اعتبرت مجلة Foreign Policy الأمريكية أن بعض الأنظمة العربية هي المسؤول الأول عن انتشار معاداة الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا، بسبب تعاونها مع بعض الأحزاب المتطرفة في دول أوروبية من أجل دعم أنظمتها "المستبدة".
وقالت المجلة الأمريكية إن 3 دول عربية وهي الإمارات ومصر والسعودية دعمت اليمين المتطرف في أوروبا خلال الأعوام الماضية من أجل تخويف الدول الغربية من جماعات الإسلام السياسي الذي تولى الحكم في بعض بلدان الربيع العربي عقب الثورات التي طالت المنطقة في 2011,
وفي عام 2017، في اجتماع عام بالرياض، أصدر وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبد الله بن زايد، تحذيراً يتعلَّق بالإسلاميين في أوروبا. قال زايد: "سيأتي يوم نرى فيه متطرفين وإرهابيين أكثر تطرفاً يخرجون من أوروبا بسبب انعدام اتخاذ القرارات أو محاولة أوروبا أن تكون على صواب سياسياً، أو الافتراض بأنهم يعرفون الشرق الأوسط والإسلام، ويعرفون الآخرين أكثر بكثير مما نعرف".
وأضاف بن زايد: "أنا آسف، لكن هذا جهلٌ خالص". كانت الرسالة واضحة: سيواجه القادة الأوروبيون مستقبلاً مليئاً بالتطرف الإسلامي إذا استمروا في التسامح مع وجود ما وصفه بالمتطرفين الراديكاليين والإرهابيين باسم حقوق الإنسان وحرية التعبير والديمقراطية.
على الرغم من مرور عامين تقريباً على هذا التصريح، هناك مقطعٌ انتشر مؤخراً من قِبل مواطن إماراتي بارز على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو حسن سجواني، في سياق مختلف تماماً: في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي نفَّذه أسترالي عنصري أبيض ضد المصلين المسلمين في مسجدين في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا، والذي أودى بحياة 50 شخصاً. نشر سجواني، الذي لديه روابط عائلية مع كل من الحكومة الإماراتية وعائلة ترامب (عمه هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة داماك العقارية، التي طورت نادي ترامب الدولي للغولف في دبي)، تغريدات من النوع المروج للخوف والمتضمن التحريض الضمني ضد المسلمين والتي كان لها الفضل على نطاق واسع في إلهام هجمات كرايستشيرش، بحسب المجلة الأمريكية.
مسؤولية الحكومات العربية
وتقول المجلة الأمريكية إنه مجرد مثال على اتجاه غالباً ما يجري تجاهله: مسؤولية الحكومات العربية والإسلامية في تأجيج الكراهية المعادية للمسلمين كجزء من حملاتهم لمحاربة المعارضة في الداخل والخارج. من خلال محاولة تبرير القمع واسترضاء الجماهير الغربية، أقامت بعض هذه الأنظمة ومؤيدوها تحالفاً غير رسمي مع الجماعات المحافظة واليمينية وشخصيات في الغرب مُكرَّسة لدفع التعصب المناهض للإسلام.
وبحسب المجلة الأمريكية تنفق الأنظمة العربية ملايين الدولارات على مؤسسات الفكر والرأي والمؤسسات الأكاديمية ومجموعات الضغط جزئياً لتشكيل التفكير في العواصم الغربية حول النشطاء السياسيين المحليين المعارضين لحكمهم، والذين يُعتَبَر الكثير منهم متدينين. كان مجال مكافحة التطرف هو الجبهة المثالية للرواية المفضلة للحكومات الإقليمية: فهو يثير تعاطف الغرب من خلال الزعم بأن الغرب أيضاً يعاني من غدر الجهاديين المتطرفين ومن خلال عرض العمل سوياً مع الغرب للقضاء على الجذور الأيديولوجية للتهديد الإسلامي.
