حسناً ما فعلت رئيسة وزراء نيوزيلندا فقد وضعت معايير القيادة لزعماء العالم.. لكن لماذا فشلت تيريزا ماي؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/01 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/01 الساعة 15:23 بتوقيت غرينتش
رئيسة وزراء نيوزيلندا تغادر بعد صلاة الجمعة/ رويترز


قدمت رئيستان للوزراء على جانبين مختلفين من العالم أداءين متناقضين بشدة الأسبوع الماضي. ففي نيوزيلندا، تحلت جاسيندا أرديرن بالقوة والتفهم الكافي لتعبر عن رعب وحزن أمةٍ جريحةٍ. وكان خطابها خلال إحياء ذكرى ضحايا هجوم مسجدي كرايستشيرش في 15 مارس/آذار أرقى بكثير من مجرد أداءٍ للواجب. لقد كانت ملهمةً ومواسية ومتحدية بنفس القدر بعكس ما فعلت تيريزا ماي.

رئيسة وزراء نيوزيلندا أظهرت مهارات قيادة مثالية

تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية يشير إلى أنه عندما واجهت أرديرن أعمالاً وحشية مروعة بشكلٍ غير متوقع، أظهرت مهارات قيادة مثالية. كان خيارها الغريزي أن تثق في إنسانيتها وإنسانية الآخرين.

ومن خلال التحرك سريعاً للقاء واحتضان ومواساة المكلومين، وعبر ارتداء الحجاب، واتخاذ إجراءات سريعة للسيطرة على السلاح، ورفضها الاعتراف بالقاتل، فقد أخرجت الأفضل في مواطنيها.

ما كان يمكن أن يصبح عراكاً قبيحاً مليئاً بتبادل الاتهامات واللوم يذكي نار الكراهية كما كان يأمل المهاجم، أصبح بدلاً من ذلك لحظةً اجتمعت فيها الأمة، واحترمت اختلافاتها واتحدت وراء رؤيةٍ مستقبلية لأرض لا يُرحَّب فيها بالتعصب والعنصرية.

رئيسة وزراء نيو زيلندا خلال مراسم الترحيب بها في الصين/ رويترز

قالت أرديرن: "الجواب يكمن في إنسانيتنا". كلنا نملك القوة، في أقوالنا، في أفعالنا، في ممارساتنا اليومية اللطيفة. فليكن ذلك إرث يوم الخامس عشر من مارس".

لم تدَّعِ أرديرن بأن لديها كل الإجابات. وكما هو الحال في بلدان أخرى، لا يمكن القضاء على الجهل والتحيز والتعصب والتحريض على الانقسام الاجتماعي والتطرف السياسي. لكن عبر مواجهة هذه الشرور بطريقة مقنعة لا هوادة فيها، وضعت رئيسة وزراء نيوزيلندا معياراً عالمياً يجب على القادة في كل مكانٍ اتباعه. في الوقت الحالي، يقوم الكثيرون بالعكس، ويستغلون الخوف من الآخر عن قصد من أجل غاياتٍ سياسية محدودة، أو ببساطة لأنَّهم أيضاً جهلة متحيزون.

من النادر العثور على زعماء يتحلون بسمات القيادة الخمس

مهارات القيادة السمحة يمكن أن تكون غريزية، وربما يكون من الممكن تعلُّمها. والبحث الذي أجراه جيم كوزيس وباري بوسنر، المؤلفان المشاركان في كتاب "تحدي القيادة The Leadership Challenge" الذي كان الأكثر مبيعاً عام 1987، يحدد خمس سماتٍ أساسية للقيادة السمحة.

في بحثهما يقولان إنَّ القادة الجيدين في أفضل حالاتهم "يكونون نموذجاً" (يضعون المبادئ والأهداف)، و"يلهمون رؤيةً مشتركة" (يفتحون العقول لاحتمالاتٍ جديدة)، و"يتَحدّون الواقع" (يجدون طرق مبتكرة ومبدعة لتغيير الوضع الراهن)، و"يتيحون الفرصة للآخرين ليتصرفوا" (التمكين)، و"يشجعون الروح" (يحافظون على الأمل والإيمان).

انظر حول العالم، من الصعب العثور على قادة يتحلون بتلك السمات الخمسة، على الرغم من وجود ومضاتٍ في بعض الأحيان. فقد حقق رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون بلاءً حسناً في إقناع الناخبين الساخطين بوجود رؤيةٍ مشتركة لبلدهم. وهزَّ رئيس المكسيك أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الركود الأسبوع الماضي، بمطالبة إسبانيا والبابا بالاعتذار عن جرائم الحقبة الاستعمارية.

وفي بروكسل، دون أن يحظى بإشادةٍ كبيرو، واصل دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي موقفه ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، محتفظاً بـ"مكان خاص في الجحيم" لأولئك الذين ينشرون في بريطانيا مبالغاتٍ عن الخروج. وقدم توسك مثالاً كلاسيكياً للتمكين الأسبوع الماضي، مؤكداً للمطالبين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي بأنَّهم لن يُنسوا.

أما رئيسة وزراء بريطانيا فلم يتبق لديها قدرة على القيادة

تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا

كل هذا يعيدنا إلى رئيسة الوزراء الأخرى، التي حطم أداؤها الأسبوع الماضي أي أوهامٍ متبقية حول قدرتها على القيادة. حظي اقتراحها لصفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي بثلاث هزائم برلمانية متتالية، آخرها كان يوم الجمعة، وهذه الهزائم كل ما هو مطلوب حول السلطة السياسية لتيريزا ماي. لكنَّ هذه الإهانات تشير إلى مشكلة قيادة أكثر جوهرية.

فمن بداية عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فشلت ماي في تحديد الأهداف والمبادئ المتفق عليها. لم تتمكن من مشاركة رؤيةٍ لمستقبل بريطانيا، لأنَّها هي نفسها كانت تفتقر إلى الرؤية بحسب تقرير الغارديان.

وبدلاً من تمكين الآخرين من المشاركة، استبعدتهم في كل منعطف، وبمجرد أن حزمت أمرها، لم تتمكن من تخيل البدائل.

وترى الغارديان أن أسلوبها الشخصي البارد والمتغطرس أبعد ما يكون عن الإلهام، ويُشعِر بالإحباط واليأس. حاولت ماي إملاء الأوامر على الآخرين، لا القيادة، وفعلت ذلك بعيونٍ وآذانٍ مغلقة بإحكام. لذا فقد لاقت التجاهل عن استحقاق.

تحميل المزيد