في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، أعلن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أنه يخطط لتشكيل قوة شرطية مشتركة على صعيد المنطقة. وتقرر أن يكون مقر المؤسسة الجديدة، المعروفة باسم "جهاز الشرطة الخليجية"، في مدينة أبوظبي الإماراتية، وأن تتبع في تحقيق جميع أغراضها وأهدافها نفس نهج الإنتربول (منظمة الشرطة الجنائية الدولية) وأجهزة الشرطة الإقليمية الأخرى.
وعقب توقيع دول المجلس اتفاقية عام 2015، التي جاءت تأكيداً على إنشاء جهاز الشرطة الخليجية، تنبأ بعض المراقبين الإقليميين بجرأة بحلول عهد جديد من التعاون بين السلطات الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي.
موقع LobeLog الأمريكي أشار، في تقرير مفصل له، إلى أنه بخلاف هذا الإعلان العَرضي رفيع المستوى، وتبادل الزيارات، وبرنامج الشراكة، لم يسهم جهاز الشرطة الخليجية بالكثير لتسهيل هذا النوع من التعاون المطلوب لمكافحة الإرهاب وغيره من النشاطات الإجرامية العابرة للحدود مكافحة ناجعة.
لدى جهاز الشرطة الخليجية صلاحية الوصول لبيانات الإنتربول
وعلى صعيد الأعمال الإدارية، عكف جهاز الشرطة الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية على بناء قنوات اتصال مع جميع الجهات المناسبة. ففي فبراير/شباط 2017، على سبيل المثال، وقّع الجهاز مذكرة تفاهم مع الإنتربول لتطوير نهج نظامي لمحاربة الإرهاب في المنطقة. وكان آخر تعاون بين المنظمتين في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، حين التقى وفد من جهاز الشرطة الخليجية مع نظرائه من الإنتربول في مدينة ليون الفرنسية لمناقشة عدة مسائل، من بينها الأمن البحري. وإلى جانب ذلك، يتمتع جهاز الشرطة الخليجية بصلاحية الوصول لقاعدة بيانات الإنتربول I-24/7، وهي شبكة تقنية تسمح لهيئات إنفاذ القانون من أنحاء العالم بمشاركة معلومات ذات طبيعة حساسة.
إضافة إلى ذلك، يبدو أنَّ جهاز الشرطة الخليجية يعزز تكامله التام مع مؤسسات الشرطة الإقليمية الأخرى، مثل: شرطة أسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا)، وانخراطه في نشاطات محلية أخرى، وهو ما انعكس في حضوره المؤتمر الثاني والأربعين لقادة الشرطة والأمن العرب الذي انعقد في ديسمبر/كانون الأول 2018.
ولم يكتفِ جهاز الشرطة الخليجية بالتعاون مع منظمات مشابهة فحسب، بل تجاوز ذلك؛ ففي عام 2018، استضاف الجهاز، بالتعاون مع شركة Kaspersky Lab للتعاون السيبراني، جلسة لتبادل المعلومات والخبرات حول أحدث التهديدات السيبرانية التي تواجه المنطقة بأكملها.
وتدعم القوة الخليجية أيضاً مبادرة No More Ransom، وهو مشروع يهدف للتصدي لفيروس "رانسوم وير" -أو برنامج الفدية الخبيث- ويضم شركتي Amazon وMcAfee.
وفي حوار عام 2017، بدا الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف بن راشد الزياني واثقاً من أنَّ جهاز الشرطة الخليجية قادر على التعامل مع جميع أشكال التهديدات الأمنية.
ومن المفترض أنه بحلول ذلك الوقت، أنشأت الدول الست أعضاء المنظمة الدون إقليمية مركزاً لمكافحة المخدرات وطوَّرت كذلك قدراتها على الاستجابة للطوارئ والكوارث. وزعم الزياني أيضاً أنَّ جهاز الشرطة الخليجية يحقق تقدماً على صعيد الجهود المبذولة لتطوير قاعدة بيانات خاصة بالهجرة.