استناداً إلى عشرات المحادثات التي أُجرِيَت على مدار عدة سنوات، وجدت المجلة الأمريكية أن الأنظمة الاستبدادية في المنطقة يدعمون بعناية الدوائر المحافظة واليمينية المتطرفة في الغرب التي يعتقدون أنها تميل إلى أجنداتهم المعادية للإسلاميين.
ولا تتقاطع الأهداف السياسية للجانبين بالكامل: يمكن أن تكون الإسلاموفوبيا الغربية أشد وطأة من التنوع الذي تدعمه الحكومات العربية. ومع ذلك، يجد كلا الجانبين الشراكة مفيدة. وتزعم الدعاية العربية أن هناك صلة متأصلة بين ما يسمى بالصواب السياسي والميل إلى التقليل من شأن الأيديولوجيات التي تؤدي إلى الإرهاب، وهي ادعاءات يستغلها المحافظون الغربيون لإضفاء الشرعية على حججهم الخاصة.
وقال وزير الخارجية الإماراتي لـ Fox News بعد شهر من المناقشة العامة في 2017 في الرياض: "سقف حديثنا منخفض للغاية عندما نتحدث عن التطرف". وأضاف: "لا يمكننا قبول التحريض أو التمويل. بالنسبة للعديد من البلدان، يتمثل تعريف الإرهاب في أنه يتعين عليك حمل سلاح أو إرهاب الناس. بالنسبة لنا، الأمر أبعد من ذلك بكثير".
تخويف الغرب من الإسلاميين
إن مثل هذه الحملات التي تقوم بها الحكومات العربية تتجاوز مجرد محاولة شرح التهديدات الدقيقة التي يشكلها الإسلاميون، والتي هي موجودة بالفعل. بدلاً من ذلك، فإنها تنطوي في الغالب على تكتيكات تخويف لإبراز التهديد وخلق جو لا يمكن فيه تصور وجود بديل لهذه الأنظمة من وجهة نظر السياسة الغربية. مثل هذه البيئة تُمكِّن هذه الأنظمة أيضاً من قمع المعارضة في الداخل دون عقاب. ويصبح الإرهاب مصطلحاً شاملاً لتبرير القمع. في المملكة السعودية، يُحدَّد حتى الملحدون ضمن قوانين مكافحة الإرهاب، بحسب المجلة الأمريكية.
استُخدِمَت هذه الأنماط لأكثر من عقد من الزمان ولكنها تكثفت في السنوات الأخيرة، وأثبتت أنها أدوات فعالة لكسب الأصدقاء والتأثير على الأعداء.
وعلى الجانب الآخر، زار ديفيد ديوك، الزعيم السابق لمنظمة كو كلوكس كلان العنصرية، دمشق في عام 2005، لإظهار تضامنه مع النظام السوري ضد الصهيونية والإمبريالية، وأعرب مراراً وتكراراً دعمه لرئيس النظام السوري بشار الأسد على الرغم من حملة الدكتاتور الوحشية ضد شعبه. في تغريدة عام 2017، كتب: "الأسد هو بطل من العصر الحديث يقف في وجه قوى شيطانية تسعى لتدمير شعبه وأمته -فليبارك الله الأسد!" بالمثل عبرت شخصياتٌ يمينية متطرفة في أوروبا عن مشاعر الود والصداقة للأسد.
في أغسطس/آب 2015، نشر رجل الأعمال البارز والمؤثر في دبي، محمد الحبتور، مقالة رأي مثيرة في The National، وهي صحيفة يومية تصدر باللغة الإنكليزية في الإمارات العربية المتحدة، موضحاً دعمه للمرشح الرئاسي المثير للجدل في ذلك الوقت دونالد ترامب، واصفاً إياه بأنه "خبير استراتيجي يتمتع بعقلية تجارية داهية"، على الرغم من تصريحاته التحريضية ضد المسلمين.
