة للإنفلونزا الحادة

(المصدر: موقع منظمة طبيب الطفل والأم)

مهم جداً هنا أن ينتبه الأهل لحقيقة أن الطفل المولود قبل موعده الطبيعي (9 أشهر) لأي سبب من الأسباب، أو من يعانون من نقص في المناعة الطبيعية للجسم تمثل عليهم نزلات البرد مهما كانت خفيفة خطورة بالغة لأن تحول الفيروس يكون سريعاً وشرساً وقد تتحول نزلة البرد إلى التهاب رئوي أو التهاب في الأذن الوسطى، لذلك في مثل هذه الحالات الوقاية من نزلات البرد هي الحل الأمثل للطفل حتى يقوى جهاز المناعة لديه أو يتم علاجه من الحالة المرضية التي تسبب نقص المناعة.

وبشكل عام، عادة ما تظهر على الأطفال أعراض القيء والإسهال وآلام البطن لأن تأثير فيروس الإنفلونزا عندهم يكون أقوى في الجهاز الهضمي، وفي الحالات الأكثر حدة أو تلك التي يحدث إهمال في التعامل معها تحدث مضاعفات أبرزها التهابات في الأذن الوسطى وهذا يعني تحولاً نوعياً خطيراً في نزلة البرد الفيروسية إلى عدوى بكتيرية تستدعي تعاملاً طبياً مختلفاً تماماً.

فإذا ظهرت على الطفل أعراض نزلة برد مثل ارتفاع درجة الحرارة والتهاب الحلق والعطس لكنه قادر على الحركة ولا تظهر عليه أعراض الإعياء الشديد، فهذه في الغالب نزلة برد خفيفة علاجها الراحة والمسكنات وخافضات الحرارة والسوائل الدافئة، أما الحالات التي تكون فيها تلك الأعراض مصحوبة بإعياء شديد وصعوبة في انخفاض درجات الحرارة فلابد من أخذ الأمر بجدية أكثر وبشكل سريع قبل أن يتحول الفيروس لعدوى بكتيرية حادة ولابد من الانتباه خصوصاً لو اشتكى الطفل من ألم في الأذن.

تاريخ دموي لفيروس تافه

لو توقفنا قليلاً عند تاريخ تفشي الإنفلونزا في صورة وباء لوجدناه تاريخاً يتسم بكثير من الأرقام المفزعة، حيث أن الإنفلونزا سنوياً تصيب حوالي ثلاثة إلى خمسة ملايين حالة من الأمراض الشديدة فيما يعرف بالتفشي السنوي، تتسبب في حوالي 250.000 إلى 500.000 حالة وفاة.

ويحدث ذلك التفشي في المناطق الشمالية والجنوبية من العالم بشكل رئيسي في فصل الشتاء بينما في المناطق المحيطة بخط الاستواء ربما يحدث ذلك في أي وقت من السنة.

أما تاريخياً فقد تم رصد عدد من الحالات تحول فيها فيروس الإنفلونزا إلى وباء قاتل أولها كان عام 1918 فيما يعرف باسم الإنفلونزا الإسبانية (نقطة انطلاق الفيروس) وقد تسبب في وفاة 50 مليون شخص تقريباً، بحسب منظمة الصحة العالمية، وهو رقم مهول.

الحالة الوبائية الثانية كانت عام 1957 والتي حصدت مليوني نفس وتعرف باسم الإنفلونزا الآسيوية، أما الحالة الثالثة فتسمى إنفلونزا هونغ كونغ وكانت عام 1968 وحصدت أرواح مليون شخص.

آخر تلك الحلقات المفزعة كانت في عام 2009 حينما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تفشي نوع جديد من الإنفلونزا وهو إتش1إن1 الذي عرف باسم وباء إنفلونزا الخنازير، حيث أصبحت الإنفلونزا ليست حكراً على البشر فقط بل انتقلت للطيور وحيوانات مثل الخنازير والخيول.

الوقاية والعلاج

الغالبية العظمى من عائلة ذلك الفيروس اللعين يمكن الوقاية منه باتخاذ الوسائل البسيطة للنظافة الشخصية من غسيل الأيدي بالصابون بصورة مستمرة لأن الصابون يقتل الفيروس، وأيضاً تجنب الاحتكاك بالشخص المصاب بالإنفلونزا إضافة لعدم استخدام الأدوات الشخصية لشخص آخر مهما كان قريباً.

وتوصي منظمة الصحة العالمية بتطعيم الأطفال ومن يتعرضون لمخاطر عالية بسبب مشاكل في المناعة بتناول اللقاح السنوي ضد فيروس الإنفلونزا، وعادة ما يكون اللقاح فعالاً ضد ثلاثة أو أربعة أنواع من عائلة الإنفلونزا ولكن اللقاح لو مرت عليه أكثر من سنة يفقد أثره على الأرجح نتيجة للطبيعة "اللعوب" للفيروس وقدرته على التحول.

علامات:
تحميل المزيد