لكن لم يحدث أن أسفرت هذه المحاولات عن نتائج تُذكر
لا يُسهِم الحضور الضعيف للجهاز على الشبكات الاجتماعية وعدم وجود موقع رسمي له في دفع محاولات إثبات أنَّ جهاز الشرطة الخليجية يعمل بكامل طاقته. إضافة إلى ذلك، لا يعرض موقع مجلس التعاون الخليجي كثيراً من المعلومات بخصوص الجهاز أو أنباء حول ما يقوم به من عمليات أو ما يحرزه من تطورات فيما يتعلق بمراكز التميز.
وإذا كان يمكن الاستناد إلى المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، فهو لم يبذل جهداً يُذكر لوضع خريطة حول الهجرة في المنطقة التي تصل نسبة المهاجرين فيها إلى 90% من السكان المحليين.
وفي حين يُمثِّل الحفاظ على السرية سمة مهمة بلا شك للكثير من العمليات الشرطية، إلا أنَّ قلة المستجدات التي يعرضها جهاز الشرطة الخليجية في جلسات الإحاطة الإعلامية الخاصة به تقع على النقيض التام من أسلوب الشفافية النسبية الذي ينتهجه الإنتربول في الكشف عن أنشطته وإنجازاته.
فمن جانبه، أعرب هانز جيكوب شندلر، كبير مديري منظمة Counter Extremism Project غير الحكومية، عن عدم اقتناعه التام بأنَّ جميع المشاركين الإقليميين في الاجتماعات والمبادرات المذكورة أعلاه موجودون بصفة رسمية نيابةً عن جهاز الشرطة الخليجية.
وأكد أنه خلال جميع السنوات التي تواصل فيها مع الوكالات الأمنية التابعة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، لم يصادف قط أي ممثل عن جهاز الشرطة الخليجية. ولم يرَ كذلك أية مستجدات بخصوص عمليات مشتركة للجهاز ونجاحات حققها.
ويرى شندلر أنَّ مجلس التعاون لدول الخليج العربي هو مجرد فكرة ومنظمة لم تصل قط إلى كامل إمكانياتها. إذ انزلقت المنظمة بلا شك خلال السنتين الماضيتين إلى حالة من الجمود يمكن أن يستغرق إصلاحها عقداً من الزمن.
تصاعد استهلاك المخدرات بالخليج كان سبباً في إنشاء الجهاز
تتشارك دول مجلس التعاون الخليجي في مجموعة من المشكلات تبرر تشكيل قوة شرطية إقليمية مشتركة، منها: تهريب المخدرات، وهو المجال الذي يتداخل أحياناً مع المنظمات الإرهابية والتكتلات الاحتكارية. وبحسب تقرير المخدرات العالمي لعام 2018، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بدأ مدى انتشار المخدرات وأسواقها في الاتساع على نحو غير مسبوق، مع وصول معدل إنتاج الكوكايين والأفيون إلى مستويات غير معهودة. وعلى الرغم من أنَّ أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية لا تزالان الوجهتين الأساسيين لإنتاج الكوكايين، يتخذ استهلاك هذا المخدر في أسواق أخرى، منها مثلاً شبه الجزيرة العربية، منحنى تصاعدياً.
وتشير إحصائيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أنَّ الإنتاج المرتفع يقابله ارتفاع حالات ضبط تهريب المخدرات. إذ شهدت منطقة الخليج تنفيذ عدد ملحوظ من العمليات المشتركة لوقف تهريب المواد غير المشروعة. ففي النصف الأول من عام 2017، شنَّت أقسام مكافحة المخدرات من الإمارات والسعودية وعمان جهوداً مشتركة لضبط ما يزيد على 150 كجم من مخدر الماريغوانا ونحو 3 ملايين من أقراص الكبتاجون. وأصبح الكبتاجون، وهي عقاقير منشطة، أشهر مُخدِّر في شبه الجزيرة العربية. وفي نفس العام، شكَّلت السلطات الإماراتية فريقاً مشتركاً مع المديرية العامة لمكافحة المخدرات في السعودية لضبط مليونين من أقراص الكبتاجون.