وأشار دعم الحبتور، المقرب من الحكومة الإماراتية، إلى أن هذه الحكومات، أو الشخصيات المقربة منها، كانت سعيدة بعقد التحالفات مع النشطاء المناهضين للإسلام في الغرب، بسبب خطابهم المعادي للمسلمين. في إجابة على سؤال حول تصريحات ترامب المعادية للمسلمين، أخبر وكالة Bloomberg لاحقاً أن تلك التصريحات كانت "حديثاً سياسياً" و"الكلام رخيص"، بحسب المجلة الأمريكية.
السعودية تلجأ إلى اليمين المتطرف
وبما أن هذه الأنظمة تواجه المزيد من الضغوط، فإنها تنشر مخاوف من التطرف والإرهاب لحشد الدعم. على سبيل المثال، مع تزايد انتقاد الدول الأوروبية للمملكة العربية السعودية العام الماضي بعد تزايد الضحايا في حرب اليمن، وسجن الناشطات، ومقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، تحولت الرياض إلى الأحزاب اليمينية للحصول على الدعم. من بين الجهود الأخرى، أُرسِلَ وفدٌ من النساء السعوديات للقاء الكتلة اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي. وفقاً لإلدار محمدوف، مستشار الاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، أصبحت المملكة السعودية في ما بعد قضية خلافية في بروكسل، حيث ضغطت قوى يسار الوسط من أجل اتخاذ قرارات ضد المملكة بينما عارضتها القوى اليمينية.
وبعد الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013، كانت الحكومة المصرية وداعموها الإقليميون في حالة تأهُّب كامل للمبالغة في مخاطر التطرف والترويج للجنرال عبدالفتاح السيسي باعتباره الرجل القوي الذي كان على استعداد لمواجهة ليس فقط المتطرفين ولكن أيضاً الفكر الإسلامي. وبعد بيان أدلى به السيسي في عام 2015، حول الحاجة إلى مراجعة الخطاب الإسلامي، متجاهلاً التراث الإسلامي الذي يعود إلى قرون من الزمان، استشهد المدافعون عنه بهذا الخطاب بشدة في واشنطن وعواصم أخرى كدليل على مؤهلاته المعادية للإسلاميين، بحسب المجلة الأمريكية.
من ناحية أخرى، رأت الحكومات الإقليمية أن صعود محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، إلى سدة الحكم يسير في نفس السياق. في رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي نُشرت في عام 2017، لخص السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة هذه الدعاية رداً على الشكاوى حول استمرار ظهور الجهاديين من المنطقة: "انظروا، سأكون أول من يعترف بأن هذه الأيديولوجية تمثل مشكلة وتحتاج إلى معالجة. لكننا في النهاية نرى شخصاً ما في السعودية يرغب في معالجتها. وهذا يمثل أولوية بالنسبة لنا". كما جرى تصوير أزمة قطر في عام 2017، بشكل مشابه كجزءٍ من جهدٍ إماراتي وسعودي لاقتلاع المتطرفين ومموليهم، الأمر الذي أيده ترامب لفترة وجيزة، بعد اختتام زيارة تاريخية إلى الرياض.
هذه الأنظمة تتعمَّد دفع الدعاية المناهضة للناشطين السياسيين والدينيين الذين يعيشون الآن في الغرب من أجل تهميشهم وإسكاتهم في منازلهم الجديدة. جدير بالذكر أن العديد من هؤلاء الأفراد قد فروا من القمع وطلبوا الحماية في تلك البلدان الديمقراطية، ووصفهم بأنهم جهاديون دينيون أو متسللون يجعل من السهل تشويه نشاطهم المناهض للنظام. علاوة على أن صعود الناشطين والسياسيين الغربيين المسلمين الأقوياء يزيد من قلق هذه الأنظمة على استقرارها الداخلي، بحسب المجلة الأمريكية.
إن دور البلدان الأجنبية في تأجيج دورة التعصب وكراهية الأجانب المسلمين يستحق أن يكون مجال تركيز عاجل. على عكس ما قاله الحبتور عن خطاب ترامب المعادي للمسلمين، فإن الكلام ليس رخيصاً، فالأحداث في نيوزيلندا أظهرت أن الكلام يمكن أن يكون ثمنه أرواحاً بريئة.