وعلى الرغم من أنَّ هذه العمليات تؤكد كيف يمكن أن تتصدى دول التعاون الخليجي معاً لتهريب المخدرات، فليس هناك ما يشير إلى أنَّ هذه الجهود بُذِلَت تحت راية جهاز الشرطة الخليجية. لكن الأكثر شيوعاً هو بذل هذه الدول جهوداً فردية وتأسيس شراكات دولية. إذ أقرَّت الإمارات بنفسها أنها "في حالة حرب" مع مهربي المخدرات. ففي عام 2017، ضبطت قوات الأمن الإماراتية 61,525 كجم من المواد المخدرة، بارتفاع 538.2% عن العام السابق له. إلا أنَّ أنجح شراكات الإمارات في هذا الصدد حدثت العام الماضي، حين تعاونت شرطة دبي مع نظيرتها البريطانية لضبط 1.4 طن كوكايين.
وبفضل استضافتها للقوات البحرية المشتركة، تقدم البحرين إسهامات إقليمية ملحوظة في أنشطة مكافحة المخدرات. وعلى مدار الشهور القليلة الماضية، ساعدت القوات الكندية الملتحقة بفرقة العمل المشتركة 150 على ضبط عدد من المراكب الشراعية في أثناء محاولة تهريبها 16 طناً من المخدرات. إضافة إلى ذلك، من النتائج البارزة التي أسفر عنها الحوار الاستراتيجي الكويتي-الأمريكي، هي توقيع مذكرة تعاون بين إدارتي مكافحة المخدرات الكويتية والأمريكية للتصدي للنشاطات الإجرامية العابرة للحدود القومية.
أزمة حصار قطر أضعفت من فُرصه في تشكيل جهاز شرطة قوي
لا يُعد غياب نشاطات رسمية أو مستدامة لجهاز الشرطة الخليجية بالأمر الغريب. إذ يستمر إلى الآن الحصار الذي تفرضه نصف دول مجلس التعاون الخليجي؛ وهي: البحرين والسعودية والإمارات، على قطر على خلفية مزاعم بأنها تدعم الإرهاب وترتبط بصلات وثيقة مع إيران. إذ يظل كبح النفوذ الإيراني أولوية قصوى للسعودية. وهذا هو الوضع تحديداً في اليمن التي مزقتها الحرب، حيث يقود السعوديون تحالفاً لمحاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. بمعنى آخر، لا تصدر عن مجلس التعاون الخليجي أية أفعال إلا باهتمام كامل من السعودية، تليها بدرجة أقل الإمارات.
ومع ذلك، فمثلما يوضح هانز-جيكوب شندلر، لم يخرج الإنتربول للحياة ومعه مكاتب جديدة لامعة ووفرة من الموارد؛ إذ تطلبت هذه الأشياء وقتاً للحصول عليها. وإضافة إلى ذلك، يعكس تشكيل جهاز الشرطة الخليجية وجود توافق عالمي واسع حول أنَّ الجريمة العابرة للحدود الوطنية لا يمكن أن تنجح الدول في مواجهتها منفردة. ومع ذلك، فمن الصعب تخيل أن تتمكن الدول الست أعضاء مجلس التعاون الخليجي من تنحية خلافاتها وآرائها الجيوسياسية المتباينة جانباً لتأسيس قوة شرطية إقليمية متماسكة ومعترف بها.
أدت حالة الجمود التي وصل إليها مجلس التعاون الخليجي نتيجة لأزمة قطر إلى انحسار التوقعات حول تحقيق تكامل اقتصادي بين دول المجلس، وضياع فرص استثمارية، وفرض قيود على حرية التنقل. أضف إلى ذلك نتيجة سلبية أخرى تتمثل في الانخفاض الكبير في فرص أن يصبح جهاز الشرطة الخليجية قوة حقيقية في هذه المنطقة.